العميد حمدان :من غير الدقيق إطلاق صفة الضبابية على الموقف الأميريكي تجاه ما يحدث في مصر
"العميد مصطفى حمدان". ينعكس الإسم في المخيلة صورة لعسكري جدي الملامح والسلوك. خلال لحظات اللقاء الأولى، تتخذ الصورة ملامح أكثر واقعية: رجل يبتلع أخبار الثورة المصرية بنهم، عسكري تمتلئ عيناه بصورة عبد الناصر المعلقة على إحدى جدران مكتبه، مواطن لبناني يزدحم رأسه بالكثير .
بعد التحية، وجه إلينا السؤال التالي: "هل ترون ما يجري؟ المصريون يثورون ..."
يجلس خلف مكتبه، يرتب فوضى أفكاره، يبتسم ثم يبدأ الإجابة عن أسئلتنا .
سمية: حتى الآن يتسم الموقف الأميريكي تجاه ما يحدث في مصر بالضبابية، كيف ترى أداء واشنطن بالنسبة لما يجري اليوم في مصر؟
العميد حمدان: من غير الدقيق إطلاق صفة الضبابية على الموقف الأميريكي تجاه ما يحدث في مصر. أنا أستغرب استهجان البعض للموقف الأميريكي ووصفه بالضبابي، نحن نعلم جيداً تجربة الأميريكيين مع الشاه ومع كل الأنظمة المتواطئة، وحسني مبارك لا يخرج من هذه المنظومة. من هنا أستطيع القول بأن الموقف الأميريكي ليس موقفاً ضبابياً، فالإدارة الأميريكية تتصرف ببراغماتية وتضع خططاً مسبقة لمواجهة أي حدث طارئ. كل ما يهم واشنطن الآن هو حماية الأمن القومي الصهيوني والحفاظ على اتفاقية كامب دايفيد، وعلى التعاون العسكري الأميركي - الإسرائيلي مع القوات المسلحة المصرية. كل ما يهمهم الآن تماسك الجيش المصري حتى لا تخرج منه مجموعات ثورية تحسم الأمر لصالح القوى الشعبية. حسني مبارك لم يعد يهم الأميريكيين الذين يحاولون حالياً احتواء الحركة الشعبية من خلال إبراز بعض الأسماء وتلميعها كاسم محمد البرادعي، لكن هذه الملايين لا يمكن خداعها. الشعب المصري لم يمكّن السادات من البروز كبطل. هل ننسى خالد اسلامبولي الذي اغتال السادات؟ الشعب المصري لن يهدأ حتى تحقيق كامل أهدافه المتمثلة بإسقاط النظام المصري وإلغاء اتفاقية كامب دايفيد وإتفاقية التعاون الأميريكي الإسرائيلي مع الجيش المصري وإغلاق السفارة الإسرائيلية واحتلالها .
سمية: في ظل ما يحدث، أين يقف الجيش المصري؟
العميد حمدان: رغم كل محاولات نقل الجيش المصري، تقنياً، من حالة السلاح الشرقي الذي كان يستخدم خلال حقبة الإتحاد السوفياتي إلى السلاح الغربي، الأميريكي المصدر، ورغم كل محاولات تغيير الذهنية الوطنية والقومية للجيش المصري، لم تستطع واشنطن تغيير ذهنية الجيش وجعله يرى اسرائيل ككيان حليف.الجيش المصري، وهذا ما لا يعلمه الرأي العام، حتى الآن يلتزم مفهوم "العدو الإسرائيلي" في مدارس الأركان وقادة الكتائب وفي كل مدارس التعليم الأكاديمي العسكري. بالطبع هناك طبقة من القادة العسكريين تستفيد من النظام لجهة الإمتيازات، وتستفيد من الفساد والسرقات ومن طبيعة هذا النظام المتهالك والفاسد. لكن في الجهة الأخرى، هناك قيادات شريفة تؤمن بنهج وطني وقومي. ويظهر ذلك بوضوح عندما حاول حسني مبارك وضع الجيش في مواجهة مع الشعب، لكن القوى الوطنية المصرية التي تقود هذه الثورة المباركة استطاعت ضبط حركة الشارع كما استطاع الجيش المصري التلاحم مع الشعب، وقد برز ذلك واضحاً عندما صعد المتظاهرون على دبابات الجيش مرحبين. أتوقع أننا سنشاهد في القريب العاجل مجموعات ثورية داخل الجيش المصري تخرج لتعلن انتماءها للحالة الثورية القائمة حالياً .
