الواصل إلى بلدة بنشعي الزغرتاوية،لن يبالغ إذا قارنها بإحدى بلدات الريف الفرنسي،تغزو البلدة الهادئة علامات «عز» لا تجدها في معظم البلدات اللبنانية،كل ذلك يُربط بـ«بيك زغرتا» سليمان فرنجية.
الواصل إلى بلدة بنشعي الزغرتاوية، لن يبالغ إذا قارنها بإحدى بلدات الريف الفرنسي. تغزو البلدة الهادئة علامات «عز» لا تجدها في معظم البلدات اللبنانية. كل ذلك يُربط بـ«بيك زغرتا» سليمان فرنجية، الذي جعل منها قرية نموذجية يطيب لزائرها الفيء في ظلال أشجارها. الكثير من الأفكار المسبقة تحملها معك للقاء العائلة الصغيرة التي تعيش في ذلك البيت الحصين، المحروس بهمة عشرات الشبان من أهل المنطقة، إضافة إلى كاميرات المراقبة التي ترافقك كيفما سرت.
عند باب المنزل الخشبي، استقبلنا سليمان فرنجية وزوجته السيدة ريما وبعض القياديين في «المردة». ثمة مفارقات للزائر للمرة الأولى. لطف استثنائي وابتسامة دائمة من «الست ريما» تضاف إلى إحساس سريع بـ«رفع الكلفة» مع فرنجية. ديكور يستنفر الحواس، في ظل انتشار منظم لرؤوس حيوانات برية محنطة ومعلقة على الجدران. جلود حيوانية في الأرضية الخشبية تختلط بلوحات تشكيلية عريقة، لكن معظمها «صنع في زغرتا».
أعجبته صورة أثناء قراءته لأحد كتب الصيد، وهي تضم عدداً من الأشخاص في القرون الوسطى في أوروبا ومعهم بعض كلاب الصيد. يقول «البيك» إن هذه اللوحة التي خطتها ريشة فنان زغرتاوي مغمور، أعجبت الرئيس سعد الحريري عندما زاره يوماً في بنشعي، وظن الأخير أنها ذات قيمة فنية كبيرة تساوي مئات آلاف الدولارات فيما هي لم تكلفه أكثر من خمسة آلاف دولار.
وصلت فيرا سليمان فرنجية من المدرسة. تسرع الأم نحو ابنة الأربع سنوات ونيف ثم تعرّف الحاضرين عليها، قبل أن تقبل الطفلة والدها وتهديه «رسمتها» الجديدة.. وتغادر بدلال.
لم يدم اللقاء في الداخل أكثر من دقائق. «البيك» أنجز منذ ايام «قعدة صيفية» في الحديقة الخلفية للمنزل، حيث شجرة الزنزلخت الوارفة تنشر الفيء والهواء الذي يكسر حدة فترة الظهيرة، برغم عمرها الذي لا يتجاوز السنتين.
في هذا الوقت، كانت ريما تحضر سترة زوجها، موضحة: لا يطيق البدلات أو ربطات العنق. من السهل ملاحظة أنه لم يتغير شيء في حديث فرنجية عند بدء تسجيل الحوار. فالعفوية والصراحة حكما اللقاء. ولا يتعب فرنجية في اختيار كلماته. يقولها من دون تكلف أو تنميق. لتكون النتيجة دائماً لا أسئلة تحرج «البيك». حتى السؤال عن امتلاكه للسلاح يرد عليه: «الجميع يملك السلاح».
لا يدعي فرنجية ولا يسقط أفكاره. يقول هذه قراءتي للأمور، بغض النظر عما إذا كانت تسعد خصماً أو تزعج صديقاً. وعليه، لا يحمّل الحوار أكثر مما يحتمل. يعتبر أن عدم التحضير له خارجياً سيجعله بلا نتيجة، من دون أن يقلل من أهمية الجلوس على الطاولة المشتركةً.
يبدو فرنجية قلقاً مما يجري في الشمال. يرى أنه لم يعد يوجد دولة بل ميليشيات ضمن الدولة. ومع أن الوضع ينحو من سيء إلى أسوأ، فهو يحمل القيادات السياسية مسؤولية ما يحصل، لأنها تنجر وراء الشارع بدل الضغط لضبط الوضع، محذراً من خطورة ما يجري على وحدة الجيش.
يميز فرنجية بين الجيش الوطني وقائده غير المحسوب على أحد وبين قوى الأمن التي «تنظم مجموعات عسكرية للقتال في الزواريب، فيما مديرها اللواء أشرف ريفي «يتفرعن» بعدما لم يجد من يرده».
وإذ يخشى فرنجية من الاحتراب الأهلي، إلا أنه يرى أنه إذا حصل «فلن يكون إلا تعبيراً عن حالة المذهبة التي تعيشها المنطقة»، ساخراً ممن يقول «من سيحارب من؟». أما الاهتمام الخارجي باستقرار لبنان فلا يراه مرتبطاً بخشيتهم على لبنان نفسه، بقدر رغبتهم بالتفرغ لسوريا «المطلوب ضربها لإسقاط أوراقها في المنطقة».
في الموضوع السوري، ما يزال فرنجية على اطمئنانه لرجحان كفة النظام، الذي أصبح وضعه أفضل على الأرض، في الشهرين الأخيرين، برغم ازدياد الضغوط الخارجية عليه. يقول انه حتى لو حصل الاصلاح كانت المؤامرة ستستمر، ويستشهد بقول لأمير قطر أمامه قبل اسابيع من بدء «الثورات».
يتكلم فرنجية عن العماد ميشال عون بتقدير عال، فيما ما يزال على موقفه بان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هو أفضل رئيس حكومة في الوقت الحالي.
