"أنتم الوعد الصادق، وأنتم النصر الآتی بإذن الله، أنتم الحرية للأسري والتحرير للأرض، والحمي للوطن وللعرض وللشرف، أنتم القادة وأنتم السادة وأنتم تاج رؤوس ومفخرة الأمة، ورجال الله
"أنتم الوعد الصادق، وأنتم النصر الآتي بإذن الله، أنتم الحرية للأسري والتحرير للأرض، والحمي للوطن وللعرض وللشرف، أنتم القادة وأنتم السادة وأنتم تاج رؤوس ومفخرة الأمة، ورجال الله الذين بهم ننتصر". بهذه الكلمات استهل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله رسالته الشهيرة إلي مجاهدي المقاومة الإسلامية الذين سطروا بدمائهم الزكية في حرب تموز 2006 أروع ملاحم البطولة والتضحية ورسموا بها أيقونة النصر الإلهي المجيد، وحققوا أول انتصار فعلي علي العدو الصهيوني في تاريخ الصراع المرير معه، وصنعوا العزة لأمتهم وأعادوا لها كرامتها ورفعوا رؤوسها عالياً.
لم يبالغ الأمين العام لحزب الله في وصفه للمجاهدين المقاومين ولم يماري أو يجامل بها، وهو المعروف باختياره الدقيق لكلماته وعباراته انطلاقاً من إدراكه أهمية ما ينطق به والمسؤولية التي تترتب علي كلماته ومواقفه، والتي يترصدها الصديق والعدو علي السواء.
كان السيد يعي تماماً ما يقول ويقصد ما تحمل عباراته من معان ومواقف ودلالات، حتي ولو لم يدرك الآخرون مغزاها إلا بعد انقشاع الموقف وجلاء غبار الحرب، حيث تبين أن كل مقاوم ممن شاركوا في مواجهة العدو الصهيوني وتصدوا لعدوانه ووقفوا شامخين أمام جبروته كان حقاً يمثل 'أمة في رجل'، ولم ترهبهم طائرات العدو الصهيوني التي كانت تحلق بسماء لبنان بمختلف أنواعها الحربي القاذف والمقاتل والمروحي والتجسسي بطيار وبدون طيار والتي كانت تشن موجات متتالية من الغارات الجوية بأسراب تقدر بمائة طائرة وما فوق لا تغيب لحظة عن سماء لبنان، وكانت كل موجة منها تقدر بعشرات الغارات وفي كل غارة واحدة تشارك فيها أكثر من 30 طائرة تلقي حمولتها المقدرة بعشرات الأطنان دفعة واحدة علي هدف واحد، وأدت الغارات إلي تدمير آلاف المباني السكنية والمدنية والمؤسسات التجارية والمقرات الحزبية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، وكانت الطائرات المعادية تعاود هجماتها علي أهدافها مراراً وتكراراً بعدما نفد 'بنك الأهداف' الذي سبق أن أعده العدو الصهيوني قبل الشروع بعدوانه الذي وضع له سقفاً عالياً وهو 'تدمير حزب الله، وقتل قادته، والقضاء علي ترسانته العسكرية'.
وقد ذكر العدو الصهيوني في وسائل إعلامه أن 30 طائرة حربية شنت غارة جوية علي 'مجمع سيد الأوصياء (ع)' في برج البراجنة بالضاحية الجنوبية لبيروت وهو كان لا يزال قيد الإنشاء، وألقت عليه 22 طناً من المتفجرات دفعة واحدة، بعدما تلقت معلومات عن تواجد عناصر من حزب الله فيه.
هكذا كانت سماء لبنان طيلة أيام حرب تموز تغزوها أسراب الطائرات علي أنواعها علي مدي الـ 33 يوماً، فيما كانت المياه الإقليمية اللبنانية تعج بالزوارق والبوارج الحربية الصهيونية والأميركية المشاركة بالعدوان حتي اختلطت نيران الجو بنيران البحر، وصارت الناس لا تميز بين القصف البحري من القصف الجوي. واضطرت الولايات المتحدة الأميركية أن تقيم جسراً جوياً عبر بريطانيا لمد العدو بما يحتاجه من ذخائر وصواريخ وقنابل علي اختلاف أنواعها، بعدما كادت تخلو مستودعاته منها.
