أتوقف اليوم عند جديد «مليتا»، أي حدث تجديد المتحف، الموجود في الدائرة الأساسية التي تحيط بالحديقة، إلى جانب المسرح، والذي يعرض فيه المشرفون عليه غنائم حزب الله من جيش العدو وعملائه. هذا التجديد الذي جعل ال
الكلام على «مليتا» يبدأ من دخول المقاومة إلى هذا المكان، في العام 1985، إثر انسحاب الجيش الإسرائيلي منه، ولا ينتهي بتاريخ اليوم. فسيرة المقاومة، ليست في الأساس سيرة زمن أو مرحلة، أو حتى مكان، بل سيرة إنسانية تستمر باستمرار الحياة، بل إن المعْلَم الذي افتتح من سنتين لا يزال قابلاً للتطوير، إن بالأفكار التي تدفعه، أو بالبناء، أو بإضافة هوامش على هذا المعرض الضخم الذي يمتد على مساحة 50 ألف متر مربع، ويختصر سيرة المقاومة، كما يختصر حكايات الصمود والتحدي والتضحية والإيمان القوي باسترجاع الأرض واستعادة الحق.
كتب أحمد بزون في جريدة السفير اللبنانية:
لا أريد الآن أن أكرر كلاماً سابقاً على المعْلم وأهدافه، وقد غطت «السفير»، في حينه، حدث إطلاقه وتطوره. ولا أريد أن أسترجع الحديث عن أقسامه، بل أتوقف اليوم عند جديد «مليتا»، أي حدث تجديد المتحف، الموجود في الدائرة الأساسية التي تحيط بالحديقة، إلى جانب المسرح، والذي يعرض فيه المشرفون عليه غنائم حزب الله من جيش العدو وعملائه. هذا التجديد الذي جعل المتحف في حلة انقلبت فيها المقاييس الفنية وتبدلت المشاهد واتضحت الأغراض بشكل أفضل، واقتربت معطيات المتحف بالتالي من المواصفات الدولية للمتاحف. وقد شاهدنا، إلى التفاصيل اللافتة للنظر، مستوى من الأناقة والهندسة الداخلية، ما يجعل صالة العرض أكثر إبهاراً، لجهة أشكال الزوايا والواجهات المقفلة بالزجاج.
في الوقت الذي امتلأت فيه أقسام المعْلم ومساحاته بالغنائم، وقد انتشرت الآليات المصادرة والبنادق والمدافع والقاذفات والعتاد، فإن المتحف ضم عدداً كبيراً من الأسلحة الخفيفة، والأدوات الدقيقة، والأجهزة الالكترونية، وما إلى ذلك من عناصر لا يهدف حضورها إلى توثيق الغنائم وحفظها، أو إبراز بطولة أو حنكة عسكرية أو أمنية، بل أيضاً من أجل تقديم معلومات وافية ومفيدة للزائر عن العدو، مدعمة بلوحات تحتوي على معلومات، ثم إن هناك لوحة تتضمن هيكلية الجيش الإسرائيلي، وأسماء الفرق التي يتكون منها بالتسلسل الهرمي، ولوحات أخرى تتضمن أقوالاً لقادة العدو، كون الأقوال نفسها هي أيضاً جزء من عدة الحرب، ونشرها أسلوب في الحرب على الحرب.
الغنائم الموجودة في المعرض تتضمن، في ما تتضمن، أجهزة وتقنيات استخدمها العملاء في خياناتهم، وأجهزة أخرى استخدمها العدو، ولعل طائرة الاستكشاف (من دون طيار) المسجونة داخل قفص زجاجي تندرج هي الأخرى في إطار العمل الاستخباري.
هندسة البناء الذي يضم المتحف جزء من الهندسة العامة التي تعتمد الجدران المائلة والأعمدة المائلة، التي تؤشر، من جهة، إلى المغايرة وكسر السائد في الهندسة، كما تؤشر، من جهة أخرى، إلى قوة العدو التي لُوِيَتْ وقامته التي أُحْنِيَتْ بفعل المقاومة. حتى في الداخل، فقد انتصب في وسط المتحف برج الانهيارات، بناء متهدم، في أعلاه تاج تقطّع، ونجمة داود زجاجية تكسرت، وقد تدلت الأسلحة على شكل سقوط سريع ومدوٍّ إلى حفرة في أرض الصالة. الترميز واضح في تصميم الصالة، والتنظيم موفق، وموفقة تلك الحفر الموزعة على أرض الصالة، والمغطاة بألواح زجاجية متينة، حيث وضعت أسلحة العدو في الأسفل، تطأ فوقها أحذية الزائرين. إلا أن ما لاحظناه هو الاكتظاظ في الموجودات، اكتظاظ يجعل مفردات المتحف أكثر بكثير من طاقته على الاحتمال. قد يكون في ذلك ترميز نفهمه، فالكثرة هنا تؤدي معناها، لكن نشر الأسلحة وسواها على مساحة أوسع من شأنه أن يؤدي المعنى نفسه، في الوقت الذي يسمح فيه للزائر في التعرف على الغنائم بما يتيح فائدة أهم وتركيزاً أكبر.
الهدف من إقامة متحف في هذا المكان لا يندرج في المعنى السياحي لـ«مليتا»، وإن كان الموقع جميلاً، والتلة التي تضم البناء تتعدى الألف متر ارتفاعاً، والداخل إلى الصالة لا بدّ من أن يبتهج لهزيمة العدو أمام تضحيات المقاومين... إلا أن المتحف يتضمن توثيقاً علمياً عسكرياً، هو أيضاً توثيق للتضحيات، مثلما يحض زائره على التعامل مع العدو وقد سقطت هيبته ووهنت سطوته، وارتفعت ثقافة المقاومة.