لا يغادر فرنجية بنشعي إلا في ما ندر. وهو لا يمانع في إلغاء الكثير من المواعيد التي تفرض عليه التواجد في منزله في بيروت. آخر لقاء مع السيد حسن نصرالله كان منذ شهرين، وهو يدرك كلفة اللقاءات مع «السيد»، بالمعنى الأمني والجسدي، ولذلك لا يطلب موعدا الا عند الضرورة.
أما التواصل بينه وبين الرئيس بشار الأسد، فيستمر بتوقيت شبه أسبوعي.
يستهل فرنجية حديثه بالقول: «أنا خائف على لبنان، لأنه «موزاييك»، أو بالأحرى «ماكيت» عن الشرق الأوسط. أرضه خصبة من جهة، ومن جهة أخرى فإن عجز المسؤولين يؤدي الى تحييد الجيش اللبناني عن القيام بمهماته. السياسة هي التي تحرك الجيش، فإذا كان هناك وحدة سياسية على وحدة الجيش، يتوحد، وإذا كان هناك انقسام ينقسم، وإذا كان هناك تردد.. ينكفئ، وما أراه اليوم أن الجيش منكفئ، بغض النظر عما اذا كان يعالج أمرا هنا أو أمرا هناك.
يضيف: بالطبع كلنا نريد الجيش. ولكن تصبح الحاجة اليه مضاعفة في الأزمات. إذا كان المواطن يعاني أزمة أمنية ولم يجد جيش.. فماذا يفعل؟ هناك نأي بالنفس في السياسة، ولكن هذا النأي بالنفس غير ممكن بالأمن. أنا في هذا الاطار لا أحمّل المسؤولية للجيش اللبناني، بل تقع على عاتق القيادة السياسية بأن تؤمن الغطاء الكامل له، وأرى أن الوظيفة الرئيسية للمؤسسة العسكرية تترجم في الظروف التي نعيشها، وليست وظيفتها أن تنظم السير. اليوم نرى أن الدرك ينظم مجموعات عسكرية للقتال في الزواريب، والجيش ينظم السير. الجيش وطني، أما المؤسسة الأمنية المتمثلة بقوى الأمن، فهي باتت محسوبة على فئة محددة. صحيح أن قائد الجيش ماروني لكنه ليس محسوبا على طرف سياسي في البلد نهائيا، أما قوى الأمن، فمحسوبة قيادتها على طرف سياسي، وليست حيادية.
ويتابع فرنجية: ما يدعو للحزن هو أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي يرفض أمرا من رئيس الجمهورية يتعلق بموضوع مبنى الاتصالات في العدلية، ومن ثم نرى أن الرئيس سليمان يصطحبه معه في رحلة رسمية (الى أستراليا)، وعلى الأقل كان يجب قبل ذلك أن يعتذر من رئيس الجمهورية، ولكن كما يقول المثل: «يا عنتر مين عنترك؟ قال عنترت وما حدا ردني».
هل تعتبر أن هيبة الدولة قد كسرت نهائيا؟
لم يعد هناك دولة، بل ميليشيات ضمن الدولة. نأمل أن تثمر عملية تفعيل الحكومة، ونحن بالطبع ضد إسقاط الحكومة. الرئيس نجيب ميقاتي هو أفضل رئيس حكومة في الوقت الحالي بغض النظر عن الصداقة التي تربطني به. أعتقد أنه لو كان هناك في الظرف الحالي أي رئيس حكومة غيره، سواء من 8 أو 14 آذار، لكان الوضع أسوأ مما هو عليه اليوم. حتى أنني لا أخفي عليكم أن عاطفتي كانت مع الرئيس عمر كرامي أو مع الصديق عبد الرحيم مراد، لكن أردنا تمرير الأمور بالتي هي أحسن وكان أفضل حل للبلد هو الرئيس ميقاتي.
لا شك بأن تفعيل العمل الحكومي ضروري، لا سيما بما يتعلق بالشأن المعيشي وأمن المواطن الاجتماعي والأمني، وهذه أمور لا يمكن للحكومة أن تنأى بنفسها عنها، ولا يجوز أن يكون الجيش على الحياد، كما لا يجوز أن يكون هناك نأي بالنفس عن الأمن، لأن الأمن على الحياد يساوي التحضير للحرب.
لا أستبعد المفاجآت في الحوار
ما هو المطلوب من الحوار وهل يمكن الخروج بنظرة موحدة لمفهوم الدولة؟
في الحوار، يجب أن تطرح كل الهواجس. إذا لم ينطلق الحوار من هذا الأساس يكون هناك مشكلة حقيقية. الحوار المشروط يدل على أن كلا من هذه القوى تعتبر نفسها الأقوى وتريد فرض شروطها، ولكن الأمر الجيد أن يحصل الحوار.
بصراحة نحن لم نفهم لماذا ننزل الى الحوار، ولن نفهم ماذا سيدور من كلام على طاولة الحوار، ولكنني أرى أن كل طرف سيطرح وجهة نظره التي سبق وطرحها في الاعلام، والنتيجة ستكون أن أفضل شيء أننا في النهاية جلسنا بعضنا مع بعض وتصورنا أيضا، ومن ثم تترك الجلسات المفتوحة، ولا نستبعد حصول مفاجآت، لجهة طرح حكومة وفاق وطني أو حكومة حيادية، وكل حكومة من هذا النوع نعتبرها لغما، لأن الحكومة الحالية هي الحكومة المنطقية اليوم. إذا طرحت قضايا من هذا النوع، في الحوار، فإن الأمور لن تسير في الاتجاه الصحيح، لأننا نعتبره طرحا مفخخا.
هل يمكن أن يؤدي الحوار الى نتيجة؟
لا أرى أن الحوار سيؤدي الى نتيجة، ولست متفائلا كفاية لأنني لا أرى أن هذا الحوار محضّر خارجيا، بل هناك تشجيع فقط، وعدا «القوات»، كل الأطراف ستشارك، لكي لا تسجل على نفسها مسؤولية عدم المشاركة.