سمية: برأيك إلى أين تتجه الأمور في مصر، وهل من سيناريو يحاكي مرحلة ما بعد سقوط النظام؟
العميد مصطفى حمدان: في الدول الكبرى، لا يمكن أن تضعي سيناريوهات لما يمكن أن يجري كما حدث في تونس أو في أي بلد صغير. في حالة الشعوب الكبيرة، لا يمكن أن تتوقعي ما سيحدث، ما يحصل هو نوع من الإبداع الثوري. بإمكان مصر صنع المفاجآت.لكن استناداً إلى معايير التاريخ المصري وانتفاضات الشعب المصري، من الممكن الحديث عن تحالف بين قوى وأحزاب المعارضة،ما ينقص المشهد المصري هو التلاحم بين الجيش والقوى الشعبية، مما يمكن الجيش من الإمساك بزمام الثورة بعد سقوط مبارك .
سمية: هل سيدفع ما يجري في مصر كيان العدو إلى شنّ حرب في المنطقة؟
العميد حمدان: يجب علينا الفصل بين ما يحدث في المنطقة وبين قدرة اسرائيل على شن حرب. إن قرار الحرب مرتبط بوضع الداخل الإسرائيلي وقدرة الجيش على الإنتصار في أي خطوة قد يقدم عليها. بناء على التحليل العسكري، فإن اسرائيل لن تشنّ حرب انتحارية، فاتخاذ قرار الحرب مبني على عدد من السيناريوهات. حالياً من المستبعد أن تشن اسرائيل حرباً بالرغم من تخوفها مما يجري في مصر، لذا ستكتفي حالياً بالعمل على الداخل المصري خصوصاً لجهة الحؤول دون ايقاف مفاعيل اتفاقية كامب ديفيد .
سمية: في لبنان، وفي سياق الإستشارات التي يقوم بها رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، كيف ترى شكل الحكومة المقبلة ودورها؟
العميد حمدان: على الصعيد اللبناني، فإن الخطوات التي اتبعت في الآونة الأخيرة هي خطوات مدروسة. يجب تقدير ما قامت به القوى الوطنية اللبنانية، خصوصاً في ما يتعلق بالتزامها العمل السياسي الدستوري المنظم. أنا لا أؤمن بما يقال أو يشاع إعلامياً حول تشكيل حكومة جامعة أو حكومة تكنوقراط، هناك فئة ظالمة كانت تسيطر على الحكومة لن تشارك في الحكومة القادمة، وفي حال عودتها نعتبر كقوى وطنية غير قادرين على قيادة دفة الحكم. هذه الحكومة برئاسة دولة الرئيس نجب ميقاتي ستقوم بتحصين الساحة اللبنانية عبر إسقاط المحكمة الأجنبية (المحكمة الدولية الخاصة بلبنان) وتداعياتها ومفاعيلها على الساحة اللبنانية وممارسة العمل الوطني وضرب المفسدين. كما أن البيان الوزاري الصادر عن هذه الحكومة هو الأهم في تاريخ لبنان، لأنه سيؤسس لمرحلة جديدة .
• العميد مصطفى حمدان هو القائد السابق للواء الحرس الجمهوري. مواليد بلدة شحيم، اقليم الخروب. عينه الرئيس العماد اميل لحود مرافقاً له بعد تسلمه قيادة الجيش عام 1990م ، ثم عينه قائداً للواء الحرس الجمهوري بعد انتخابه رئيساً عام 1998م .