قلة الذين يعرفون طبيعة التكوين الداخلي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لدولة صغيرة مثل البحرين، وما هي الظروف الموضوعية التي أدت إلى انبثاق حركة الثورة هذه الندوة قدمت معلومات قيمة

بين حرمة التغيير وحركة التغير تقف ثورة البحرين جزيرة متحركة تحيط بها التغيرات التي تعصف بالمنطقة، وتطالبها بالمزيد من التحرك المطلبي المحق، في هذا السياق قلة الذين يعرفون طبيعة التكوين الداخلي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لدولة صغيرة مثل البحرين، وما هي الظروف الموضوعية التي أدت إلى انبثاق حركة الثورة من قلب الأزمات التي يعيشها أهل البحرين. ندوة "ثورة البحرين : التكوين الداخلي والمؤثر الجيوستراتيجي"، قدمت لجمهور عريض حضر الندوة معلومات مهمة وقيمة حول هذا الواقع البحريني. أقام الندوة مــركـز دلـــتـــا لـلأبـحـاث الـمـعـمـقـة، ضمن سلسلة حواراته الشهرية، وحاضر فيها الناشط القانوني البحريني يوسف ربيع، والصحافي والباحث العريق الذي يعاصر أزمة البحرين منذ عشر سنوات المفكر وليد نويهض. وأدار الحوار الأستاذة منى سكرية.

 

يوسف ربيع: أل خليفة غزو قبلي للبحرين بدعم الاحتلال البريطاني

المحاضر الأول، يوسف ربيع، خصص مداخلته للحديث عن التكوين الداخلي للبحرين. وقدم صورة تاريخية حول كيفية قدوم أل خليفة إلى البلد، الذي صاحبه مجازر دموية كان يدعمها الاحتلال البريطاني. في حين أن السكان الأصليين هم الشيعة، والسنة وهم قبائل، والسنة الإيرانيون. وقدّم أل خليفة أنفسهم بأنهم فاتحون وأسسوا لثقافة ما يسمى "الغنيمة". ولكنهم مع ذلك لم يستطعيوا الاندماج مع مكونات المجتمع الأساسية وظلوا حالة اجتماعية معزولة ، وظهر بعد ذلك ثنائية من التفاضل والسمو، في حين أبقوا البقية الشعبية تعيش في اضطهاد, وهذه العقلية الثقافية والفكرية ما زالت منسحبة إلى اليوم. عقلية قبلية في ممارسة الحكم السياسي، وحصلوا على تركة الغزو. والبترول، ادى دورا كببيرا في إبراز هذا "التفاضل" في تنميط المجتمع فكانت العائلة الأولى هي أل خليفة وأصبح هناك ما يعرف اليوم بنظام الولاء للحكم والسلطة والأجهزة الأمينة، ومن يحالفها هو مضطهد ومعرض للملاحقة والسجون.

وتابع الحقوقي ربيع بأن البحرين عبارة عن جزيرة يملك أل خليفة 97 % منها وهي سواحل مغلقة لهم والمساحة المتبقية للمواطنين، هي جزر مقطّعة ومسروقة من قبل مجلس النواب في حين أن هناك حالات اجتماعية تعيش تحت خط الفقر، حيث يصل معدل الراتب في البحرين إلى 500 دولار قياسا بمنطقة الخليج الغنية بموارد البترول، إلى جانب قمع الحريات بكل أنواعها وحتى ممارسة الشعائر الدينية، فقد تمّ إزالة ما يقارب 40 مسحدا خلال الثورة الحالية.

وبيّن المحاضر أن التمييز الطائفي يقف واحدا من أبرز اسباب الثورة. إذا لا يحق مثلا للشيعي العمل في المؤسسات الحكومية الرسمية وحتى في الجيش والحرس الوطني، مع أنهم يشكلون الأغلبية في البحرين. أما عن التكوين السياسي فقد بيّن المحاضر أن رغم التطورات المدنية في حكومات العالم ألا أن رئيس وزراء البحرين ما يزال هو نفسه منذ أربعين عاما، يحكم بعقلية التاجر، إذ يأخذ 50 % حصة له ولحاشيته من كل صفقة اقتصادية وتجارية، بينما البرلمان يأتي ضمن معايير غريبة جدا ولا سابقة لها في العالم حيث يساوي صوت السني الف صوت مقابل الصوت الشيعي. وهنا استشهد المحاضر بتقرير لخبير بريطاني مقرّب من العائلة الحاكمة كشف فيه حقيقة الاضطهاد الطائفي  واستبعاد المعارضة بشكل كلي وترسيخ الفتن الطائفية بين السنة والشيعة في البلد. وليضمن أل خليفة الولاء والحكم يعمدون إلى سياسة تجنيس الأجنبي من الدول العربية على اختلافها شرط أن يكون ولائها للسلطة في وجه السكان الأصليين، فمن الغريب جدا أنه كل المؤسسات الرسمية يمكنها أن تقوم بالتجنيس ذمن سلطتها الخاصة، ولقد بلغ عدد المجنسين في المدة الأخيرة ما يقارب 400 ألف مجنس.

