موقف الجمعة بقلم نضال حمادة
في معرض حديثها عن التبدل المفاجئ الذي طرأ على المواقف الأميركية والأوروبية من ثورة الشعب المصري هذه الأيام تقول دبلوماسية أوروبية معنية بالأوضاع في دول العالم العربي إن الرئيس الأميركي باراك أوباما أبلغ الأوروبيين منذ ثلاثة أيام بأنه من غير المسموح أن تتكرر تجربة سقوط الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي في مصر.
وتضيف الدبلوماسية الأوروبية أن خيارين تنازعا الموقف الأميركي من انتفاضة الشعب المصري.
الخيار الأول والأكثر عقلانية طرحه وزير الدفاع الأميركي "روبرت غيتس" الذي يعتبر أن الأولوية هي في الحفاظ على ما يمكن من النظام المصري مع ضرورة التخلي عن الرئيس حسني مبارك وتسليم جماعة أميركا رئاسة الجمهورية مع إعطاء رئاسة الوزراء للشارع كما حصل في تونس.
وخيار ثاني طرحته إسرائيل ويقول بأن الأولوية الأساس هي دعم مبارك أو أي شخص يحافظ على المصالح الغربية والإسرائيلية أيا يكن هذا الشخص. وسرعان ما اتخذ هذا الخيار في البيت الأبيض الذي غير موقفه بناء على طلب وجهه إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومضمون الموقف الإسرائيلي الحفاظ على الرئيس حسني مبارك في سدة الرئاسة في مصر حاليا حتى يتسنى توفير البديل.
وتقول الدبلوماسية الأوروبية أن أوباما أخبر الأوروبيين بخياره هذا مساء يوم الاثنين 29 كانون الثاني الماضي. وتم إبلاغ القيادات الأوروبية أن أميركا تتواصل مباشرة مع قيادة الجيش المصري التي تتلقى دعما ماديا مباشرا من الولايات المتحدة، وذلك بهدف تحييد القوات المسلحة حاليا وضمان عدم تحركها لحسم الموضوع، كما جرى في تونس حيث أجبر الجيش التونسي الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي مغادرة البلاد، وذلك بناء على قرار اتخذه رشيد بن عمار قائد الجيش التونسي. وكان بن عمار تلقى دعما أميركيا وفرنسيا مباشرا في بقائه في منصبه بعد قرار بن علي عزله ورفضت قيادة الأركان في الجيش التونسي قرار بن علي وأبقت على رشيد بن عمار في منصبه بناء على تدخل فرنسي مباشر كما بات معلوما .
بناء على ما ذكر، يبدو أن الإدارة الأميركية اعتمدت سياسة عملية على الأرض مغايرة للتصريحات العلنية للمسؤولين الأميركيين، وبدا الدعم الغربي للرئيس المصري حسني مبارك غير محدود، وظهرت بشائر الدعم الغربي في الخطاب الثاني الذي أذاعه الرئيس المصري، وبدا فيه متشددا وغير مبال بالتظاهرات، بينما بدأت في الدول الغربية مضايقات أمنية على الناشطين الداعمين لثورة الشعب المصري. وتجلت هذه المواقف الغربية بوضوح في موقف الداخلية الفرنسية التي رفضت إعطاء تصريح بالتظاهر أمام المسلة المصرية في ساحة الكونكورد لجمعيات حقوقية وسياسية عربية وفرنسية. وقال المسوؤل في الداخلية الفرنسية للناشطين الذين سألوه عن سبب منع ترخيص للتظاهرة: "هذا قرار سياسي". وعندما توجه إليه ناشط يساري فرنسي بالسوآل: انتم الآن في خدمة مبارك؟ أجابه المسؤول:" إنها أوامر عليا".
من ناحية ثانية عملت الولايات المتحدة على تحريك جماعات معارضة لدول عربية على خلاف أميركا كما حصل مع جماعات سورية موالية للولايات المتحدة والمنضوية تحت إعلان دمشق، حيث رفضت هذه الجماعات إدانة الرئيس المصري حسني مبارك في البيان الختامي لاجتماعها الذي عقد الأسبوع الماضي في بروكسيل، وانبرى مسؤول الإعلان في الخارج ليقول إن "نظام مبارك موال لأميركا ونحن لا نريد إضعافه"، فيما لوحظ غياب هذه المجموعات السورية عن المظاهرات المؤيدة لثورة الشعب المصري والتي تشهدها باريس يوميا منذ اندلاع الثورة المصرية ضد نظام الرئيس حسني مبارك .
الآن وبعد انتهاء الأسبوع الأول على ثورة الشعب المصري وبعد اتضاح صعوبة إيقاف التظاهرات المنادية بسقوط نظام مبارك، أصبح الموقف الأميركي أكثر صعوبة وتعقيدا في تمرير السلطة لرجل النظام القوي والحليف الأمني لإسرائيل وأميركا عمر سليمان. ذلك أن دوائر القرار الأميركية والإسرائيلية لم تعد على يقين من قدرة سليمان على الإمساك بالشارع في حال رحل حسني مبارك، ويبدو أن أميركا قررت التدخل ميدانيا بشكل مباشر عبر إرسال مجموعة من أربعين خبيرا في الشؤون الأمنية وعمليات مكافحة حركات التمرد، لمساعدة النظام على إدارة المعركة تقنيا وإعلاميا، فيما اتصلت الخارجية الأميركية بقيادة حزب الوفد المعارض الذي زار نائب رئيسه واشنطن مطلع هذا الأسبوع، فيما حصل الاتصال مع الإخوان المسلمين في مصر عبر سفارتي أميركا في باريس وبروكسيل، وذلك للوقوف على رأي الأحزاب المصرية من التزامات النظام المصري الحالي الدولية في حال تنحي الرئيس حسني مبارك عن منصبه، لأن المصلحة الأميركية مع أي رئيس أو نظام عربي تبقى في موقفه من إسرائيل أولا وأخيرا .