ونقلت معاريف عن مصادر أمنية قولها، في حلقات مغلقة، إنه «إذا غيّرت مصر مقاربتها، فإن إسرائيل ستقع في مشكلة أمنية أصعب من تلك التي تعانيها مع حزب الله والمنظمات الإرهابية في غزة مجتمعة".
طغى الحدث المصري على الشارع الإسرائيلي بإعلامه وسياسييه، ويختصر التقويم الإسرائيلي، غير المعلن، لما حصل في الانتخابات المصرية، بما أفردت له صحيفة «معاريف» صفحتها الأولى، وهو: «شرق أوسط جديد». على أبواب التغيير الجذري، الذي أجمعت المواقف الإسرائيلية غير الرسمية على بداية تشكله عبر فوز «الإخوان» بحكم بلاد النيل، اتخذ الموقف الإسرائيلي الرسمي جانب الحذر من خلال التزام الصمت والاقتصار على بيان «مجاملة» ـــ كما وصفته الصحافة الإسرائيلية ـــ صدر عن مكتب رئيس الوزارء، بنيامين نتنياهو، أعرب فيه عن تقدير العملية الديموقراطية في مصر، واحترام نتائجها. وكما في كل المواقف الإسرائيلية تجاه أحداث مصر منذ اندلاع الثورة فيها، لم تغب معزوفة التشديد على أهمية اتفاقية «كامب دافيد» عن تصريحات نتنياهو، الذي قال أمس إنه يتطلع إلى العمل «مع الإدارة الجديدة (في مصر) على أساس معاهدة السلام بيننا»، التي وصفها بأنها «ركيزة الاستقرار في المنطقة ومصلحة حيوية للبلدين».
كتب محمد بدير في جريدة الأخبار اللبنانية:
إلا أنّ تصريح نتنياهو «البسيط ظاهرياً» يخفي، بحسب القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، الارتباك والتقديرات المختلفة في الإدارة الإسرائيلية بخصوص مستقبل العلاقات بين تل أبيب والقاهرة. كذلك فإنه يخفي، وفقاً لصحيفة معاريف، «مخاوف كبيرة لدى المؤسستين العسكرية والسياسية من أن يؤدي انتخاب مرسي، برغم قوله إنه سيحافظ على الاتفاقات الدولية لمصر، إلى انعكاسات سلبية، وخاصة على المدى البعيد». وإذ أشارت إلى أن أهمية العلاقات مع مصر بالنسبة إلى إسرائيل تفوق أهمية العلاقات مع كل العالم العربي، كشفت الصحيفة أنّ المؤسسة الأمنية بدأت قبل عدة أشهر بالاستعداد لوضع مختلف على الجبهة المصرية «مع الاحتراس من الإضرار بالعلاقات الحساسة بين الدولتين وتفادي التصاريح التي يمكن أن تفسر بنحو معقد». ونقلت معاريف عن مصادر أمنية قولها، في حلقات مغلقة، إنه «إذا غيّرت مصر مقاربتها، فإن إسرائيل ستقع في مشكلة أمنية أصعب من تلك التي تعانيها مع حزب الله والمنظمات الإرهابية في غزة مجتمعة. ومعنى ذلك هو رصد موازنات ضخمة، لأنه منذ حرب يوم الغفران لم يكن لإسرائيل أي استعداد في هذه المنطقة (الحدود مع مصر)».
ونقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» عن مصادر أمنية قولها إن على إسرائيل، في ضوء فوز مرسي، أن تستعد لاحتمال طلب مصر فتح اتفاقية السلام، وخصوصاً لجهة المطالبة بإعادة الانتشار في شبه جزيرة سيناء، التي تنص الاتفاقية على إبقائها منطقة منزوعة السلاح. وفيما حذرت المصادر من أن «تنتقل الاتفاقية من مرحلة البرودة إلى التجميد»، قالت مصادر أخرى لموقع «والا» الإخباري إن إسرائيل «كانت تأمل أن لا يتولّى الإخوان المسلمون السلطة في مصر وأن تبقى اتفاقيّة السلام مُستقرّة. لكن بعد أن خابت الآمال أصبحت الخشيّة في إسرائيل وفي الغرب قوية». وأضافت المصادر أن «إسرائيل لم تعتقد أنّ رئيساً إسلاميّاً مُتطرّفاً سيترأس مصر. لذا، إنّ استيعاب الوضع من الناحيّة السياسيّة، كما من الناحيتين الاستخبارية والعملانيّة، سيتطلّب وقتاً. السلام مع مصر ذخرٌ استراتيجيّ، وعلى المدى الزمنيّ البعيد سيمرّ بامتحانات غير سهلة».
وأوضحت المصادر أن هناك قضيتين تقلقان إسرائيل على المدى المنظور في العلاقة مع مصر الإخوان المسلمين، هما: إلى أي مدى سيسمح الإخوان للجيش بمواصلة التنسيق مع إسرائيل، وكيف ستتجسد علاقتهم الجيدة بحركة حماس وحكومتها في قطاع غزة؟
لكن بالرغم من كل شيء، من الواضح أن تل أبيب تراهن بقوة على الجيش المصري، ودوره في ضبط إيقاع السياسة المصرية الإقليمية في عهد مرسي، وخصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل. فالجيش، وفقاً لمصدر إسرائيلي رفيع، «لم يقل كلمته الأخيرة بعد، وهو قادر على كبح خطوات مرسي، وكل شيء مرتبط بالمدى الذي سيحاول فيه إجراء التغيير».
وانعكست حالة القلق الإسرائيلية في تعليقات الصحافة الإسرائيلية، حيث احتل الحدث المصري الصفحات الأولى ومساحات كبيرة خصصت للتغطية والتحليل في ضوء «السيناريوات المظلمة» المتوقعة.
وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أن تولي مرسي رئاسة الجمهورية المصرية «يفتح الباب على أكثر من احتمال، إلا أن المستقبل محفوف بالضبابية وعدم اليقين»، وطالبت تل أبيب بأن تكون جاهزة لمواجهة أي سيناريو محتمل». وأعربت الصحيفة عن خشيتها من أن تتحول مصر إلى «شيء آخر»، مشيرةً إلى أن المجلس العسكري خرق كل الاتفاقات، ومن بينها اتفاق الغاز الحيوي، بينما تسمّرت إسرائيل في مكانها ولم تردّ من شدة الخوف. بل أكثر من ذلك، سمح النظام بالاعتداء على السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وأوقف إصدار التأشيرات، وقلص عدد الرحلات الجوية البينية، و«من الطبيعي أن لا يكون للإخوان المسلمين مشكلة في مواصلة هذه المسيرة».
مع ذلك، أكدت الصحيفة أن «مصر لن تتحول في صباح الغد إلى دولة عدوة تهدد حدود إسرائيل، إلا أنّ من واجب المنظومة الاستخبارية والعسكرية الإسرائيلية أن تتعاطى مع الصديقة القديمة كدولة ينبغي دراستها من جديد، والاستعداد بما يتناسب مع ذلك». ورأت صحيفة «معاريف»، أن الرئيس المصري الجديد، يواجه تحديات صعبة وفورية؛ إذ عليه أن يخفف مستوى التوتر مع المؤسسة العسكرية، ويخلق صيغة تعايش جديدة بين الجيش والرئاسة، وعليه كذلك خوض معركة صلاحيات رئيس الجمهورية الثانية لمصر، التي من شأنها أن تكون معركة كبيرة جداً. أما التحدي الأكبر، فهو تحديد الصورة التي ستكون عليها مصر في عصر ما بعد مبارك، علماً بأنّ إسرائيل والولايات المتحدة تأملان أن تتبنى مصر بقيادة الإخوان المسلمين، النموذج التركي.
أما صحيفة «هآرتس»، فأملت أن يفي الرئيس المصري الجديد بوعوده، وأن يكون «رئيساً للجميع »، وأن يمتنع عن تحويل مصر إلى دولة إسلامية، مشيرة إلى أنّ الرئيس الجديد سيكون معنياً، بنحو أساسي، بأن يجد السبيل لمنع الإفلاس الاقتصادي لمصر، والتأكد من أن الدولة ستواصل تلقي القروض الكبيرة من الولايات المتحدة ومن الأسرة الدولية. ولهذا الغرض سيضطر إلى «ابتلاع الضفدع» الذي يسمى «اتفاق السلام مع إسرائيل».