 وليد نويهض: شخصية "البحرين" لم تتشكل حتى الأن

أثار الباحث نويهض استغراب الحضور عندما بيّن بالمعلومات التاريخية كيف أن الصورة النهائية للبحرين لم تتشكل حتى الآن . لأن البلد لا يزال عُرضة للتقلّبات الجيو-سياسية التي تلعب دوراً في إعادة صوغ الهيئة في إطارها الجغرافي-البشري التي تتداخل فيها حضارات ما قبل الاسلام , وبعد الفتح الاسلامي ومارافقه من تموجات ثقافية ساهمت عبر الزمن في تشكيل تركيبة اجتماعية شبه خاصة وشبه مستقلة للنسيج الاهلي. وجغرافياً تعتبر البحرين مجموعة جُزُر صغيرة (أرخبيل) بلغت مساحتها في سبعينات القرن الماضي نحو 552 كيلو متراً مربّعاً . والمساحة منذ ذاك الوقت لا تزال تتمدّد بفعل سياسة الدفان (الردم) للأراضي البحرية ما أدّى الى توسيع الرّقعة بنسبة تتراوح بين 20 و 30 في المئة , ويُرجّح أن تتضاعف المساحة بحسب الخطة الموضوعة الى نهاية العام 2030.

الجغرافيا لعبت دورها في صوغ شخصية البحرين الثقافية , ما جعلها تاريخياً تتميّز عن جوارها في تكوينها الاجتماعي /الأهلي أو في وظائفها المحلية أو تعاملها مع الآخر. الجغرافيا تعانقت مع التاريخ لترسيم شخصية البحرين , فالموقع الاستراتيجي للجزر أعطى خصوصية لدورها في وسط مراكز اقليمية تتجاذب المنطقة حضارياً وثقافياً . وساهم الموقع الجغرافي في تأمين وظائف كانت تتفرد بها الجزر عن غيرها في محيطها الجواري . فالجزر مقتطعة من الصحراء ولكنها ليست قاحلة بسبب وجود ينابيع وعيون وآبار جوفية توفّر المياه العذبة الصالحة للشرب والزراعة . وبحكم توافر المياه تأمّن شريان الحياة وباتت الجزر صالحة للسكن من دون حاجة للآخر و المحيط . وهذا الأمر أعطى سكّان الجزر بعض الخصوصية والطمأنينة والرخاء النسبي المعطوف على حد معقول من الاكتفاء الذاتي والاستقلال والتفرّد.

وقدم المحاضر فكرة مكثفة عن دور البحرين في كل الحقب التاريخية السابقة وكيف كانت ملجأ للهاربين من الاضطهاد السياسي والطائفي. لكن أهم ما قدمه المحاضر أن انتفاضة البحرين لم تكن وليدة اللحظة بل هي نتيجة تراكمات من أشكال التمييز والاضطهاد تجمعت روافده فانفجرت دفعة واحدة. وعدد الباحث نويهض اهم مطالب الثور البحرينية، ومنها الاعتراض على التجنيس السياسي، التمييز في توزيع الملكيات والأراضي، احتقار السلطة والتمييز في الوظائف الرسمية، واستخدام الأجانب في القوة العسكرية، والتشكيك بولاء السيعة لوطنهم البحرين. هذه المطالب تخيف السلطة التي يرعبها إعادة النظر في المناصب والحصص، لذلك هي تقوم بتضخيم المشكلة الطائفية لتشوه حقيقة المطالب الإنسانية العادلة للمعارضة.

 الدكتورة نعمة: التمييز الطائفي غريسة الاستعمار لا طبيعة الشعوب

وأثار الحضور نقاشا معمقا حول ما قدمه المحاضران، وأن التمييز الطائفي ليس مقتصرا على البحرين، بل هو ظاهرة موجودة في كل الدول العربية تقريباً، وأنه لم يتمكن العالم العربي إلى اليوم من الانتقال إلى دولة مدنية توفر لمواطنها كامل الحقوق والواجبات. حول هذا المسألة توقف موقع المنار مع الباحثة الدكتور عصماء نعمة، التي أكدت أن التمييز الطائفي مرده إلى عهود الاستعمار الغربي لبلادنا العربية، إذ خلق نعرة طائفية مذهبية، وميّز طائفة على حساب الأخرى، فلو اخذنا النمودج اللبناني، لوجدنا أن الاحتلال الفرنسي أو ما يسمونه الانتداب قامت معاملاته في الدوائر الرسمية من دبلوماسية وتربوية وقضائية وغيرها بتثبيت إحدى الطوائف وغلبة وجود أبناءها في هذه الدوائر على حساب تهميش طوائف أخرى، التي كانت تعوض في الأعمال المهنية والحرفية والزراعية، فطبقات طائفية تمتلك البيت الفخم والأراضي وأخرى يعيشون تحت خط الفقر . هذا خلقه الاستعمار بغرس عناصر داخل المجتمع. وقالت الدكتور نعمة  إنها كانت تتمنى: " أن تقدم ورقة ثالثة في الندوة حول الوضع الاقتصادي بتفاصيله في البحرين، لنرى تشكل المجتمع وفق هذا المعيار". ونصحت الباحثة المعارضة البحرينية أن تمرحل شعاراتها وأهدافها وأن تكون واقعية في طروحاتها المطلبية، تحت سقف الممكن تحقيقه في ظل الهيمنة الديكتاتورية لحكم أل خليفة.

تصوير: وهب زين الدين