كتب نبيل هيثم في صحيفة السفير في 31--12011 مقال بعنوان هناك من اعتقد أن التعويض عن سقوط مبارك يكون بإسقاط الأسد ،أحداث سوريا انتهت أم أن رهان البعض ما يزال مستمراً؟
كتب نبيل هيثم في السفير ....
هناك من اعتقد أن التعويض عن سقوط مبارك يكون بإسقاط الأسد
أحداث سوريا انتهت أم أن رهان البعض ما يزال مستمراً؟
.. في اللقاء الأخير الذي جمعه مع السيد حسن نصرالله، كان وليد جنبلاط متهيباً وشديد القلق حيال الأحداث التي شهدتها سوريا في الآونة الأخيرة، خاصة ان في ما جرى هناك «من صنع أياد خبيثة لا يقف عملها عند حدود خلق فتنة مذهبية وإحداث توترات بين فئات الشعب السوري، بل غايتها الشرذمة والتفتيت»، ولطالما حذر جنبلاط «من سيناريو أميركي ـ إسرائيلي لتفتيت المنطقة»، والأمثلة كثيرة «تبدأ من العراق ولا تنتهي في ليبيا». ولعل ما فاقم القلق لدى جنبلاط هو تلك الإشارات الخطيرة التي صدرت من لبنان سواء بالاعتداء على العمال السوريين حينما تظاهروا تأييداً للرئيس بشار الاسد، او بما قيل عن محاولات إغراء بعضهم بالقيام بأعمال مناوئة للنظام في سوريا، وكذلك ما حكي عن تدخل مباشر لوجستي ومالي من قبل بعض الجهات اللبنانية، وبعض الامثلة سردها الرئيس الاسد امام رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية قبل أيام قليلة.
ولكن في المقابل، كان «السيد» مطمئناً، خاصة أنه بدا وأنه يمتلك معطيات ووقائع وافرة فيما كانت دمشق تطمئن القلقين من الحلفاء وغير الحلفاء «بأن الوضع تحت السيطرة، ولا داعي للقلق، هناك غيمة وستمرّ».
ويخرج زوار العاصمة السورية بانطباع مفاده أن ثمة مطالب إصلاحية لا تخص فئة أو منطقة سورية بل هي مطالب لكل السوريين، وهو الأمر الذي أعاد الرئيس الأسد تأكيده في خطابه، أمس، لكن تداخل المطالب الإصلاحية مع مشاريع كان يراد لها أن تؤدي الى الفتنة والفوضى جعل الأمور تتخذ منحى مختلفاً خاصة بعد أن أيقنت القيادة السورية أن هناك مؤامرة تتعرّض لها سوريا في هذه المرحلة، وهناك من يدرج ما حصل مؤخراً في سياق حملة الإخضاع التي تعرضت لها سوريا في العام 2005، حينما حاولت المؤامرة ان تنال منها تحت عنوان اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وفشلت تلك المؤامرة التي يبدو انها تتحرّك بالعناصر والأهداف ذاتها، اي اسقاط سوريا في مشروع الفوضى والفتنة بسبب موقفها من المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين، وهو الأمر الذي أعاد الرئيس الأسد التأكيد عليه مجدداً، أمس.
يتحدث احد المسؤولين السوريين عما يسميها «الحقائق المرّة، التي تكشفت خلال احداث درعا واللاذقية، وقام بها مع الاسف من يفترض انهم اشقاء لنا، هناك حبكة متكاملة تقوم على مستويات مختلفة من التدخل، المستوى الاول هو التمويل وهناك اعترافات واضحة في هذا الشأن، والمستوى الثاني من خلال استقدام «عناصر خارجية» امتزجت بعناصر داخلية وتولت اثارة المخاوف في نفوس المواطنين السوريين في درعا وفي اللاذقية وخاصة في الأخيرة، حيث بدا أن هناك مشروع فتنة يطل برأسه جعل أهل المدينة يتكاتفون بكل طوائفهم وينظمون عمليات حماية ذاتية للأحياء بعدما كادت العناصر الخارجية تشعل الفتنة في المدينة.
يتحدّث المسؤولون السوريون عن إدخال كميات كبيرة من الخطوط الهاتفية المفتوحة مع الأردن خاصة في درعا، بالاضافة الى خطوط اخرى معظمها «فضائي» يشبه هواتف «الثريا».
