كتب عماد مرمل في السفير :بات واضحا ان التأخير في تشكيل الحكومة أفرز بيئة ملائمة للتشنج الأمني الذي اتخذ خلال الايام الماضية أشكالا مختلفة ومتنقلة
كتب عماد مرمل في صحيفة السفير اليوم ....
مراجع عليا: جهات خارجية تسعى للعبث بالأمن اللبناني
بات واضحا ان التأخير في تشكيل الحكومة أفرز بيئة ملائمة للتشنج الأمني الذي اتخذ خلال الايام الماضية أشكالا مختلفة ومتنقلة، من أبرزها خطف السياح الأستونيين السبعة والاعتداء على كنيسة السريان الارثوذكس في زحلة وإطلاق النار على متظاهرين سوريين في بيروت، ما كشف عن انخفاض سريع في مستوى المناعة الداخلية، ليس خافيا ان أحد أسبابه الموضوعية يكمن في التراخي الذي واكب عملية تأليف الحكومة وأدى الى التأخير في إنجازها. بات واضحا ان التأخير في تشكيل الحكومة أفرز بيئة ملائمة للتشنج الأمني الذي اتخذ خلال الايام الماضية أشكالا مختلفة ومتنقلة، من أبرزها خطف السياح الأستونيين السبعة والاعتداء على كنيسة السريان الارثوذكس في زحلة وإطلاق النار على متظاهرين سوريين في بيروت، ما كشف عن انخفاض سريع في مستوى المناعة الداخلية، ليس خافيا ان أحد أسبابه الموضوعية يكمن في التراخي الذي واكب عملية تأليف الحكومة وأدى الى التأخير في إنجازها.
ولئن كانت تلك الحوادث تبدو متفرقة ومتناثرة من الناحية الجغرافية، إلا ان ذلك لا ينفي احتمال وجود خيط واحد يربط بينها او بين بعضها، أقله على مستوى الاستهداف السياسي، إذا كان الخيط الجنائي غير مثبت او غير مرئي بعد. ولعله لا يصعب الاستنتاج ان المصطادين في الماء العكر وجدوا في غياب فعالية السلطة التنفيذية فرصة ذهبية لممارسة هوايتهم وتوجيه رسائلهم المدوية.
وما زاد الطين بلة هو ان المحيط العربي يشهد بدوره اضطرابا كبيرا، جعل العمق الحيوي للأمن القومي اللبناني عمقا مثقوبا ومشرعا على الرياح الآتية من كل الاتجاهات، لاسيما وان الساحة اللبنانية اعتادت على ان تكون الاكثر تأثرا بما يجري من حولها، باعتبارها تمثل تاريخيا خاصرة رخوة في الجسد العربي.
وإزاء الانكشاف الداخلي الناتج عن وجود دولة مبتورة، في موازاة زلزال عربي يولد هزات ارتدادية في الساحات الضعيفة، تجد المؤسسة العسكرية ذاتها أمام تحديات صعبة، بعدما بات عليها ان تأخذ بصدرها مسؤولية الامن، من دون وجود حكومة فعلية تمنحها الغطاء السياسي الضروري، لاسيما إذا احتاجت الى اتخاذ قرارات ميدانية نوعية تتطلب في العادة «حماية» من مجلس الوزراء.
والى حين استعادة شيء من «الحصانة السياسية» الداخلية بعد تجاوز مخاض تشكيل الحكومة، تبلغت مراجع عليا في الدولة معلومات مؤكدة عن أدوار مشبوهة ومريبة تؤديها جهات خارجية للعبث بالاستقرار الأمني في لبنان، ما يفسر- وفقا لتلك المراجع- ما يشبه التزامن بين مجموعة من الحوادث المتنقلة التي سُجلت خلال الايام الاخيرة. وإذ تؤكد هذه المراجع ان بصمات الأصابع الخارجية باتت واضحة، تكشف عن معطيات توافرت لدى جهاز أمني لبناني تدفع في اتجاه الاشتباه بدور تخريبي يؤيديه رجل دين محسوب على فريق سياسي، وهو أصبح تحت مجهر المراقبة والرصد، لتجميع كل الخيوط المتصلة بعمله.
وتشير المراجع العليا الى ان أجهزة مخابراتية تابعة لبعض دوائر الأنظمة العربية هي التي تحاول «الخربطة» في لبنان وسوريا على حد سواء، الامر الذي يستدعي إبقاء العيون مفتوحة والتحلي بأعلى درجات الحذر لتمرير هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة.