هل يعكس التشجيع الخارجي لفكرة الحوار أن أمن لبنان واستقراره ما زالا مطلبا دوليا وعربيا؟
هناك فرق بين أن الاهتمام بأمن لبنان واستقراره، وبين أن يكون أمن لبنان واستقراره اليوم مفيدا لهم حتى يتفرغوا لسوريا. هؤلاء عندهم «أجندة». قبل 15 سنة كانت هذه «الأجندة» تقول بضرب مصادر قوة سوريا في المنطقة، ورأينا كيف تم ضرب «حماس» و«حزب الله». فشل المشروع، وهم اليوم يرون أن ضرب سوريا يؤدي تلقائيا الى إضعاف مصادر القوة أو هذه الأوراق، وهم تمكنوا عبر الجو الطائفي والمذهبي من تحييد «حماس»، وكان موضوع المحكمة الدولية الذي أكثر ما يثبت لنا اليوم أنها مسيّسة هو أنه في 24 ساعة كان في ملف المحكمة اتصالات وموقوفون بالاتصالات، والضباط الأربعة، وهؤلاء أصبحوا جميعهم أبرياء، وبرمت الأمور على سيناريو اتهام «حزب الله» باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
لماذا حصل كل ذلك بهذه السرعة؟ يأتينا الجواب من سوريا بأنه جرى تبديل «الأجندة»، المطلوب ضرب النظام لإسقاط سوريا وإسقاط أوراقها في المنطقة، وتلقائيا يصبح الملف جاهزا وكاملا على «حزب الله»، بعد تحييد «حماس»، وإذا سُلم المتهمون نصل الى رأس الهرم الحزبي في المحكمة الدولية، وإذا لم يسلموا ندخل في قضية الارهاب وبالتالي تصبح الأمور مكشوفة.
ما أراه اليوم أن «الأجندة» الخارجية تقضي بالحفاظ على الاستقرار في لبنان، لحين الانتهاء من سوريا ومن ثم يأتي دورنا. اليوم يريدون التحضير لمنطقة عازلة. المضحك أنهم يقولون في كل مرة من سيقاتل من؟ لقد خضنا حربا على مدى 15 سنة ووُجد من يقاتل من، والشعب اللبناني كله يشبه بعضه البعض، تدفع له المال وتشتري له السلاح وتدربه فيقاتل، وهذا السؤال كان يمكن أن يطرح في سوريا من يقاتل من؟ حيث النظام أقوى وأكثر تماسكا، لكن عندما جاؤوا بأشخاص كانوا يقبضون في الشهر مئة دولار فأصبحوا يقبضون ثلاثة آلاف دولار في الشهر تحول الأمر الى «بزنس» وأصبح هؤلاء الأشخاص يحملون السلاح ويقاتلون، والصندوق الذي أنشئ في تركيا كانت دفعته الأولى 300 مليون دولار. 20 ألف شخص بألف دولار في الشهر، يكفيهم هذا المبلغ لمدة سنة. طبعا هذا المعلن، من دون الأموال غير المنظورة.
يعني ذلك أن الطبق الأساس على طاولة الحوار هو الطبق السوري؟
نحن مع النظام في سوريا، لكن الفرق بيننا وبين الفريق الآخر، أن لا أحد منا يريد جر لبنان الى التهلكة كرمى للنظام السوري. نعم أنا من المراهنين على هذا النظام، لكنني لا أضر لبنان من خلال موقفي السياسي هذا، في حين نرى ماذا يفعل «تيار المستقبل» من أجل «الجيش السوري الحر»، سواء عبر الدعم المالي والتسليح الذي يقدمه له أو الأجواء التي يشيعها، أو السم الذي يطرحه، أو المذهبية.. وكل ذلك يؤذي لبنان ويهدده.
ثم انني كأقلية، أرى في الأفق ما يهددني ويجعلني أخاف لأنه لا يتعاطى معي بعلمانية أو بطريقة ديموقراطية. من حقي أن أخاف، لأن تجربة تونس ومصر لا تشجعني، وأنا مع النظام السوري لأنه يحمي الأقليات وهو علماني، أما إذا جاء نظام طائفي فأنا لا أستطيع أن أكون معه لأنه يشكل خطراً عليّ، أما النظام الذي يطرح نفسه بديلا فيقول إنه يريد أن يحكم ويفرض قانون الشريعة، فكيف يمكن أن أمشي معه؟
لقد سمعنا الشيخ سعد الحريري يقول إنه «إذا لم يفرجوا عن المخطوفين فسأوقف التمويل»، وقد انتظرنا أن يصدر تكذيب من مكتبه لكن لم يصدر شيء، ما يعني أنه يمول المعارضة وهذه مشكلة، وربما لم يسقط النظام، ولا أراه أنه سيسقط، فماذا يمكن أن يحصل بعد ذلك؟
لبنان أولا.. وأخيرا
هل العنصر السوري بات عنصر تفجير في لبنان؟
العنصر السوري «ما فارقة معه» لأنه يريد مصلحته.
هل وصل النظام السوري الى مرحلة عليّ وعلى أعدائي يا رب؟
لا أعتقد ذلك. ما هي مصلحة النظام في تفجير لبنان، أنا أرى أن النظام يريد حماية نفسه، وإذا أنشأت له في لبنان منطقة عازلة أو حاضنة لكل أعدائه، فمن الطبيعي أن يعاديك، وإذا وقفت على الحياد فسيقف على الحياد، وإذا وقفت معه فسيقف معك. وإذا كان صحيحا ما يقال بأن السوري يريد إشعال لبنان، فعليك أنت ألا تعطيه الذرائع لذلك.
يقولون لك جبل محسن. هل جبل محسن قادر على إشعال لبنان، على من يضحكون؟ ثم بعد ذلك كيف لخمسة آلاف شخص يعيشون بين 500 ألف نسمة أن يعتدوا عليهم؟ وأين مصلحتهم في ذلك؟ على العكس، نحن نسمع من الطرف الآخر أن هذه المجموعة نريد أن نقتلعها، ونسمع من هذه المجموعة أنها تريد الدفاع عن النفس.