على ان الملاحظة التي يلمسها زوار دمشق هي انحسار الاحداث، او ما يسمونه في سوريا «العدوان» ضمن منطقتين حدوديتين، من دون ان يتمكن من ان يتغلغل الى داخل العمق السوري، واما الانطباع العام فهو شعور السوريين بشكل عام بأن كرامتهم الوطنية قد جُرحت، ومن هنا جاء الجواب عبر التظاهرات الضخمة التي شهدتها سوريا من اقصاها الى اقصاها تحت عنوان «الوفاء للوطن»، حيث دلت تلك التظاهرات وكما يقولون في دمشق، على الآتي:
اولاً، ان التظاهرات الكبيرة اظهرت من ناحية ان الحس الوطني لدى الشعب السوري بكل اطيافه ومذاهبه منسوبه عال جداً. واظهرت من ناحية ثانية القاعدة الشعبية العريضة والقوية التي يتمتع بها النظام في سوريا، كما اثبتت ان الشعب السوري يحتفظ بثقة عالية بقيادته التي يجسدها الرئيس بشار الاسد.
ثانياً، ان الشعب السوري وبهذا المشهد الذي تجلى في جميع المحافظات السورية، يؤكد أنه لم يتأثر بالتضليل الإعلامي التي تولّته بعض الفضائيات العربية، وذهب في بعض الأحيان حد التحريض الذي تولاه أحد كبار رجال الدين العرب(القرضاوي).
ثالثاً، إن الشعب السوري الذي يضع كرامة الوطن في اول الأولويات، لا يتجاوز تفاصيل الأخطاء في الاداء والممارسات والارتكابات، وبنزوله الى التظاهر وجّه رسالة مباشرة الى الرئيس الاسد بأن «أضرب بسيف الشعب بالمعنى الاصلاحي».
رابعاً، ان النظام قرر ان يخوض المواجهة الى النهاية مبرزاً أوراق القوة التي يمتلكها بشكل متدرّج وممنهج، واهم ما في اوراق القوة تلك انها تمتزج مع مبادرة النظام الى تقديم تنازلات للشعب وتلك قد تكون اكثر الاوراق قوة.
خامساً، بدا المشهد المحيط بسوريا من لبنان الى العراق وفلسطين، رافعة للشعور الوطني السوري بوجوب الحفاظ على الاستقرار مهما كان الثمن، وهو الشعار الذي رفعته جهات اصلاحية معارضة أرادت أن تميز نفسها عن بعض الجهات التي أرادت التخريب.
ولكن هل انتهى التهديد لسوريا؟
من الواضح، وحسب زوار دمشق، ان بعض الفئات أرادت أن تستغل شعارات اصلاحية، لتحقيق مآرب خارجية، وهذا لا يعني أن هناك تلازماً بين المطالب الإصلاحية والتوترات، علماً ان تلك الاصلاحات تعبر عن رغبة شعبية لا يمكن تجاوزها، وقد بادر الرئيس الاسد الى اتخاذ مجموعة من خطوات في هذا السبيل يستجيب فيها لرغبة الشعب كله، وبالتالي حقق ربحاً شعبياً ملموساً، لكن يبقى التهديد الخارجي، خاصة ان الجهات التي دخلت مجدداً على خط ضرب النظام في سوريا قد لا تقف عند هذا الحد بل يمكن ان تستمر في خطتها دون النظر الى عواقب ذلك.
على ان هذا التهديد الخارجي، كما يقولون في سوريا، لا يمكن ان يشكل تهديداً فعلياً اذا ما فقد اساسه الداخلي او الادوات الداخلية التنفيذية، وذلك يقتض المضي في الخيار الإصلاحي وتوسيع القاعدة الشعبية للنظام من باب الاصلاحات المنشودة.
ولكن لماذا سوريا الآن؟
في اعتقاد سياسي لبناني مخضرم، ان سوريا تشكل على الدوام نقطة محورية في منطقتها، سواء في موقعها في الصراع العربي الاسرائيلي، او موقعها الى جانب تركيا، وما بين ايران ولبنان والمقاومة فيه، وما بين ايران ودول الخليج وما بين العراق وايران ودول الخليج. ولذلك هناك أكثر من سبب لأعدائها في الهجوم عليها فيصيبون من خلالها مجموعة اهداف. وفي زمن الشرق الاوسط الجديد جرت محاولات لضربها وعزلها وإضعافها بدءاً باتهامها باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن ثم خلال حرب تموز 2006 والتي كانت فيها هدفاً غير مباشر، ولعل ما عجّل باستهداف سوريا، تلك التطورات الدراماتيكية المتسارعة في المشهد العربي، وتحديداً بعد سقوط نظام حسني مبارك، وبالتالي هناك من اعتقد ان التعويض عن سقوط النظام المصري، هو بإسقاط النظام السوري ومن خلاله قوى المقاومة والممانعة في لبنان وفلسطين، وأخطر ما في الأمر أن هناك في لبنان من لم يغادر هذا الرهان، لا بل يراهن على إضعاف سوريا عربياً من خلال سقوط قريب لظهيرها السعودي، أي الملك عبدالله لأن أي بديل له لن يكون هو الذي يشتهيه الحريصون على استقرار المملكة وسوريا ولبنان والمنطقة.