وكانت موجات الغارات الجوية والقصف البحري علي الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت تتصاعد يوماً بعد يوم، لا سيما بعدما عجز العدو الصهيوني عن تحقيق أي هدف يذكر، ولجأ إلي تصعيد استهدافه للمدنيين، وارتكاب الفظائع والمجازر، في محاولات يائسة لبث الرعب والخوف لدي قيادة حزب الله وفي نفوس المقاومين الراسخين علي الثغور في كل مكان، ولما أدرك أن هزيمته واقعة لا محال، لجأ إلي إطلاق الشائعات عن انتصارات موهومة زاعماً عبر وسائل إعلامه أنه نجح في اغتيال قياديين من حزب الله، لكن ظهور السيد نصر الله المستمر عبر شاشة قناة تلفزيون 'المنار' الذي دمر الطائرات الصهيونية مقره، كشف كذب العدو ووسائل إعلامه، فيما أثبتت الوقائع علي الأرض صدق ودقة ما كانت تعلنه المقاومة وقائدها سماحة السيد حسن نصر الله، حتي أن المجتمع الصهيوني صار يستمع له لمعرفة تطورات الحرب ومسارها بدلاً من القادة الصهاينة الذين خسروا كل مصداقية لهم.
وبعد أسابيع علي بدء الحرب من دون أن يحقق العدو أي نتيجة منها، وبدأ يشعر أن الغلبة أصبحت حتمية لصالح حزب الله، زج العدو بمزيد من ألوية المشاة والمدرعات في حربه البرية التي راوحت علي تخوم الحدود المشتركة بين لبنان وفلسطين، وأوعز لقواته بالتوغل في الأراضي اللبنانية ولو باتجاه قرية واحدة، إلاّ أن قواته كانت تنهزم أمام رجال المقاومة المرابطين علي الثغور، بمجرد أن يسقط منها بعض قتلي وجرحي، ويعاود العدو الكرة بعد الكرة والنتيجة واحدة وهي المزيد من الخسائر في جنوده وآلياته. وفي إحدي هذه الكرات طلب من مجموعة مشاة الدخول إلي مدينة بنت جبيل لأخذ صورة فيها والإدعاء أنها سقطت في قبضته إلاّ أن رجال المقاومة كانوا بالمرصاد، فدمروا القوة بعدما استدرجوها إلي كمائنهم، وكانت الهزيمة هي الصورة التي حصل عليها الجنود.
ومع تزايد الهزائم وعدم تحقيقه أي نصر ولو موهوم، خفض العدو الصهيوني، سقف أهدافه فتخلي عن 'تدمير حزب الله، وقتل قادته' وأعلن أن هدفه هو الوصول إلي مياه نهر الليطاني الذي يخترق المنطقة الجنوبية من الشرق إلي الغرب مروراً بوادي الحجير، مشكلاً بذلك منطقة حدودية محاذية لفلسطين المحتلة، تعرف بجنوب نهر الليطاني، يتراوح عرضها بين 7 كلم كحد أقصي و 3 كلم كحد أدني، واعتقد العدو في حينه أنه إذا ما حقق هدفه الجديد بالوصول إلي مياه نهر الليطاني – وهو سهل بنظره - فإنه يستطيع بذلك أن يدعي تحقيق نصر ولو بهذا الحجم ينهي به حربه 'منتصراً' ومحتفظاً ببعض ماء الوجه، ومحافظاً به علي أكذوبة وأسطورة 'الجيش الذي لا يقهر'، ولذلك وفي الأيام الأخيرة من حرب تموز ومع تزايد الضغط الداخلي والخارجي علي الحكومة الصهيونية، زج العدو بمزيد من ألوية المشاة والمدرعات وأصدر أوامره لها بالتوجه نحو مياه نهر الليطاني، ومن أقرب نقطتين حدوديتين، واحدة من منطقة سهل الخيام، وأخري من بلدة الطيبة والنقطتان تؤديان إلي مياه النهر علماً أن مياه النهر من جهة الخيام لا تزيد عن الكيلو متر واحد، في حين لا تبعد بلدة الطيبة أكثر من 3 كلم عن الحدود مع فلسطين المحتلة.