لقد قالت قوى 14 آذار قبل ذلك ان سوريا في سوريا ولبنان في لبنان، وعليهم اليوم أن يعملوا على تطبيق هذا الشعار، وإذا كان عندهم شعار «لبنان أولا»، فنحن نعتبر أن شعارنا كان ولا يزال «لبنان أولا.. وأخيرا».
هل أنت خائف اليوم على البلد؟
أنا لست مرتاحا. المنطقة أصبحت ممذهبة. لم يعد هناك عروبة، ولم يعد هناك قضية فلسطينية، بل أصبح عندنا فقط الحديث عن السني والشيعي، وتصنيف الناس وفق انتماءاتهم، ونحن نرى كيف دفع العلويون الثمن في مدينة طرابلس نفسها، أي خارج جبل محسن، وحتما من فجرت ممتلكاتهم ليسوا من جماعة «بيت عيد».
هل يمكن الاستدراك؟
إذا تمكن السياسيون من النزول الى الأرض، للضغط على الناس، وعدم الخوف منهم أو الانجرار فأعتقد أنهم يستدركون.
التجربة ماذا تقول؟
السياسيون اليوم ينجرون وراء الناس. عندما خطف الزوار الشيعة في سوريا، نزل المواطنون الى الشارع، ووجدنا أن خطابا لمدة خمس دقائق من السيد حسن نصرالله أعاد الأمور الى طبيعتها، هذا يعني أن هناك قيادة. المؤسف أن هناك قيادات قادرة على جمع شارعها، وبالمقابل، هناك قيادات تبدو ضعيفة تجاه شارعها، لأنها لا تريد أن تخسرهم في الانتخابات، مشكلة هؤلاء أنهم يشتغلون أربع سنوات انتخابات وليس أربعة أشهر.. هذه هي قمة الخطأ. ليس بالضرورة أن نساير، لكن بعد فترة وعندما يعود الناس الى رشدهم، يجدون أن هذا هو الصواب. في الكثير من المراحل، أخذنا مواقف ضد الرأي العام وخصوصا المسيحي بـ180 درجة، وإذا راجعت التاريخ كانوا يقولون في كل مرة انه كان معك حق، وأتمنى أن يكون هناك قيادات من هذا النوع، في كثير من الأوقات، يأخذ الشارع مواقف متسرعة، لكن على المسؤول أن يضبط هذا الشارع وتوجهاته، واليوم وفي هذه الظروف يظهر من هو المسؤول ومن هو رجل الدولة القادر على تمرير هذه المرحلة.
ما هي المشكلة في طرابلس؟
الأكثرية الطرابلسية الساحقة ترفض ما يحصل. هناك قلة قليلة من الأشخاص يعتاشون من هذه التوترات. مشكلة طرابلس الحقيقية هي الفقر. هناك تاريخ من الاهمال، والأنكى من ذلك أن من أهملوا طرابلس.. هم الأكثر سيطرة على المدينة، ونحن نعلم أن أكثر شخص حرم طرابلس وجعلها تدفع الثمن هو الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكذلك بالنسبة إلى عكار، فمن العام 1992 الى العام 2004 لم تحصّل هذه المناطق شيئا سواء في طرابلس أو عكار.. وكذلك الأمر من العام 2005 الى العام 2009، وهذه المنطقة أكبر خزان بشري لتيار «المستقبل»، وغدا في الانتخابات يدفع الأموال ويعتمد المذهبية ويخلق خصما أو عدوا أو شبحا، وبيمشي الحال. أكثر من ذلك، اليوم بات الحريري يدفع عن دورتين انتخابيتين. يعد في الدورة الأولى ويسدد في الدورة التي تليها.
ليعد العرب عربا.. فنكون معهم
هل عادت سوريا ساحة للصراع؟
نعم هي الآن ساحة، لكن أعتقد أن سوريا اليوم مرتاحة أمنيا وعسكريا أكثر مما كانت عليه قبل شهرين، لكن الاعلام أقوى، والمجازر التي حصلت ساهمت في التأزيم، والتركيز اليوم هو على المناطق الحدودية في لبنان والأردن وتركيا، فعندما يكون هناك مجموعات تتدرب وتدخل وتخرج.. تصبح القصة طويلة.
هناك اليوم محاولة لقلب الصراع من صراع عربي ـ إسرائيلي إلى صراع سني ـ شـيعي. إذا كانت قيادات السنة والشيعة واعية للموضوع يمكن تجاوز الأزمة، وإذا كانوا متهورين، يختلف الأمر. نشعر أن هناك زعامات عربية ترسم الطريق لكثير من القيادات المحلية للسير عليها. نحن لم نكن نسمع بالخطر الايراني إلا منذ فترة وجيزة، أين هذا الخطر؟ وماذا أخذ الايرانيون غير تبنيهم قضية فلسطين؟ وإذا عاد العرب الى تبني القضية الفلسطينية والى تبني العروبة نفسها، فأين تصبح إيران؟ وماذا يصبح دورها؟
اليوم نسمعهم يتحدثون عن تقسيم سوريا وعن حرب أهلية وفرز طائفي، وكل هدفهم قطع ما يسمونه «الهلال الشيعي»، من خلال إيجاد دولة علوية في الساحل ودولة سنية في الداخل تمنع استكمال ما يسمى «الهلال»، وهذا أمر من شأنه أن يفتت المنطقة، ولن يستطيع أي نظام عربي أو خليجي أن يحمي نفسه.
نحن لا نريد الحرب في المنطقة، بل دعاة سلام عادل وشامل ومشرف، واذا تحقق ذلك، «حزب الله» وحده يسلم سلاحه، لكنهم يريدون سحب سلاح «حزب الله» من دون أن يضعوا شرطا واحدا على إسرائيل مقابل ذلك، وكأنهم بذلك ينفذون أهداف الحرب الاسرائيلية على لبنان. ليطرحوا أقله مبادرة الملك عبد الله. الحقيقة أننا بتنا أمام حالة انهزام أمام المشروع الاسرائيلي والاميركي، وأكثر ما يصيبني بالحزن هو عندما أجد أن مواطنا لبنانيا بات يفضل الاسرائيلي على مواطن لبناني آخر، وهذا أخطر ما في الأمر، بالأمس شاهدنا أن لبنانية تدعى أرزة سعد حداد التي عملت على تطوير صاروخ إسرائيلي، فماذا تريدون أخطر من ذلك؟
هل هناك خطر على المسيحيين؟
من يخطط في أوروبا للخمسين سنة المقبلة، يهمه كثيرا أن يستقدم مسيحيي الشرق، وذلك كما فكرت إسرائيل سابقا عندما عملت على استقدام كل يهود العالم الى فلسطين. اليوم الفرنسي يقول انه بعد خمسين سنة ستصبح هناك في فرنسا أكثرية مسلمة، وبالتالي من مصلحته أن يستقدم مسيحيي الشرق، وهذا ينسحب على كل أوروبا، وهذا يغرينا في لبنان انطلاقا من العلاقة مع الغرب، وبالطبع في أوروبا هناك من يخطط ولا شيء أهم من مسيحيي الشرق بالنسبة لهم، وقد رأينا في العراق كل التسهيلات التي منحت الى المسيحيين للمغادرة سواء الى أميركا أو أوروبا. أنا أعتقد أن أهم ما حصل على الصعيد المسيحي في لبنان ـ والفضل بذلك يعود الى العماد ميشال عون ـ أن المسيحي اللبناني بات مسيّسا، وقد عملنا نحن على جزء صغير، لكن الجزء الأكبر عمل عليه العماد عون ولم يعد المسيحي سطحيا في السياسة، بل بات يفكر في عمق المشكلة.
مواقف بكركي موضوعية
وصفير كان منحازاً
كيف تفسر خطاب البطريرك الماروني بشارة الراعي؟
مقولة أن البطريرك الراعي معنا هي كذبة كبيرة. للبطريرك هواجسه كما عند كل مسيحي هواجسه. البطريرك لم يقل يوماً إنه مع النظام في سوريا أو إنه مع المقاومة، لكنه اتهم بذلك. هو قال إننا لا نستطيع أن نكون مع سقوط النظام في سوريا إذا كان ذلك سيؤدي الى مجيء نظام أسوأ منه، وقال بالنسبة للمقاومة بأن اسحبوا مبررات وجودها.. ساعتها نطالب بسحب سلاحها.. ليس صحيحاً أن البطريرك هو 8 آذار. الصحيح أن البطريرك صفير كان مع 14 آذار، والبطريرك الحالي أصبح موضوعياً، ومواقفه خاضعة للمناقشة الموضوعية، وهو يتحدث لمصلحة المسيحيين في الشرق، والموارنة على وجه الخصوص، لكونه رأس الكنيسة المارونية..
هل ما يردده يعبر عن سياسة الفاتيكان؟
البطريرك يتحدث لغة الفاتيكان نفسها. هناك خوف فاتيكاني على المسيحيين في الشرق، وهو خوف موجود ومشروع. لا نريد أن نضحك على بعضنا البعض. هناك من يقول إن نظاماً للاخوان المسلمين سيقوم في سوريا، فكيف يرتاح المسيحيون في ظل نظام كهذا، وهذا ينطبق على كل الأقليات، حيث إن المعتدل لن يكون مرتاحاً في ظل نظام كهذا.
{ وليد جنبلاط يمثل أقلية، لكنه ليس خائفا؟
^ لا أدري اذا كان جنبلاط يغلّب مشروعه الخاص على المشروع العام. الفارق بيننا وبين أخصامنا وخصوصاً المسيحيين في 14 آذار، أننا نقول: إذا جاء الاخوان المسلمون وحكموا في سوريا يكون لا حول ولا قوة، لكن لا نعمل لكي يأتوا الى الحكم، مسيحيو 14 آذار يعملون اليوم على استقدام حكم الاخوان.
خمس بواخر سلاح دخلت
هل تعتقد أن هناك من يسعى لإنشاء منطقة عازلة في عكار؟
هناك منطقة عازلة في جزء من عكار، وهي تمتد شيئاً فشيئاً، وإذا نظرنا الى احتفال الجنادرية، منذ شهور عدة، نجد أنه كان يجلس على يمين الملك عبدالله، النائب خالد الضاهر، وهذه رسالة تترجم اليوم. بالأمس قالها سعود الفيصل بوضوح وبالفم الملآن إننا نريد إنشاء منطقة عازلة، فأين يمون السعوديون؟ بالطبع في لبنان.
هل من علاقة بين ذلك واستهداف الجيش؟
نعم هناك محاولات اليوم لتحييد الجيش اللبناني كي يرتاحوا بالشغل للمنطقة العازلة، وعكار ما تزال تحتاج الى بعض الأمور لاستكمال المنطقة العازلة، مثل تأمين المرفأ، وبالأمس تم توقيف باخرة محملة بالسلاح، لكن معلوماتي تقول إن أكثر من خمس بواخر مماثلة دخلت عبر لبنان. السلاح الذي ظهر في طرابلس أكبر دليل، ولا نريد الخوض في المعلومات، بل دعونا نعتمد على ما نشاهده، هذه بندقية الـ«فال» التي كانت تقاتل في ليبيا تقاتل اليوم في سوريا ولبنان، وهذا يعني أن السلاح يأتي من ليبيا وبكميات كبيرة ومختلفة. بدأوا بـ«البومب أكشن» في البداية، واليوم أصبحنا في مرحلة «أربي جي» و«ب 10» ويمكن بعد فترة أن نصل الى أكثر من ذلك.
