24-11-2024 04:03 AM بتوقيت القدس المحتلة

الإعلام الإسرائيلي في ورطة.. بعد سبَق "الميادين" ببث عملية الأسر

الإعلام الإسرائيلي في ورطة.. بعد سبَق

وحاول الإعلام الإسرائيلي إلهاء الرأي العام بواقع بديل عما كشفته الصورة، ما كرّس حالة الاهتزاز العامّة التي تتعرّض لها المؤسسة الإعلاميّة العبريّة بشكل عام

الإعلام الإسرائيلي يتلقف الشريط بصدمةانشغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية بفيديو عمليّة أسر الجنديين الإسرائيليين العام 2006، والذي عرضه غسان بن جدو ضمن برنامجه "في الميادين". وحاول الإعلام الإسرائيلي إلهاء الرأي العام بواقع بديل عما كشفته الصورة، ما كرّس حالة الاهتزاز العامّة التي تتعرّض لها المؤسسة الإعلاميّة العبريّة بشكل عام.


كتب رمزي حكيم في جريدة السفير اللبنانية:


ضاعت إسرائيل الرسمية، عمداً، في تفسير وتحليل الأسباب التي تقف خلف توقيت قرار "حزب الله"، تزويد قناة "الميادين" الفضائية، بفيديو يوثق، عملية أسر الجنديين الإسرائيليين، إلداد ريغف وأودي غولدفاسر، في 12 تموز 2006. وذهبت وسائل إعلامها بعيداً، في شخصنة السبق الإعلامي الذي حقّقه برنامج "في الميادين" لغسان بن جدّو، من خلال تحليلاتها المستقاة عادة (في مثل هذه الحالات) من أجهزة الاستخبارات. هذه الأخيرة، انشغلت في ادّعاء "معرفة عمق العلاقة" التي تربط بين غسان بن جدّو و"حزب الله". كأنّ الموضوع، هو وجود هذه العلاقة أو عدم وجودها، وليس الصورة بحدّ ذاتها، ومضمونها، وتداعياتها. ويأتي هذا "الإلهاء" الإعلامي، في سياق حيلة إعلامية استهدفت، أساساً، تخدير الرأي العام الإسرائيلي وإزاحته عن الأسئلة الصعبة.


عملية الأسر للمقاومة في العام 2006ويبدو أنّ الإعلام الإسرائيلي قد فَقَد توازنه، عقب برنامج "في الميادين"، بعدما كانت إسرائيل ذاتها قد فَقَدت توازنها، في حرب لبنان الثانية (2006). الحالة ذاتها تتكرر، رغم مرور ست سنوات، وملخصها مساهمة الإعلام العبري الإسرائيلي، بشكل مباشر، في ترويج "الرواية الرسمية الإسرائيلية"، وتبنّي موقفها وحججها، وحتى الانحياز الكامل لها. وذلك من دون أن يقوم الإعلام بدوره في التحقُّق وكشف المستور، وبالتالي تفضيله البقاء في حدود المبتور، ضمن "المربّع الأمني" المسموح به إسرائيلياً. وهذا ما يخلع عن هذا الإعلام إدعاءاته بـ"الاستقلالية" ويجعله يغرق في حالة هي أشبه بوضعية "البوق" للسياسة الرسمية، وأداة خداع للجمهور الواسع. وفي هذا السياق، عاد الإعلام الإسرائيلي، وبعد برنامج "في الميادين" إلى حالة الخداع ذاتها. وهي حالة اضطلع بدور البطولة فيها خلال حرب لبنان الثانية، من خلال محاولة إلهاء المتلقي العبري الإسرائيلي بالتفتيش عن سؤال: لماذا اختار حزب الله قناة "الميادين" الفضائية لبث الفيديو المصوّر وليس قناة "المنار"؟ سؤال أحمق! لكنَّ الطريف في "سؤال الإلهاء" هذا، أنّه يغيّب عمداً، "الواقع كما هو"، ويحاول أن يصنع واقعاً بديلاً من خلال محاولة رسم صورة أخرى، هي على النقيض من حركة الكاميرا التي ظهرت في "فيديو عملية الأسر". لكنّ الإعلام الإسرائيلي لم ينجح في إخفاء حالة الاهتزاز التي تعرّض لها، وظهر فيها كأنّ توازنه قائم على ورق.


ومهما حاولت إسرائيل الرسمية، ووسائل إعلامها، الهروب من الأسئلة الصعبة، إلا أنّ برنامج "في الميادين" فتح الباب من جديد، على نتائج حرب لبنان الثانية، فيما يتعلق بتقنين المعلومات، والتحكّم المؤسساتي بالصور المنتقاة على الشاشة المتلفزة الإسرائيلية، وحجب الصورة عن سير القتال، وما رافقه من عملية حجب للمعرفة عن أوسع قطاعات الناس في إسرائيل. فالتعتيم الإعلامي في حرب تموز 2006، كان يستند إلى موقف معلن، تمّت فيه إعادة إنتاج المواقف التي تريدها المؤسسة الإسرائيلية. وبعد تلك الحرب، غرق المجتمع الإسرائيلي في موجة غير مسبوقة من انتقاد صنّاع القرار، حكومةً وجيشاً. وخلافاً للحروب سابقة، وصلت وقائع أساسية بشأن هذه الحرب إلى الجمهور، بعد أشهر عديدة من انتهائها، جراء نشر تقرير لجنة "فينوغراد" ومحاضر مداولاتها، وهي اللجنة التي أقيمت للتحقيق في فضائح فشل حرب لبنان الثانية.


مجاهدو المقاومة الإسلامية خلال عملية الأسر في العام 2006لا يمكن تحرير الإعلام الإسرائيلي العبري من مسؤوليته في خداع الجمهور. فقد سقط أغلب المعلّقين والمحلّلين الإسرائيليين في "فخ" تبنّي موقف المؤسسة والترويج له، لناحية التأييد الشامل المطلق للحرب و"عدالتها". وساهم الإعلام في عملية خداع واسعة، ووقع في أسر الرواية الإسرائيلية الرسمية، وخلق أجواء عامة أرادت المؤسسة الإسرائيلية لها أن تسيطر.. وهي أجواء ثبت زيفها، فيما بعد. ويبدو أنّ إسرائيل 2012 لم تتعلم شيئاً من تجربة 2006.

ما زالت شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى، تساهم في فبركة الصورة واختلاق الخبر المرتبط بحرب لبنان، واهتزاز قوّة الردع الإسرائيلية. وتجددت هذه الحالة بعد بث فيديو "الميادين" المصوّر أخيراً، لتعكس الأزمة الإعلامية الإسرائيلية التي تصرُّ على حجب الحقيقة والواقع، وعلى التعامل مع الآخر العربي، من وجهة نظر المؤسسة الإسرائيلية الرسمية نفسها. والهدف، جعل المتلقي العبري الإسرائيلي محكوماً بالانعزال، في "ثقافة" تابعة لمفاهيم التشويه والاختزال والشطب والحجب... وتقنين المعرفة.

  موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه