قدم الكاتب الصحفي البريطاني روبرت فيسك مقاربة تحليلية لمضمون الإعلام السوري توصل من خلالها لنتيجة مفادها أن هذا الإعلام اختار الجرأة في قول الحقيقة كما هي والمصداقية المدعومة بالوثائق
في قراءة موضوعية للمشهد الإعلامي السوري الذي يشهد تحولات بنيوية مهمة انعكست في تغطيته المتطورة للأحداث التي تشهدها سورية قدم الكاتب الصحفي البريطاني روبرت فيسك مقاربة تحليلية لمضمون الإعلام السوري توصل من خلالها لنتيجة مفادها أن هذا الإعلام اختار الجرأة في قول الحقيقة كما هي والمصداقية المدعومة بالوثائق القادمة من الميدان لمواجهة كم الفبركة والتضليل الكبيرين الذي يشوب تغطية الاعلام المضاد للمشهد السوري.
فيسك انطلق في تحليله الذي ضمنه في مقال نشرته صحيفة الاندبندنت أمس بعنوان "وزير إعلام يريد تقديم الحقيقة" من دلالات اختيار محلل سياسى ليقود الإعلام السوري في مرحلة حساسة تتعرض لها الحقيقة في سورية إلى الكثير من التشويه والتضليل حتى يتسنى له التمتع بالمرونة الكافية للتعاطي مع المستجدات السياسية بافق مفتوح معتبرا أن مواكبة رأس الهرم الإعلامي السوري ممثلا بوزير الإعلام عمران الزعبي للأحداث فور وقوعها وتقديم التعليقات الأولية عليها بجرأة ووضوح وتوجيه الرسائل القاسية لأعداء سورية اقترب بالاعلام السوري مجددا من المصداقية التى يحتاجها.
وقال فيسك إن المشاهدين السوريين لم يعتادوا الكلام المباشر من هذا النوع من أركان الدولة وأيضا هذا الرتم القوي لرأس هرم عمليات وسائل الاعلام الحكومية الذى تحدى أعداء سورية عندما حاول مسلحون اقتحام مدينة دمشق بالقول "إنهم يدعون هذه المعركة معركتهم الاخيرة.. نعم أنا أوافق أنها المعركة الاخيرة وسوف يخسرون".
وفي معرض تدليله على انتقال الاعلام السوري من لغة الخطاب إلى لغة الصورة الصادقة دعا فيسك من يريد الاطلاع على حقيقة الأوضاع فى سورية وتضحيات الجيش السوري إلى متابعة التلفزيون السوري ليروا بأم أعينهم هذا الجيش وهو يشق طريقه عبر شوارع دمشق العاصمة ويشاهدوا تضحياته ويعاينوا أمامهم جنديا سوريا مصابا بجروح بالغة ملقى في الشوارع الضيقة لمدينة حلب وهناك اثنان من رفاقه يحاولان تضميد جراحه.
ويرى فيسك أن تعيين الزعبي وزيرا للإعلام من قبل القيادة السورية في هذه الظروف يهدف إلى تحويل التلفزيون السوري إلى مصدر موثوق للمعلومات حيث بدأنا نرى مراسلين شبانا يرتدون خوذا زرقاء وسترا واقية من الرصاص تحمل علامة صحافة تشبه تلك التي يستخدمها الصحفيون في الغرب ويقدمون تقاريرهم الميدانية الحية من حلب.
وقال فيسك: إن الزعبي محلل سياسي من نوع نادر داخل الحكومة السورية يقود الإعلام السوري في تجربة تبدو شبيهة بما تعتمده احتكارات اعلامية كبرى مثل "سي إن إن" عندما تلجأ الى المحللين السياسيين والكتاب البارزين لقيادة عملياتها الإعلامية وخاصة أن وزير الإعلام السوري الجديد يصرح أنه "من المؤمنين بالحرية والانفتاح" من المبنى الذي كان يعد بالنسبة لمراقبي المشهد الاعلامي السوري أنه معبد للحقيقة بمعنى أنه لا وجود للرأى المخالف.
ولفت فيسك إلى أنه من المؤشرات الجدية والواضحة على التحول فى آلية تفكير وإدارة الإعلام السوري الدعوة التى وجهها وزير الإعلام إلى المعارضة السورية بالقول: "أوجه دعوة مفتوحة إلى المعارضة السورية للظهور على الشاشة السورية" إذ أنه في المراحل السابقة كان هناك "فيتو" حول من يستطيع الظهور على الشاشة وقد ألغي هذا الفيتو وكان هناك بعض العقليات التى أصبحت معتادة على القواعد القديمة واستغرق دفعهم نحو مزيد من الانفتاح والحرية قليلاً من الوقت".
ولخص فيسك جوهر الحرب الإعلامية الدائرة في سورية مستندا لما يقوله الوزير الزعبي بشكل صريح "نحن لا نريد وسائل إعلام كاذبة والفرق بيننا وبين وسائل الإعلام الأجنبية أننا نقول الحقيقة لكن بطريقة فجة وغير متطورة وهم ماهرون فى تسويق أكاذيبهم بطريقة جميلة".
وختم فيسك بالقول إنه مع هذا الانفتاح الذي يشهده الإعلام السوري إلا أن هناك أدوارا لم يأخذها بعد إذ لا يمكن أن يقوم التلفزيون الحكومي بالتحقيق في الأعمال التي تقوم بها أجهزة الأمن أو التحقيق فى حجم الأضرار المباشرة الناجمة عن القوة النارية للجيش السوري.