عندما سُمّي الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، رأت المعارضة السابقة أنها حققت انتصاراً كاسحاً على الرئيس سعد الحريري. قيل حينها إن الحكومة ستؤلف خلال أيام لاستكمال ما تحقق. خلال شهرين ونيف علا وهج ما
ايلي الفرزلي
عندما سُمّي الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، رأت المعارضة السابقة أنها حققت انتصاراً كاسحاً على الرئيس سعد الحريري. قيل حينها إن الحكومة ستؤلف خلال أيام لاستكمال ما تحقق. خلال شهرين ونيف علا وهج ما سُمّي «الانتصار» الكثير من الغبار. وصارت قوى «14 آذار» التي لم تتقبل الهزيمة حينها أكثر ثقة بأن الانقلاب لم يكن كاملاً كما ظنت وأن الخسائر التي تعرّضت لها لا تبدو من النوع الذي يصعب ترميمه. ثقتها هذه لم تكن نتيجة جهد شخصي فقط، فإضافة إلى المهرجانات الجماهيرية الرنانة التي حققت بعضاً من المبتغى، فإن هذه القوى وجدت أن خصومها هم خير من يُسدي الخدمات لها وبالمجان... كما جرت العادة في الكثير من الأحيان والمناسبات منذ العام 2005 حتى الآن.
فهذه القوى، وتحديداً تيار «المسـتقبل» بشخص رئيسه، ما يزال يأمل أن تتغير موازين القوى التي تقود ميقاتي في النهاية إلى الاعتذار. وفيما يبدو الأخير مستمعاً إلى كل ما يُقال من حوله، ما يزال يفضل العمل على تشكيل حكومته بصمت. وهذا التشكيل، تؤكد مصادر متابعة، لا مفرّ منه مهما طال الزمن، ومن يراهن على العكس ستذهب مراهناته أدراج الرياح.
مع العودة إلى واقع التأليف، وبعكس ما يُشاع، يبدو أن ميقاتي لم يعد مستعجلاً إنضاج التشكيلة، بعدما سحب من التداول مسألة «حكومة الأمر الواقع»، بناءً على تمني الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، اللذين يلعبان دوراً فاعلاً في مواكبة ودعم رئيس الحكومة المكلف لا بل والتناغم معه في الكثير من الأفكار. وتؤكد المصادر أن الأولوية بالنسبة لميقاتي (المطمئن والمرتاح جداً، كما يردد زواره) حالياً هي التزام الدستور والصلاحيات الدستورية لكل من رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، وأن تضم تشكيلته أسماءً من النخبة تشكل فريق عمل متجانس وتحدث صدمة إيجابية في البلد.
ورغم أن ميقاتي واثق من أن العقد كلها ستجد لها حلاً، ترى هذه المصادر أن المبادرة التي قدمها الرئيس نبيه بري منذ أيام، تسير بخطى ثابتة نحو النجاح، وهي تحتاج لتهيئة الظروف المناسبة التي تسمح بموافقة جميع الأطراف عليها.
وفيما يوحي سلوك مختلف الأطراف أنهم ليسوا على عجلة من أمرهم، وأنهم لو خيّروا بين وجود الحكومة والتراجع عن مطالبهم فسيختارون تطيير الحكومة، أو بشكل أدق، المراهنة على ما يمكن أن يؤديه عامل الوقت، لناحية إمكان تراجع القوى الأخرى عن مطالبها.
واللافت للنظر أنه بالرغم من أن العقدة الرئيسية تتركز بين «الميشالين»، إلا انه يمكن إحصاء ما يزيد عن خمس عقد تعترض إبصار الحكومة الجديدة للنور. وأبرزها:
- رفض العماد ميشال عون إعطاء رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أي حقيبة وزارية، لأنه ينزع عنه الصفة التمثيلية، ويعتبر أن موقعه التوافقي لا يسمح له أن يكون طرفاً... وفي الوقت نفسه، فإن قول سليمان بتوافقيته صار مطعوناً به بعد الانتخابات النيابية والبلدية ومجاهرة مقربين منه منذ الآن، بأنهم يستعدون لخوض المعركة الانتخابية في جبيل وكسروان في العام 2013.
- مطالبة العماد عون بحقيبة الداخلية، منطلقاً من أن الحقيبة المارونية الاولى يجب ان تكون من نصيب الكتلة المارونية الاولى.
- رفض سليمان وميقاتي لاستحواذ عون على الثلث المعطل في الحكومة، «تمسكاً بالصلاحيات الدستورية»، ورفضاً لغلبة أي فريق سياسي منفرداً، ومشاركته لرئيس الحكومة بصلاحياته. من هنا فإن سليمان وميقاتي وجنبلاط، يسعون للحصول على الثلث المعطل.
- عقدة تمثيل المعارضة السنية بغير فيصل عمر كرامي.
- اعتراض الوزير طلال ارسلان الشديد على إسناد وزارة دولة له.
- إصرار الحزب القومي على تمثيله من خلال رئيسه النائب أسعد حردان، وهو ما تردد أنه لاقى تأييد «حزب الله» عبر رفضه أن يكون الممثل القومي شيعياً من حصته... علماً أن بعض أوساط الأكثرية الجديدة قالت بعكس ذلك لجهة أن يكون ممثل الحزب القومي جزءاً من حصة «حزب الله».
وأمام هذه العقد، تؤكد مصادر متابعة لحركة التشاور الحكومية أنها كلها ليست من النوع المستعصي. وترى أن إنضاجها يحتاج إلى أدوات تبدو متوفرة عند الرئيس ميقاتي، وهو سيستعين عند اللزوم لقضاء حوائجه، بأصدقاء، في الداخل والخارج، يبدو واثقاً من قدرة كل منهم على التأثير على أحد الأفرقاء.
وفيما يصرّ العماد عون على الحصول على 12 وزيراً لتكتل التغيير والإصلاح، وإن كان لا يمانع بـ11 وزيراً طالما أنه يبقى ممتلكاً للثلث المعطل، مقابل إصرار الرئيس ميقاتي على إعطائه 9 وزراء، يبدو أن القسمة سترسو على 10 وزراء للتكتل (بينهم الوزير طلال ارسلان)، على أن يذهب مقعد (أو اثنين) لشخصية مستقلة تماماً، ولا تكون وديعة عند أحد.
أما عقدة وزارة الداخلية، فعندما يحين موعد القطاف، وتسليم الجميع أن وقت تشكيل الحكومة قد حان، سيكون حلها متيسراً على طريقة «لا رابح» بين «الجنرالين»، حيث تكون وزارة الداخلية خارج نادييهما، فلا تتحقق رغبة سليمان بالإبقاء على بارود في منصبه ولا تتحقق رغبة عون بالحصول على الوزارة لتكتله وثمة من يتحدث عن اسم صار محسوماً لتولي هذه الوزارة ليس محسوباً على أي طرف وهو موضع ثقة من جميع أطراف الأكثرية الجديدة ومن الرئيسين سليمان وميقاتي.. وبذلك يحصل بارود على وزارة أخرى، على أن تكون مهمة وزير الداخلية الجديد التحضير للانتخابات النيابية المقبلة متسلحاً بثقة الجميع به، بما في ذلك فريق 14 آذار.
ومع تسليم الرئيس ميقاتي منذ اليوم الأول للتكليف بضرورة تمثيل المعارضة السنية، فإن الرئيس عمر كرامي ما يزال معترضاً على أي حل لا يقضي إلى توزير نجله فيصل. وقد رفض اقتراح تسميته لإحدى الشخصيات الشمالية، كحل وسط. علماً أن أصحاب هذا الاقتراح يصرّون على أن لا يكون الاسم المطروح من وجوه المعارضة المعروفة شمالاً.
عقدة الوزير ارسلان، هي الأكثر حداثة حتى الآن، فبعد أن نام رئيس الحزب الديموقراطي على حرير حقيبة الدفاع في الأيام الأولى للتشكيل، وجد نفسه فجأة على بلاط وزارة دولة. وهذه العقدة، ترتبط تحديداً بالوزير وليد جنبلاط، الذي يتقاسم مع ارسلان التمثيل الدرزي (وزيران بحقيبة ووزير دولة)، وإن أراد إرضاء «المير طلال»، فسيكون عليه أن يتخلى عن حقيبة من اثنتين. ولا يبدو عون بعيداً عن الحل أيضاً إذ أن استغناءه عن حقيبة من حقائب تكتله قد يرفع فرص خروج المير من «الدولة»، حيث سيكون توزيع الحقائب عندها مختلفاً.