أنت خائف على الجيش اللبناني؟
الله يساعد الجيش. هناك خشية من انقسامه، وأكبر ضربة في خاصرة الجيش هي عكار، وعندما تحصل المشكلة في عكار تكون خطيرة، لأنها خزان الجيش بنسبة 50%، فاذا تدخل هناك في مشكلة وإذا لم يتدخل.. هناك مشكلة كذلك. هم يطالبون الجيش ببسلط سلطته على كامل الحدود. هناك 300 كيلومتر من الحدود. إذا كانت هناك إرادة فعلية لعدم التدخل بالشأن السوري يمكن أن نصل الى نتيجة، أما إذا كان الأمر مجرد مناورات، فإننا نناور على بعضنا البعض.
هل يعني انقسام الجيش أننا أمام تكرار مشهد العام 1975؟
إن شاء الله، وبوعي المسؤولين، لا يحصل ذلك.
ماذا ستقول لزملائك في الحوار اليوم؟
سوف أبارك لهم بعمر السنة للحكومة، وسوف أقول لهم عقبال المئة، نحن سنسمع أكثر مما سنتكلم.
سيتذرعون بأحداث طرابلس وغيرها للمطالبة بتغيير الحكومة؟
إذا تغيرت الحكومة أو إذا أصبحنا بلا حكومة ماذا يحصل؟ وإذا جاءت حكومة من لون واحد، ستحصل مشكلة في البلد، وبرأيي إذا كان هناك إرادة يمكن ضبط الاستقرار، أما إذا لم يكن هناك إرادة، سواء عبر هذه الحكومة أو عبر غيرها، فلا أحد يستطيع أن يضبط الوضع، لكن نأمل أن تتمكن هذه الحكومة من القيام ببعض الأعمال بعد مقرراتها الأخيرة. هم يقولون إننا نريد أن نعمل بالأموال من أجل الانتخابات، ماشي الحال. أعتقد أن إعطاء طرابلس مبلغ مئة مليون دولار أمر مهم، ويجب أن يخرجنا من واقع الشلل والركود الاقتصادي في المدينة.
قطر وتركيا عادتا إلى مواقعهما
تلتقي سفراء أجانب كثيرين، ما هي رؤيتهم للأزمة؟
السفراء الأجانب خائفون على لبنان، ولا يريدون أن تنعكس الأزمة السورية على لبنان، هذا لا يعبر بالضرورة عن اهتمامهم بلبنان بل لأن هناك أولويات. لا أرى أن ثمة نظرة أو رؤية غربية واضحة للبنان أو سوريا أو للمنطقة. الظروف هي التي تبدل المواقف الغربية التي تتأرجح بين إسقاط النظام في سوريا، أو إسقاط الرئيس الأسد والإبقاء على النظام، أو الإبقاء على الاثنين معاً، أو المفاوضات مع المعارضة في الخارج، أو مع المعارضة في الداخل. السفراء ليس من صلاحياتهم التحليل، بل كل سفير يرفع تقريره بما سمع من مواقف وهذا ظهر في «ويكيليكس»، الوحيد الذي كان يعبر عن رأيه هو السفير جيفري فيلتمان. غيره هم سعاة بريد لإداراتهم، ومواقفهم تكون انعكاساً لما تريده حكومات بلادهم. هم كانوا يريدون إسقاط النظام السوري، ويعطونه شهرين للسقوط، أما اليوم فيقولون إن النظام باق، وقد قبلنا بأن ترعى روسيا الحل والمفاوضات مع المعارضة الداخلية، وغير ذلك. ترى الفرنسي يصعّد والانكليزي يسعى للتهدئة والاسباني أو غيره ينأى بنفسه الخ... أعتقد أن من يحمل السلم بالعرض هي الدول العربية عموماً، والخليجية خصوصاً. هؤلاء يأخذون الأمور من الناحية الشخصية، وهذا يظهر في لبنان. عندما يختلفون مع سوريا يقاطعون كل حلفائها في لبنان، وسفراؤهم يجاهرون بأننا مع هذا الفريق ضد الفريق الآخر، وهم لا يقومون بزيارتي ولا بزيارة غيري من هذا الخط.
لكن السفير السعودي زارك سابقاً؟
(ضحك) كان ذلك في زمن الـ«س ـ س«. اليوم أصبحنا في أيام الـ«س ـ ج».
ما هو تفسيرك لموقف قطر؟
كنت اسأل دائما أن قطر التي لديها قواعد أميركية وعلاقة مع إسرائيل لماذا هي معنا؟ اليوم التفسير بات واضحاً. أرى أن قطر وتركيا كانتا تلتزمان إخراج سوريا من إيران بطريقة الإغراء، وعندما فشلتا عادتا الى مواقعهما.
كم أثر إسقاط حكومة سعد الحريري في الموضوع السوري ـ السعودي؟
عندما جاء القطري والتركي الى بيروت (في نهاية العام 2010).. «سبق السيف العذل». المشكلة الحقيقية التي حصلت كانت في العراق، وقد بدأت الـ س ـ س عندما هدد نوري المالكي سوريا بمحكمة دولية وصار الخلاف ومشى السوريون بإياد علاوي، وكان الايراني يقول إن المالكي أفضل وإننا نحاول إقناع الرئيس الأسد بذلك، وكان يحاول معالجة هذا الموضوع، وعندما تمت المعالجة ومشى الرئيس الأسد بالمالكي اعتبروا في الجهة المقابلة أن الأسد رجح كفة إيران في العراق وانقلبت الدنيا رأساً على عقب على السوري، وكل ما عدا ذلك هو أعذار وتفاصيل.