وبهذا القرار اختصر العدو الصهيوني أهداف حربه الوصول إلي مياه نهر الليطاني، ما يعني أن أي صورة لجنوده عند مياه النهر ستعني النصر له والهزيمة للمقاومة وهذا ما أدركه المجاهدون والمقاومون، فتحركت قوات العدو باتجاه سهل الخيام تتقدمها دبابات ميركافا من الجيل الرابع وهي أحدث الدبابات لدي العدو الذي يعتبرها فخر الصناعات العسكرية، وهناك كانت تنتظرهم واحدة من المفاجآت التي توعد بها الصادق الوعد قائد المقاومة السيد حسن نصر الله، حيث كشفت المقاومة عن امتلاكها لصواريخ مضادة للمدرعات من نوع 'كورنيت' الروسي وهي تحمل رأسين ترادفيين، مهمة الرأس الأول تدمير 'الدرع الردي' الذي تحمله الدبابة علي جسمها لحمايتها من الصواريخ، وفتح الطريق للرأس الثاني لاختراق جسم الدبابة وتفجيرها من الداخل.
وما أن تلقي العدو هذه الصدمة حتي تضعضعت قواته وتقهقرت وعادت أدراجها، في حين كانت قوة أخري تتقدم نحو وادي الحجير انطلاقاً من بلدة الطيبة، وهناك كانت 'الكورنيت' بانتظارهم تصدت لهم ومنعتهم من الوصول إلي مياه النهر، بعدما دمرت لهم 15 دبابة ميركافا – 4 وأعطبت الكثير منها ومنعتها من متابعة تقدمها، رغم مواكبتها من عشرات الطائرات الحربية والمروحية والتجسسية، التي لم تتمكن من النيل من مقاوم واحد ممن أطلقوا 'الكورنيت' علي الدبابات، فكان القرار بالانسحاب من وادي الحجير.
والمفاجأة في معركة وادي الحجير ليست في عدم سقوط الشهداء ولا في صواريخ 'الكورنيت' نفسها، وإنما في صانع 'مجزرة الدبابات' و 'مدمر أسطورة الميركافا' الشهيد 'علي صالح' (بلال) الذي كان وحيداً في مواجهة أرتال الدبابات في وادي الحجير يرمي الدبابة بصاروخ، وينتقل مسرعاً إلي مكان آخر لرمي ثانية، وإلي مكان ثالث لرمي ثالثة، وكان كل صاروخ بدبابة، فلم تخب صواريخه وإنما أصابت أهدافها كلها، حتي أفرغ كل ما في جعبته منها، ولم ينل الشهادة حتي جعل من وادي الحجير مقبرة للغزاة، تتناثر فيه أجزاء الدبابات التي طالما تغني بها العدو الصهيوني واعتبرها الأحدث والأطور في العالم بل وحتي الأقوي.
اندحر العدو من وادي الحجير علي يد الشهيد 'بلال' وهو يجر أذيال الخيبة وانتهت حرب تموز بعد 33 يوماً، من التدمير والقتل والمجازر، وظلت مياه الليطاني حسرة في قلوب العدو، لم تدنسها أيدي العدو ولم تلمس برودتها، وكان النصر الإلهي يصنع علي أيدي رجال الله، ومفخرة الأمة، وكانت الحرية للأسري والتحرير للأرض.