وتحذر المراجع من وجود مخطط لإثارة النعرات المذهبية والطائفية وبالتالي إحداث الفوضى في أكثر من مكان في المنطقة العربية، لافتة الانتباه في هذا السياق الى الصراع القبطي- الاسلامي الذي تم تحريكه في مصر قبل سقوط النظام عبر وزير الداخلية آنذاك حبيب العدلي، مرورا بالتوتر السني- الشيعي الذي جرى افتعاله مؤخرا في البحرين ومن خلالها في الخيلج، وصولا الى المحاولة الفاشلة لإيجاد نعرة علوية- سنية داخل سوريا.
وتنبه المراجع الى ان لبنان كان وما يزال في قلب العاصفة بسبب السعي المستمر الى جره نحو صدام سني- شيعي، استطاع تفاديه حتى الآن بفضل وعي أبنائه ووجود قرار سياسي لدى معظم الاطراف بعدم الانزلاق الى حرب أهلية مجربة، علما ان هذا القرار يتطلب صيانة مستمرة حتى يظل قائما، ومن شروط هذه الصيانة الاسراع في تشكيل حكومة فاعلة تملأ الفراغ المتراكم.
وتتوقف المراجع العليا بكثير من الاهتمام عند التطورات الاخيرة التي شهدتها سوريا، لافتة الانتباه الى ان الطابع العنفي والدموي لبعض التحركات جاء في سياق استهداف منهجي لنظام الرئيس بشار الاسد، لا يخلو من «التوظيف الخارجي»، بما يتجاوز المطالب الاصلاحية المشروعة التي ترفعها شرائح عدة في المجتمع السوري.
وتدعو هذه المراجع بعض قيادات 14 آذار التي «انتشت» بأحداث سوريا وراهنت عليها لتغيير المعادلات، الى مراجعة حساباتها والتدقيق في قراءتها السياسية، لأن عليها ان تعلم انها لن تجد وقتا للاحتفال إذا سقط نظام الرئيس بشار الاسد، ذلك ان لبنان قد يصمد بضعة أشهر فقط بعد هذا السقوط الذي سيطلق تسونامي الفوضى في المنطقة ككل وسيشرع الابواب اللبنانية امام المتطرفين، وعندها سيصبح مصير كل معتدل في البلد مهددا بالخطر. وتستغرب المراجع «رهانات» بعض الاوساط الداخلية متجاهلة المصالح الحقيقية للبنان الذي يقع على حدود سوريا، فيما يتلقى الأسد دعما من دول كالسعودية والكويت والبحرين وقطر وفنزويلا، وحتى الولايات المتحدة الاميركية تجنبت المبالغة في رد فعلها كما تبين من مواقف وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي اعتبرت انه «يوجد في سوريا اليوم رئيس مختلف وكثيرون من أعضاء الكونغرس الذين زاروا دمشق، يعتقدون انه إصلاحي»، داعية الى عدم انتظار أن تفعل بلادها في سوريا ما فعلته في ليبيا.
وتؤكد المراجع التي تسنى لها التواصل مع القيادة السورية خلال الايام الماضية ان الرئيس بشار الاسد تمكن من احتواء الموقف بعدما أظهر أعلى درجات الحكمة وضبط النفس في التعامل مع الازمة، لافتة الانتباه الى انه ليس مألوفا في الواقع السوري ان يسقط على سبيل المثال عشرة قتلى في صفوف قوات الامن في مدينة اللاذقية التي تحمل هويتها دلالة خاصة، من دون ان يكون هناك رد فعل ميداني عنيف بحجم الحدث، كما ان من بين الاجراءات غير المعتادة إطلاق سراح معتقلين في ذروة التوتر فيما كان الرئيس الأسد يلتقي وفدا من درعا بعيدا عن الاضواء. وتشير المراجع العليا الى ان الاسد اتخذ قرارا بعدم الإفراط في استخدام «القبضة الامنية» مقابل زيادة في جرعات المعالجة السياسية من خلال السير في طريق الاصلاحات، ويبدو انه سيجد في الاحداث التي حصلت فرصة لتحجيم رموز «الحرس القديم» الذين كانوا يعيقون الخطط الاصلاحية، حتى لو كان من بين هؤلاء من هم مصنفون بانهم مقربون بشكل او بآخر الى الرئيس السوري.