27-11-2024 10:10 PM بتوقيت القدس المحتلة

أنيس دولة.. سلام عليك أينما كنت فوق الأرض أو في جوفها

أنيس دولة.. سلام عليك أينما كنت فوق الأرض أو في جوفها

أنيس محمود دولة.. اسم لأسير فلسطيني تُصر سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أن تُبقيه أسيراً لديها حياً كان أم ميتاً ، فوق الأرض أم في جوفها وذلك منذ العام 1968.

عبد الناصر فروانة


أنيس محمود دولة.. اسم لأسير فلسطيني تُصر سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أن تُبقيه أسيراً لديها حياً كان أم ميتاً ، فوق الأرض أم في جوفها وذلك منذ العام 1968 .
 
أنيس دولة ... فلسطيني من مدينة قلقيلية ومن مواليد 1944 ، وينحدر من عائلة مناضلة بكل ما تعنيه الكلمة من معاني ، يعتبر من الأوائل الذين انتموا لصفوف الثورة الفلسطينية من خلال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ليتحمل مع الرعيل الأول عبء المطاردة والملاحقة ومهام التموين والتزويد بالسلاح ، كما وشارك في العديد من العمليات الفدائية ، الى ان اعتقل في الثلاثين من كانون أول عام 1968 بعد اشتباك غير متكافئ مع قوات الاحتلال ، وتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي ، وحكم عليه بالسجن الفعلي المؤبد ( مدى الحياة )

وبعد اعتقاله بفترة وجيزة انشقت الجبهة الديمقراطية عن الشعبية ليعلن انضمامه للجبهة الديمقراطية منذ انطلاقتها في 22 فبراير / شباط 1969 حتى استشهاده.
 
ومنذ اللحظات الأولى لاعتقاله تأقلم مع إخوانه ورفاقه ، وتكيف مع الواقع المرير في السجون بحثا عن أشكال جديدة للنضال في ساحة جديدة كما اعتبرها ، فمارس دوره النضالي والوطني من أجل التغيير والتطوير وانتزاع الحقوق الإنسانية الأساسية .
 
فأجاد استغلال الوقت في تطوير ذاته والارتقاء بإمكانياته ، والتأثير على من هم حوله بأفكاره الثورية وتطلعاته المشروعة ، فأثر وتأثر ، هكذا هو حال السجن ، ونسج علاقات واسعة مع الجميع على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والتنظيمية ، وشاركهم الحياة بكل معانيها وهمومها ، ولم يتخلف عن مشاركتهم في الخطوات النضالية والإضراب عن الطعام ، وما تُسمى " معارك الأمعاء الخاوية " بالرغم من الضعف الجسدي وما كان يعانيه من أمراض لا سيما مرض القلب .
 
اشترك في إضراب عسقلان الشهير أواخر عام 1976 حتى بدايات عام 1977  لمدة شهرين تقريبا على فترتين تفصلهما أيام معدودة ، مما تسبب له بالعديد من الأمراض تحولت مع الوقت لأمراض مزمنة سببت له العديد من الآلام والمشاكل الصحية .
 
وفي تموز عام 1980 انطلق إضراب نفحة الشهير ذوداً عن الكرامة ومن أجل تحسين شروط الحياة الاعتقالية ، ولاحقاً هبَّت السجون كافة دعما واسناداً وتضامناً ، وعلى الرغم من مرضه وآلامه المتفاقمة ، ومحاولة إخوانه الأسرى ثنيه عن المشاركة ، إلا انه أصّرَ على المشاركة في الإضراب في سجن عسقلان ، رافضاً استبعاده أو استثنائه .
 
فتدهورت أوضاعه الصحية أكثر وتضاعفت آلامه وحاول مسؤول عيادة السجن مساومته بفك الإضراب مقابل إعطائه العلاج ، ولكنه رفض وأصر على مواصلة المعركة والالتصاق بإخوانه بكل كبرياء وشموخ رغم إدراكه وإحساسه بأنه يعد أيامه الأخيرة ، إلا أنه فضل الموت وقوفا كالأشجار  .

فتعمدت إدارة السجن تجاهله والإبطاء في تقديم الرعاية الطبية له ، كما لم تُبذلُ أي جهد يذكر بهدف إنقاذ حياته ، الى أن فارق الحياة بعدما شعر بوخزة في الصدر فسقط متكئا على جدار باحة سجن عسقلان في مثل هذا اليوم قبل 32 عاماً ، لتنقله جثة هامدة إلى قبر مجهول .
 
أنيس دولة .. حياً أم ميتاً ، أسير لدى سلطات الاحتلال منذ العام 1968 ، أي منذ ما يزيد عن 44 عاماً متواصلة .

فسلطات الاحتلال لم تكتفِ بما أمضاه من سنوات طويلة في سجونها وهو حي يعاني المرض والألم ، وإنما أصرت على الانتقام منه بعد موته واستمرت باحتجاز جثمانه في جوف الأرض في ما يُعرف بمقابر الأرقام منذ استشهاده بتاريخ 31 آب / أغسطس عام 1980 وحتى يومنا هذا ، وترفض تسليم جثمانه لعائلته وتصر على معاقبته ميتا مثلما عاقبته بالمؤبد حيا ، وكأنهم يعتقدون بأن باحتجاز جثته يحتجزون قصته وبطولاته ويخفون جرائمهم .
 
أنيس دولة .. اسم معلوم لنا ، له بيت وعائلة ، ذكريات وتاريخ ، اسم حفر في وجداننا واستحوذ على اهتماماتنا واحتل مساحة في قلوبنا وعقولنا

اسم حفظناه عن ظهر قلب ورددناه كثيراً بفخر وعزة ، وستردده ألسنتنا وألسنة الأجيال القادمة حتى وان اختفت آثار جثمانه كما تدعي سلطات الاحتلال .
 
أنيس ... حياً كنت أم جثة هامدة .. ستبقى في قلوبنا حيا لم ولن تموت أبداً ... وستبقى الشاهد على جرائمهم بحق الأسرى الأحياء في سجونهم المقامة فوق الأرض ، والأسرى الأموات المحتجزة جثامينهم في جوفها في ما يُعرف بـ " مقابر الأرقام " .
 
وذكر فروانة في نهاية مقالته بأن " إسرائيل " لا تزال تحتجز مئات الجثامين وهي الوحيدة في العالم التي تعاقب الإنسان بعد موته ، من خلال إحتجاز جثامين الشهداء في ما يسمى بـ " مقابر الأرقام " ، وتتعمد إيذاء ذويهم وتعذيبهم كعقاب جماعي وحرمانهم من إكرام أبنائهم الشهداء ودفنهم وفقاً للشريعة الإسلامية ، وهذا يعتبر جريمة أخلاقية وإنسانية ودينية وانتهاك فظ للمادة ( 17 ) من اتفاقية جنيف الأولى التي تكفل للموتى تكريمهم ودفنهم حسب تقاليدهم الدينية وأن تُحترم قبورهم.

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه