30-11-2024 01:36 AM بتوقيت القدس المحتلة

"مفهوم الدّولة في الفكر الإسلاميّ" : ندوة تفاعلية أثارت هموم الأمة

أثارت الثورات العربية وصعود نجم الإسلاميين فيها، ووصولهم إلى السلطة بشكل أو بأخر، العديد من الأفكار لطرح مفهوم الحكم الإسلامي وهذا ما دفع " مؤسّسة الفكر الإسلامي المعاصر إلى إقامة ندوة تفاعلية

مدير المؤسسة الدكتور نجيب نور الدينأثارت الثورات العربية وصعود نجم الإسلاميين فيها، ووصولهم إلى السلطة بشكل أو بأخر، العديد من الأفكار لطرح مفهوم الحكم الإسلامي للسلطة وكيفية تجلياتها، وهذا ربما ما دفع " مؤسّسة الفكر الإسلامي المعاصر للدِّراسات والبحوث" إلى إقامة ندوة فكرية – ثقافية شهدت مناقشات حامية أغنت النقاش بين مختلف فئات الحضور المتنوعة الذي ملأ إحدى قاعات مطعم "قرية الساحة التراثية", وحملت الندوة عنوان "مفهوم الدّولة في الفكر الإسلاميّ بين النّظريّة والتّطبيق". وقد امتدت حلقة الحوار على جلستين استمرت أربع ساعات، فصل بينهما جلسة استراحة.

كانت كلمة الدكتور نجيب نور الدين، مدير المؤسسة، المرحبة بالحضور والتي افتتح بها حلقة الحوار ،بحد ذاتها مثيرة للإشكاليات التي تعيشها الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، في ظل ما تشهده من تغييرات تسير على وتيرة أحداث عالية، بعد ما أنجزته الثورات العربية وإن كان ما يزال ناقصاً في الأداء والنتائج. وإن إعادة طرح هذا المفهوم يشي بأن الدول العربية لا تمتلك تصورا محددا لمفهوم الدولة الإسلامية، وهي لم تقدم نموذجا ليقال بأنه يحظى بإجماع إسلامي. ورأى الدكتور نور الدين أن هذا ما يضاعف من مهمة المفكرين والقيادين للبحث عن هذا النموذج. وأمل منهم ومن علماء العالم الإسلاميّ "إعمال النّظر والبحث عن التصوّرات الآيلة للاهتداء إلى نموذج الدّولة الإسلاميّة المأمول والمرتجى"، والّذي لا تزال الدّول العربيّة والإسلاميّة تفتقده.

الجلسة الأولى : المفهوم الإسلامي للدولة من الناحية النظرية

جانب من حضور في ندوة مفهوم الدولة في الفكر الإسلاميعُقِدَت الجلسة الأولى تحت عنوان "مفهوم الدّولة في الفكر الإسلاميّ من النَّاحية النّظريّة"، وقد رئسها رئيس الجامعة اللّبنانيّة، الدكتور عدنان السيِّد حسين، الَّذي أشاد بدولة الإنسان الّتي دعا إليها سماحة العلامة الراحل السيّد محمد حسين فضل الله(ره)، ورأى ان "الدولة تنظيم اجتماعي وهي مطلب انساني"، مشيرا الى ان "الاسلام وضع اطارا عاما يصلح في ازمنة مختلفة ومتعددة للتأثير في الدولة"، لافتا الى ان "الاطار العام للاسلام يتضمن افكار الحرية والعدالة والكرامة وحقوق الانسان بالاضافة الى الشورى والتعاون في ادارة شؤون العباد والبلاد"، مشددا على "عدم انقسام الشعوب على نفسها كي لا نعود للخلف كما يبقى في بعض الدول العربية". وشدد على ان "الفكرة الاساسية للدولة الاسلامية لا تعذر عن تجربتها التاريخية"، مذكرا انه في "المئتي سنة الاخيرة لم نصل الى تصور متكامل حول فكرة الدولة"، مشيرا الى ان "الفكر الاسلامي المعاصر يقوم على دولة الشعب وليس دولة المذهب والطائفة"، معتبرا ان "التجربة الايرانية بعد الثورة جدير بالدراسة وعلى الجميع ان يعول على هذه التجربة لانها تجتهد في اطار التطبيق". ولفت الى ان "مشكلتنا في بلداننا العربية اننا لم تهتم بالمنهجية والمنهج"، مشيرا الى أن "الدولة هي المؤسسة الام ولذلك ارتبطت بالديمومة.