ما مدى صحة تحميل سوريا مسؤولية فرط حكومة الحريري؟
كان هناك ضغط دائم من الرئيس الأسد لعدم فرط حكومة سعد، وليس صحيحاً أن الرئيس الأسد هو الذي ضغط باتجاه الاستقالة، الحكومة كانت فارطة قبل الرئيس الأسد بستة أشهر، وهو أبقى الحكومة أكثر من قدرتها على البقاء بتمنٍّ منه على العماد عون وعلينا وعلى «حزب الله». ما حصل أن الرئيس الأسد لم يعد يضغط في اتجاه البقاء، لذلك فإن الحكومة فرطت بشكل سريع عندما فتح المجال لذلك.
هل كانت هناك رغبة سورية بإعادة تكليف الحريري؟
عندما استقالت حكومة الحريري لم يكن هناك نية لتكليفه مجدداً، وأنا طرحت حينها أن نعطيهم الثلث لإعادة إشراك الفريق الآخر في الحكم، وتلقائياً لا تستطيع إعادة تكليف سعد الحريري بعدما أصبح لدينا الأكثرية بانتقال وليد جنبلاط إلينا، ولا أعتقد أن سعد الحريري كان يقبل بأن يأتي رئيساً لحكومة نحن نمتلك الأكثرية فيها.
ميقاتي أحرج سنياً..
أطحتم بالحريري والحوار سابقاً من أجل المحكمة وشهود الزور.. وتجاهلتم ذلك مع الحكومة الحالية؟
المطلوب اليوم أن نضع لبنان على pause، هذه المرحلة منذ أن أتى الرئيس ميقاتي الى عدم صدور التعيينات، الى كل هذا الجو، الى كل هذه التركيبة، أعتقد أن كل هذا الجمود ليس قراراً داخلياً وإنما فيه تمنيات الخارج. رؤساؤنا يطلعون ويعلمون، وليس من الضروري أن يكون لديهم قرار، لكنهم يعرفون كيف يتعاطون مع الواقع، لذلك فقد تم تجميد لبنان. الآن بدأ التحريك، وعندما تهجم قوى 14 آذار على الحدود، ويحكى عن إقامة منطقة عازلة، وعن استقالة الحكومة، هذا يعني أن سياسة ما بدأت تتحرك، وهذا يستدعي تحريك سياسة مقابلة لها، لكن هذه المرحلة خطرة، أما بالنسبة لما جرى تمريره (تمويل المحكمة وبروتوكولها)، فأقول الى أي حد يكون له تأثير اذا صمد النظام السوري وخرج بمعنويات قوية، أما إذا سقط النظام وفتحت الساحة في لبنان وتكشفت الأمور، بمحكمة أو من دون محكمة وقد يجدون ألف سبب وسبب لينالوا منا، وما حصل أن الرئيس ميقاتي أحرج كثيراً سنياً بموضوع المحكمة، وأصبح إذا لم يمش بالمحكمة وكأنه يتخلى عن دم الرئيس الحريري، ويبيع طائفته، وكانت ورقة وضعوها بين يديه كمحرقة، أما بالنسبة لكل القرارات الدولية، فإذا خسرنا تنفذ، وإذا لم نخسر لا تنفذ، وإذا لم يكن هناك قرارات فهم قادرون على القيام بما يحلو لهم.
وأنت ما مصلحتك في كل ذلك؟
إذا لم أمرر هذه القرارات، أساهم بإيذاء الرئيس ميقاتي وإضعاف موقفه في طائفته، وهو وصل الى مكان قال فيه إنني أريد الاستقالة، عندها أدخل في المجهول وأصبح محشوراً ولا حول ولا قوة. وليد جنبلاط يقول صراحة إنه لا يمشي إلا مع الرئيس ميقاتي فماذا نفعل؟ أعتقد أنه لو كان سعد الحريري رئيس حكومة حالياً، نعيش في مشكلة كبيرة في البلد، لأنه كان سيصدر قرارات في الحكومة بدعم الجيش السوري الحر، وكان ورط لبنان بألف قصة وقصة، وربما كان أعطى منطقة عازلة بمرسوم أو بالقانون ولا أحد يعلم ماذا كان يمكن أن يفعل أكثر من ذلك.
أخشى على لبنان والمسيحيين
هل تخشى على المقاومة اليوم؟
أنا أخشى على لبنان، والمقاومة قوية وصامدة وجو الممانعة بالمنطقة قائم وخلال الأشهر الأولى في سوريا كان هناك خطر على النظام، لكن اليوم لا خطر على النظام برأيي، إنما الخطر على سوريا إذا ما دخلت في حرب أهلية، وفي النتيجة المقاومة صامدة وقوية، وإذا راهن الآخرون غداً على تسليح فريق آخر وتمويله وعلى حرب أهلية، كما نسمع، سلاح مقابل سلاح، في انتظار التسويات، فالمرة الأولى بقينا 15 سنة، وهذه المرة كم سنبقى؟ وماذا سيحصل؟ وما هو مصير الأقليات في لبنان؟ وما هو مصير المسيحيين؟ هم يرددون أنه عندما تحصل حرب كهذه يغادرون البلد.
الانتخابات وفق قانون الستين لمصلحة من؟
تبقى الأمور على حالها، ولا يتغير شيء سوى بنسبة عشرة بالمئة. في الانتخابات يصرفون 50 أو 100 مليون دولار وتعود الأمور الى ما كانت عليه، وأنا أرى أنه إذا ترشح الرئيس ميقاتي مع الصفدي وكرامي فإن لائحتهم تفوز بكاملها في طرابلس، بوجه كل اللائحة المقابلة، وأنا مؤمن بذلك، لكن عليهم هم أن يؤمنوا بذلك.
ماذا عن قضية الموقوفين الإسلاميين؟
أنا مع محاكمتهم لوضع حد لهذا الملف، ولكن عندما أوقف هؤلاء وكثير منهم أبرياء، ألم يقولوا إن سوريا وراءهم؟ ألم يعرض وسام الحسن في مجلس الوزراء كيف أن سوريا جندتهم لضرب الاستقرار؟ فكيف يطالبون بإخراجهم اليوم؟ وكان سبق هؤلاء من تم توقيفهم بأحداث الضنية في عهد الرئيس رفيق الحريري واستمروا أيضا خمس سنوات في السجن من دون أن يسألوا سؤالاً واحداً.
ماذا عن القانون الانتخابي؟
نحن سنسير بالنسبية، واليوم تطرح النسبية مع الدوائر الوسطى، وبرأيي أنها لن تمر في مجلس النواب، ونحن كأكثرية مع النسبية ومع الدوائر الوسطى، بغض النظر إذا مرّ القانون أم لم يمرّ، وإذا دخلنا في عملية حسابية ومع موافقة «الكتائب» و«القوات» يمرّ في البرلمان، لكن إذا «الكتائب» و«القوات» عادا للتمسك بقانون الستين يتغير الوضع، علما أنني أعتبر سامي الجميل «بيحكي يلي بقلبو» وأنا في السياسة لا أتفق معه بتاتاً، لكن في التعاطي معه يعطيك أفكاره وتفهم منه ماذا يريد، أما القوات اللبنانية فلا أعلم إذا كانوا يرفعون سعرهم أم أنهم حقيقة يسيرون بقانون النسبية، وفي الخلاصة سيكون هناك تصويت في مجلس النواب، وعندها سنرى كيف سيصوّتون.
هل يمر هذا القانون في الحكومة؟
نعم يمر، لأن الجميع يقول إنه معه باستثناء وليد جنبلاط.
إذا لم يوافق جنبلاط هل يسير رئيس الجمهورية بالقانون؟
لا أدري ماذا سيحدث. هم اتفقوا على طرح القانون على مجلس الوزراء، وأرى أن الأمور تسير «مياومة»، وإذا كنا في النسبية نخسر مقعداً في زغرتا، فإننا نربح ثلاثة أو أربعة في أماكن أخرى.
هل تعملون حساباتكم على أساس قانون الستين؟
نعمل حساباتنا على قوانين الستين والنسبية وكل القوانين المطروحة، فالأصوات هي ذاتها، لكن نعمل حسابات النتيجة التي تأتي من خلال كل القوانين.
هل تحسَّن وضع «القوات» على الأرض منذ العام 2009 الى الآن؟
«القوات» تحسَّن وضعها على حساب 14 آذار، الأصح أنها أكلت مسيحيي 14 آذار، خصوصاً أن الريّس في 14 آذار هي «القوات» اليوم، أما الانتقال من تيارنا الى «القوات» والعكس، فهذا يشكل واحداً بالألف وهو متوازن الى أبعد الحدود، ولا يغير أي نسبة.
ما هو تفسيرك للاحتضان الخليجي لسمير جعجع؟
يريدون ورقة مسيحية في أيديهم، وإذا كنت أنا لا أذهب وإذا كان التيار الوطني الحر بعيداً عنهم، من الطبيعي أن يفتشوا عن ورقة مسيحية، وهم يتمنون أن يكون عندهم أفضل من ذلك، وبالطبع هناك إمكانيات كبيرة وأموال ضخمة تقدّم للقوات وهذا يظهر من خلال مهرجاناتهم والرواتب التي تدفع.
هل هناك سلاح؟
أكيد في سلاح.
هل تمتلك أنت السلاح؟
كل العالم عندهم سلاح.
كيف تنظر الى دعوة السيد حسن نصرالله الى المؤتمر التأسيسي؟
الدعوة في غاية الأهمية، وبرأيي إذا كنت حريصاً على لبنان يمكن أن تجادل بما يُحكى ويُقال، لكن من يستطيع أن يكون ضد مؤتمر تأسيسي للبنان جديد، يقولون إننا مع الطائف ونريد الطائف، فاذا نجح الطائف فلنعمل على تقويته، وإذا لم ينجح فلنقم بإصلاحه، وإذا لم يكن جيداً فلنقم بتغييره، والمشكلة أن الشعب اللبناني أصبح مثل الموارنة الذين اعتبروا أن دستور الـ 43 لهم وممنوع على أحد ان يمسّه، وكان هذا الدستور للبنان، وكذلك فإن الطائف للبنان وليس للسنة، أو أي دستور جديد سيكون للبنان، والتعديل في هذا المجال ضروري، خصوصاً أن صلاحيات رئيس الجمهورية أقل من صلاحيات وزير، فهل هذا الامر سليم وصحيح؟
هناك ثغرات أساسية في الدستور، أظهرت الممارسة أن فيها مشكلة وهي تحتاج الى توضيح والى تغيير والى تعديل، علماً أن جزءاً كبيراً من الطائف أقر نكاية بالعماد ميشال عون، فبند ان رئيس الجمهورية لا يحق له حل مجلس النواب، جاء لأن ميشال عون كان يريد حلّ المجلس، وكانت بعض البنود بمثابة ردات فعل على أمور مطروحة في حينها. وأكبر كارثة أن انتخاب رئيس الجمهورية يحتاج الى ثلثين، في حين نرى أن رئيسي المجلس والحكومة يتمتعان بالقوة، لأنهما يمثلان طائفتيهما، ولأن من معه الاكثرية السنية يعمل رئيس حكومة، ومن معه الاكثرية الشيعية يعمل رئيس مجلس نواب، أما المسيحي الماروني، فيحتاج الى إجماع، وليكن أن من ينال الأكثرية يصبح رئيساً للجمهورية.
هل هناك في لبنان من يريد ان يبني دولة؟
الجميع يريدون بناء الدولة، لكن كلاً منهم يريد بناء دولته الخاصة بحسب نظرته، لذلك يوجد اليوم الكثير من «الدول» في لبنان.
هل يحتاج تعديل الطائف الى ممر إلزامي هو العنف؟
دائماً تأتي الأمور نتيجة مشكلة، وحتى اتفاق الدوحة جاء بنتيجة 7 أيار، وإن شاء الله تمر الأمور بسلام..