التطور الدراماتيكي الذي كسر كلّ مهنية وحسّ المسؤولية الوطنية تمثّل في تبني LBCI خبر موت المخطوفين اللبنانيين الـ 11، وبطبيعة الحال، انسحب الخبر المشؤوم تشنجاً على الأرض وأهالي المخطوفين
تزامناً مع حالة التهريج «الفايسيوكي»، والتطبيل لآل المقداد على خطف السوريين، الذين راح عددهم يزداد كفريسة سهلة، بدأت مرحلة التعاطي الإعلامي مع القضية تتجلّى ميدانياً. أول من أمس، تحوّلت دارة «رابطة آل المقداد» في ضاحية بيروت الجنوبية الى محجّة للصحافيين: ناطق إعلامي باسم العشيرة، وجناح عسكري وعناصر ظهروا ملثّمين على الهواء في استرجاع واضح لصورة غابت طويلاً عن أذهان اللبنانيين... صورة الحرب الأهلية.
زينب حاوي كتبت في جريدة الأخبار اللبنانية :
على الساحة، بقيت محطتا «الجديد» وlbci تتقاسمان حصة السبق الصحافي كما فعلتا في المرة الماضية لدى «استضافة» أبو ابراهيم لهما، فيما غابت المحطات الأخرى عن النقل المباشر باستثناء otv التي وضعت المشاهدين في أجواء ما يحصل أحياناً. إذاً تجنّدت هاتان المحطتان لفتح الهواء للنقل الحيّ وللمكالمات الهاتفية التي صبّ أغلبها في خانة تبيان ردة فعل الخاطفين من المعارضة السورية، مقابل غياب متعمّد وواضح لاستطلاع رأي المسؤولين اللبنانيين أمام هذه التطوّرات التي تهدّد السلم الأهلي. كان واضحاً ذلك الميل إلى تحويل المأساة الى ملهاة عبر رصد مسلسل الخطف، والسماح للوسائل الإعلامية بأداء دور المحقّق والقاضي مع المخطوفين السوريين في آن، وخصوصاً مع تصوير هؤلاء في مشهد من الخضوع لأهل الإعلام ولسطوة عشيرة المقداد، فرأينا ذلك مباشرة على الهواء.
لكنّ التطور الدراماتيكي الذي كسر كلّ مهنية وحسّ المسؤولية الوطنية تمثّل في تبني LBCI خبر موت المخطوفين اللبنانيين الـ 11، فأذاعته مراسلتها هدى شديد من دارة المقداد، مستندة الى مصدر في وزارة الخارجية. وبطبيعة الحال، انسحب الخبر المشؤوم تشنجاً على الأرض، وخصوصاً مع انضمام عوائل هؤلاء المخطوفين الى آل المقداد لتوحيد المصير في هذه القضية. وما زاد الطين بلة تزامن هذا الخبر المفجع مع بث لفيديو منقول عن «الجزيرة» يظهر الدمار الهائل الذي حلّ بأبنية سوّيت بالأرض في مدينة إعزاز، حيث يوجد المخطوفون. لم تكتف LBCI بعرض الشريط وتكراره مراراً مع اعتذار المذيعة المسبق على البث، بحجّة أنّها على الهواء مباشرة ولا تستطيع التوليف، بل أخذ الفيديو يركز على العائلات المنكوبة جراء قصف الطيران لهذه المنطقة. وتبعها فيديو آخر حصري هذه المرة للمحطة من داخل أحد المستشفيات التركية، حيث تكمن صعوبة التعرف إلى هوية الجرحى. ولم تنسَ المحطة إرفاق كل ما تبثه وتروّج له حول مصير المخطوفين بإعادة شريط اللقاء الشهير المشحون بالعواطف بين هؤلاء وذويهم (الأخبار 9/8/2012). كل ذلك جاء كأنّما ليؤكّد مقتل هؤلاء في تناسٍ تام لما قد يخلّفه ذلك في قلوب ذويهم. لكنّ «المؤسسة اللبنانية للإرسال» فضّلت استقطاب المشاهدين وسبقها المشؤوم على التأكد من المعلومة.
شكّل هذا الخبر الذي نزل كالصاعقة على رؤوس اللبنانيين، استفاقة متأخرة لباقي الفضائيات. تركت mtv برامجها وكذلك فعلت «المستقبل» التي اكتفت بدايةً بخبر في أسفل الشاشة حول مصير المخطوفين، تبلغ مدته ثواني معدودة، مقارنة بالدقائق التي خُصِّصت لخبر دعوة السفارة السعودية رعاياها إلى المغادرة. إذاً، اكتمل المشهد بالنقل الحيّ وتضارب الأنباء حول مصير المخطوفين. والصورة السريالية الأمثل تجسّدت في كون المصدر الرسمي أي وزارة الخارجية اللبنانية هي التي أشاعت هذا التضارب. لكن، لا شك في أنّ هذا التضارب ولّد الأمل في نفوس المشاهدين بأن يكون المخطوفون على قيد الحياة. أمل تحوّل الى صراع جليّ بين أبناء المهنة الواحدة مساء الأربعاء. أصرّت «المنار» على إشاعة جوّ من الطمأنة بأنّ كلّ المخطوفين بخير وبعضهم وصل الى تركيا، بينما راح «الجديد» يمهر شاشته بأخبار منقولة عن الاستخبارات التركية، تشكّك في صحة ما تقوله «المنار». ولم تكتف محطة «الجديد» بذلك، بل نقلت صورة عما يحصل في طريق المطار من حرق للإطارات ولغة الشارع المتفلتة من عقالها، مسهمةً في حقن النفوس المشحونة أصلاً.
في الخلاصة، ما جرى الأربعاء يؤكّد أنّ الإعلام وقع مجدداً فريسة لـ«شهواته» الصحافية، ولم يعر اهتماماً للرأي العام ولما يجري على الأرض من تلاعب بالسلم الأهلي. أخذت المحطات المناوئة للنظام السوري تنتهج سياسة التشفي عبر التركيز على هوية من قصف أعزاز وإرفاق كل خبر عن الخطف بالتذكير بأنّ المعارضة السورية براء منه، أو فتح الهواء للخاطفين السوريين لإعطاء دروس في الوحدة بين البلدين والتأكيد بأنّ الهدف الأوحد هو «حزب الله»، متناسية واجبها تجاه أبناء بلدها. فيما فضلت المحطات الأخرى المناصرة للنظام تغييب الحدث. وما أثار السخرية ربما هو بيانات المسؤولين اللبنانيين الذين صحوا في ساعات متأخرة من الأربعاء، فراحوا يذكّرون بضرورة الحفاظ على السلم الأهلي. أما ما رطّب الجو، فكان تفاعل الناشطين على فايسبوك مع القضية وابتكار طُرَف من وحي الحدث وعادات العشائر، فرفع بعضهم شعار «عائلة المقداد تمثلني». في موازاة النكات، أنشئت صفحات للجناح العسكري لعشيرة آل مقداد نقلت ما يبثه الإعلام في قضية المخطوفين ودعت إلى تحييد السوريين الأبرياء، لكنّها لم تنسَ التذكير بـ«الردّ المزلزل القادم».