الجلسة الأولى ترأسها الدكتور عدنان اليد حسينوقدم الدكتور السيد حسين الباحث فؤاد إبراهيم. الدكتور إبراهيم قدم كلمة سرد فيها السِّياق التَّاريخيّ لتطوّر الفكر السّياسي الشِّيعي. وقد استحضر المنظور الشيعيّ الّذي كان سائداً حول انعدام مشروعيّة الدّولة في ظلّ غيبة الإمام المهدي، الأمر الّذي أدّى إلى الانعزال عن العمل في الحياة السياسيّة حتّى بدايات العهد الصّفوي. ثم أشار إلى رسالة "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" للنائيني، والتي اعتبرها وثيقةً فريدةً في الفكر السياسي. بعد ذلك، استفاض في الحديث عن نظريّة الإمام الخميني حول ولاية الفقيه، وإصراره على توحيد الدّين والسياسة، كما تحدّث عن كيفيّة خوض المرجعيّة الدينية في النّجف في غمار الحياة السياسيّة.


بعد ذلك، قدّم الأستاذ الجامعيّ والباحث في الحركات الإسلاميّة، الدكتور عبد الغني عماد، بحثا مختصرا تحت عنوان: "الفكر الإسلامي المعاصر وتحدّيات بناء الدولة"، تحدّث فيها عن التَّفاعل بين الإسلام والدّولة في ظلّ الحراك الرّاهن، والنظرة العامّة إلى الديمقراطيّة، معتبراً أنّ وصول السَّلفيين في مصر إلى الحكم قفزة هامّة في تاريخ الحركة السلفيّة التقليديّة المصريّة، كونهم اعترفوا بالديمقراطيّة لأوّل مرّة كآلية حكم. ثم أشار إلى بروز تيارين في الحركات الإسلاميَّة الرَّاهنة؛ "الأوّل يشارك بنسب مختلفة في الحياة الديمقراطيّة، ويخوض الانتخابات فيها، وهو فريق آخذ بالتَّنامي والتزايد، والثاني يناهض الأنظمة القائمة ويحاربها باعتبارها أنظمةً كافرة تعتمد شرائع وضعيّة".  ولفت إلى التحديات التي تنتظر الإسلاميين، والتي تتعلق بالخطاب الفكري والأيديولوجي، والمزيد من التمييز بين الديني والسياسي، إضافةً إلى إدارة العمليَّة الديمقراطيَّة داخل تلك الأحزاب. وخلص إلى القول إنّ "مستقبل الحركات والأحزاب الإسلاميّة والتحوّلات التي ستطالها، يتوقّف على الحصاد والإنجازات الّتي تفضي إليها التجربة، وعلى الشَّكل الّذي سوف تؤول إليه الدّولة العربيّة في عهدة التّغيير الثّوريّ الحاصل".

الجلسة الثانية : التجارب الإسلامية في الحكم والسلطة

الجلسة الثانية تجارب الحكم الإسلاميوتمحور موضوع الجلسة الثّانية حول التجارب الإسلاميّة في الحكم. ورئسها الدكتور إبراهيم الموسوي، حيث كانت كلمة لسفير الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة الدّكتور غضنفر ركن آبادي، ألقاها بالنيابة عنه المستشار الثقافي للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية، محمد حسين رئيس زاده، تضمّنت عرضاً لتجربة الحكم في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وأشار الى ان الحكم على الطريقة الاسلامية ليس غاية بحد ذاته انما هو وسيلة شريفة ومشروعة، مشددا على انه لا يجب ان يكون الحكم نزعة او حرفة ولا الزهد فيه طلبا للعافية بعيدا عن تطلعات الناس. ورأى أن نهج الاسلام استطاع ان يحقق انجازا عظيما من خلال المنظومة الدينية القيمة، مؤكدا ان النظرة الموضوعية الى الاسلام لا تدع مجالا للشك، مؤكدا ان الاسلام اعطى الامة نظاما اقتصاديا سياسيا قضائيا متكامل. ولفت الى ان ايران اول نظام سياسي حديث، مشددا على ان الدستور الايراني سعى ليعبر عن الشريعة عبر الالتزام باللجوء الى صناديق الاقتراع.


جانب من الحضور في  ندوة مفهوم الدولة في الفكر الإسلاميوعرض سفير جمهوريّة السّودان الأستاذ إدريس سليمان يوسف تجربة الحكم الإسلاميّ في السّودان.. ورأى أن "السيطرة والهيمنة الفكرية للمشروع الغربي ظهر في عالمنا العربي قبل 40 عام فقط مما انتج الدولة القومية"، مشيرا الى ان "العقد الاجتماعي في الغرب مأخوذ من عقد البيعة عند المسلمين"، لافتا الى ان "النظام الغربي الحديث يلوم دائما كل من يتكلم عن صراع الحضارات عند العرب وهذه هي خلاصة التجربة الغربية". وأشار إلى أن إيران والسودان استطاعتا ان يواجها الحروب في وجه الغرب مجتمعا بسبب أنهم أردا الحكم الاسلامي، مشددا على ان العالم الاسلامي لا يزال تحت سيطرة وهيمنة الدول الغربية، معتبرا ان السمة الاساسية لهذه الدول هي قهر الشعوب وزيادة الفساد، مؤكدا ان السودان ستخرج من الازمات بنظام مؤسس على الاسلام ويحقق المكاسب التي يحتاجها حتى لو فشل في بعض الامور.

الدكتور جابر: الندوة أغفلت تجربة حكم الرسول والإمام علي في صدر الإسلام

وقد تبع كلا الجلستين نقاشات ومداخلات من الحضور، وتم فيها عرض لأبرز الإشكاليّات المتّصلة بالموضوع، ومنها إغفال المحاضرين لأهم تجربتين عاشتهما الأمة الإسلامية وهما عهدا الرسول الأعظم (ص) والإمام علي(ع)، ومن هنا توجه موقع المنار بهذا السؤال إلى الباحث الإسلامي اللبناني، والذي كان مشاركا بين الحضور، الدكتور حسن جابر، ألا تعد هاتين التجربتين نموذجا لفكرة مفهوم الدولة في الفكر الإسلامي"؟.

الباحث االإسلامي الدكتور حسن جابرأكد الباحث :" هناك إشكال سابق عما تتفضلين به، وهو مسألة تأسيس مفهوم الدولة من القرآن الكريم نفسه. فالكثيرون يثيرون مسألة مفهوم الدولة في الفكر الإسلامي، ولكن عندما يشرعون بالحديث عنها يغرقون في المسائل التطبيقية ويبتعدون عن الفكرة الأساسية، وهي ضرورة التنظير لمفهوم الدولة. فلا نستطيع أن نحاكم دولة قبل أن نؤسس على الأقل منظومة فكرية متكاملة، فكيف نحاكم الواقع إذا كان مسبوقا بفكرة واضحة. وإن كان عنوان الندوة عن مفهوم الدولة الإسلامية، ولكن عندما شرع المحاضرون في الحديث عنها اقتصر حديثهم عن أشكال من التطبيقات لهذه الدولة. وبالتالي ثمة ثغرة فحتى الحديث عن مفهوم الدولة مع الرسول محمد(ص)، وهي برأي من أهم الأمثلة التاريخية التي يمكن الاعتماد عليها لدحض حجج من يقول إنه ليس هناك من دولة في الإسلام، فالنبي(ص) أسس دولة والإمام علي، عليه السلام، كان لديه تجربة في الحكم نسميها دولة. كان خليفة فيها بالمفهوم الراشدي للخلفاء فكان يحكم دولة لها مؤسساتها وجيشها وبيت مالها وإدراتها فقد كان هناك ولاة موزعون على الأقطار التابعة للخلافة الإسلامية في عهده وهناك محاسبة وكل شيء ،

جانب من الحضور في ندوة مفهموم الدولة في الفكر الإسلاميلذلك هذا الأمر وإن تم التحدث عنه في كتب أخرى ولكن لم يتطرقوا للحديث عن مفهوم الدولة عند الإمام علي والرسول. ولا بد من اعتماد القرآن الكريم النص المؤسس لمفهوم الدولة بالمعنى الدقيق للكلمة، مع مراعاة الجانب التدبيري والحياتي الذي يمكن للإنسانية أن تطور صيغه. وفق تطورات الزمان والمكان .. هذا الأمر غاب عن الندوة وإلى الآن حتى الإسلاميون الذين وصلوا إلى السلطة يستعيرون مصطلحات وشعارات غربية ويقولون إنها موجودة عندنا.. وهذا مستغرب !! فقبل أن تقول ذلك أسس للفكرة أولا ثم قل إنها تشبهها.. وعندما تسأل عما يوجد عندك يلزم الصمت وما يقوم به هو غجراء نوع من المقارنة ليس إلا.. وهذا نوع من استقزام للفكرة واختزالها".

تصوير : زينب الطحان