تتويج رواية الكاتب الجزائري الفرنكفوني بوعلام صنصال "شارع داروين"، رغم اعتراض مجلس السفراء العرب في باريس الذي يرعى هذه الجائزة نظرا للتطبيع الثقافي الذي أقامه صنصال مع العدو الإسرائيلي
اختُتم أخيرا مسلسل "جائزة الرواية العربية" الذي شغل الوسط الأدبي الفرنسي والعربي على مدى أسابيع، باجتماع لجنة تحكيم الجائزة وتثبيت قرارها تتويج رواية الكاتب الجزائري الفرنكفوني بوعلام صنصال "شارع داروين"، رغم اعتراض مجلس السفراء العرب في باريس الذي يرعى هذه الجائزة نظرا للتطبيع الثقافي الذي أقامه صنصال مع العدو الإسرائيلي. الاجتماع جاء مساء الخميس الماضي في حديقة دار نشر "غاليمار" على شكل حفلٍ حضره حشدٌ من الإعلاميين والكّتاب الفرنسيين. وألقى مدير دار "غاليمار" خلاله كلمة حيّا فيها لجنة التحكيم لثباتها على قرارها كما حيّا صنصال على جرأته وانفتاحه ودافع عن خيار نشر كتبه الذي يندرج -كما قال- في نفس السياق الذي دفع دار النشر التي يديرها إلى إصدار نصوص مواطن صنصال، الكاتب الجزائري الأصل والنشأة، ألبر كامو.
وألقى صنصال بدوره كلمة قصيرة شكر فيها لجنة تحكيم الجائزة على اختيارها لروايته، وعبّر عن أسفه للتداعيات التي جاءت نتيجة هذا الاختيار، قبل أن يختم كلمته بقوله: "أردتُ العمل من أجل السلام فأعلنوا الحرب عليّ". ويقصد صنصال مجلس السفراء العرب الذي رفض منحه الجائزة، وحملة الانتقاد العنيفة التي تعرّض لها في الإعلام العربي على أثر زيارته مؤخّرا لإسرائيل للمشاركة في مؤتمر الكتّاب العالميين في القدس المحتلة.
أما لجنة تحكيم الجائزة التي تترأسها هيلين كارير دانكوس، وتضم هيلي بيجي والطاهر بن جلون وبيار برونيل وبول كونستان وبولا جاك وكريستين جوردي وفينوس خوري غاتا، وألكسندر نجار ودانييل سالناف وإلياس صنبر وجوزيان شافينيو وروبير سوليه، فقد بقيت متضامنة رغم الزوبعة التي أثارتها قضية صلصال، ولم تخف عزمها البحث عن "مموّل جديد" للجائزة.
وما يثير في هذه القضية هو نجاح صنصال في الظهور بحلّة الكاتب العربي الشجاع الذي دفع ثمن جرأته ونزعته السلمية، بينما الحقيقة هي أنه مثل كتّابا عربا وغير عرب كثرا يملكون موهبة كتابية وسردية أكيدة، لكنهم يكتبون وينشطون وفقا لما يُرضي الغرب كما يرى الكثير من المتابعين العرب.
مواقف غير واضحة :
فتصريحه مؤخّرا بأن فلسطين لم تكن يوما ضحية الاستعمار، ثم عدم تردّده في الذهاب إلى إسرئيل تلبية لدعوة من مؤسسة إسرائيلية حكومية، أمران لا يعكسان شغفا بالسلام والحقيقة، بقدر ما يعكسان هاجس تحسين موقعه الشخصي في الساحة الأدبية الفرنسية، والغربية عموما، بأي ثمن.
ومحاولة تغطية موقفه من دولة إسرائيل عبر ربطه بموقف ألبر كامو الإيجابي منها، كما حاول أنطوان غاليمار التلميح به خلال حفل تسليم الجائزة، هي محاولة يراها الكثيرون فاشلة ومعيبة بحق كامو والمنطق، لأن الظرف الذي بلور هذا الأخير فيه موقفه كان اليهود خارجين فيه لتوّهم من ما عرف بالمحرقة، وبالتالي يختلف كليا عن ظرف الأربعين سنة الأخيرة الذي تحوّلت فيه الضحية إلى جلاد.
والملفت أيضا هو موقف أعضاء لجنة تحكيم الجائزة الذين استفادوا من تمويل مجلس السفراء العرب في باريس على مدى أربع سنوات، قبل أن يستيقظوا فجأةً ويستنتجوا أنهم "غير أحرار"! والحقيقة هي أنهم كانوا يتوقّعون منذ تأسيس الجائزة حصول صدام مع هذا المجلس في يوم ما، كما أكّد الكاتب المغربي الطاهر بن جلون ذلك في تصريح له لوكالة الصحافة الفرنسية.
أما على مستوى تعاطي الإعلام الفرنسي مع هذه القضية، فهو لم ير في موقف السفراء العرب سوى سلوك سلطوي مشين، ورفضٍ أعمى للسلام والانفتاح اللذين يمثّلهما صنصال في نظره، متناسيا أن السفير، أي سفير في العالم، ملتزم بموقف حكومته، وأن العالم العربي في معظمه ما زال في حالة عداء مع إسرائيل. كما تناسى هذا الإعلام أن المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية كانت تُعدم المتعاملين مع العدو رميا بالرصاص وبدون محاكمة، وأن المحيط الأدبي الفرنسي ما زال إلى حد اليوم يعتّم على كتّاب ومفكّرين أوروبيين كبار لأنهم تعاملوا أو تعاطفوا في تلك الفترة مع ألمانيا النازية، وأحيانا لمجرّد أنهم رفضوا المشاركة في تلك الحرب المشؤومة!.