08-11-2024 05:32 PM بتوقيت القدس المحتلة

أوباما يتخلى عن فلسطين مجدداً، ولكن هل سيستفيد؟

أوباما يتخلى عن فلسطين مجدداً، ولكن هل سيستفيد؟

في جميع الأحوال، كان القيّمون على حملة "رومني"، وكما هم الآن، واثقون من زعم أن "السيد أوباما رفض تحديد موقفه من القدس وإسرائيل".


كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله

 

بصفة الرئيس أوباما أستاذ قانون سابق، يسعني القول إنه يعرف بعض الأشياء حول القانون الدولي ودستور الولايات المتحدة الذي كان مادة يعلّمها في جامعة شيكاغو. ولكنه لطّخ سمعة نواياه الأكاديمية الحسنة بانتهاكه قوانين الحزب الديمقراطي وإضراره بحملته الإنتخابية يوم 12 أيار/ مايو 2012 إذ أصدر أمراً للحزب الديمقراطي بتغيير بندين رئيسيين متبنّيين بالإجماع بعد مناقشتهما في برنامج الحزب وهما يتعلّقان بالقدس.

والسبب الذي دعاني لتمضية الوقت في قراءة برنامج الحزب الديمقراطي للعام 2012 ذي الكلمات الـ 26561 والصفحات السبع والثلاثين، الذي يرشد كلّ مرشّح ديمقراطي لمجلسي الكونغرس وللرئاسة، بل ويرشد آلاف المرشحين عن الحزب الديمقراطي في جميع أرجاء الولايات المتحدة الأميركية، لم يكن إلا ضرباً من ضروب الحنين.

وقد قرأت النصّ بأكمله وأنا في نقطة الإسترخاء المفضّلة لديّ وهي على سطح المبنى الذي أسكنه في ضاحية بيروت الجنوبية، منطقة حزب الله الأمنية، وهو المبنى الذي أعادت إعماره مؤسسة "وعد" بعد أن دمّرته إسرائيل ودمّرت 251 مبنى غيره من المباني السكنية في خلال حرب الثلاثة وثلاثين يوماً في تمّوز/ يوليو 2006، محوّلة إياه جبلاً من الركام والأنقاض بفعل قنابل قد يصل وزنها إلى 500 كيلوغرام "أهدتها" طائرة (أم. كي. 83) أميركية للمبنى. وموقعي يطلّ على الجبل شرقاً وعلى البحر الأبيض المتوسط غرباً.
وفي سياق دراستي البرنامج، بين طيور البطّ والدجاج التي أربّيها على هذا السطح، لم أستطع إلا التفكير بتجربتي الخاصة بعد مرور أكثر من ربع قرن على تمثيلي لجنة ولاية "أوريغون" الوطنية الديمقراطية في عهد الرئيس "جيمي كارتر"، وكوني عضواً في برنامج اللجنة الوطنية الديمقراطية للعام 1980 وبالتزامن مع عملي في واشنطن على قضايا موظفي السيناتور "تيد كينيدي" عندما كان يحاول انتزاع ترشيح حزبنا من رئيسنا الحالي. ولكن لم يكن ذلك سهلاً على حملة "كينيدي"، وكما يذكر التاريخ فإن حملتنا قد تلاشت. وبشكل غير مختلف كثيراً عما حصل هذا الأسبوع، فإن قضيّة شرق أوسطية قد أثارت بعض الجدل حول الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ودعم الدعوة لدولة فلسطين في برنامج العام 1980.

فالقرار المتخذ في برنامج اللجنة الوطنية الديمقراطية هذا العام يتقاطع وبرامج العامين 2004 و 2008 اللذين يذكران أن "القدس عاصمة إسرائيل وستبقى عاصمة إسرائيل"، وكان هذا البرنامج بمثابة نتيجة عدّة أشهر من العمل الذي قامت به اللجنة المسؤولة عن البرنامج عبر تحليل الأوراق المستلمة، وتلقي العروض الشفهية، والمشاركة في جلسات النقاش والمناظرة في مختلف أرجاء البلاد. ولمصلحة الحزب، فقد عكس التخلص من اللغة القديمة القانون الدولي في كلّ من قرار الأمم المتحدة والقانون الدولي العرفي للأمم المتحدة بناءً على إجماع الأغلبية الساحقة لأكثر من 188 دولة عضو في الأمم المتحدة، مع بعض الإستثناءات التي من ضمنها إسرائيل. فالقضية المحورية كانت التأكيد على أن مسألة القدس، سواء كانت عاصمة لفلسطين، أو إسرائيل، أو كليهما، أو أصبحت مدوّلة، ستترك لآخر جولة من المفاوضات بين الفلسطينيين الأصليين ومحتلّيهم المستعمرين. إلا أنّ حذف تلك اللغة لم يعكس آراء أوباما الشخصية.

وعقب صدور تقارير تقول إن حملة أوباما كانت بصدد الترويج لإعلانات تسأل عن وجود الله وعن الدعم لإسرائيل في برنامج الديمقراطيين، فإن أوباما أمر لجنة البرنامج، بسرعة وتسرّع بحسب رأيي، بإعادة النظر بلغة البرنامجين. وفي الوقت نفسه، أبدت اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (أيباك)، وهي المجموعة الداعمة لإسرائيل الأكثر قوة في الولايات المتحدة، التي حثّت على تضمين الكلام المتعلق بمسألة القدس عاصمة لإسرائيل بدليل مكتوب في مسوّدة برنامج اللجنة، انزعاجها من تجاهل الحديث عن القدس.

وكما هو مطلوب في قوانين الحزب الديمقراطي، فإن تغيير الكلام يتطلّب المصادقة عليه بثلثي الأصوات بحسب دعوة رئيس لجنة البرنامج، عمدة ولاية "لوس أنجيلوس" "أنطونيو فيلارايغوزا". وقد صدر هذا القرار في الجلسة التوافقية في 5 أيلول/ سبتمبر 2012. ولكن التسجيلات الصوتية والتصويرية، ومنها تسجيلات شبكة "سي.سبان"، توضح أن الموفدين قد صوّتوا مناصفة، وبخجل من الحديث عن الثلثين، دعا "فيلارايغوزا" إلى تصويت ثان وثالث إلا أنهما جاءا بالنتائج نفسها. وفي كلّ مرّة كان يشتدّ التنافر بين "اللاءات" من الموفدين المجتمعين، إلا أن ذلك لم يكن يؤخذ بعين الإعتبار. وكان العمدة "فيلارايغوزا" قد انتهك قوانين الحزب مجدداً برفضه إقتراح التصويت بالمناداة بالإسم مكرّراً "نقاط النظام". وبعد ذلك أعلن إعلاناً كاذباً بأن ثلثي المجتمعين وافقوا على تغيير الكلام. ومشى على المنصّة فجأة مظهراً الكثير من عدم الإحترام لشجعان الحزب الذين دعموه بجهودهم ومهاراتهم التنظيمية. وكان المستغربون من "فيلارايغوزا" قد تحدّثوا عن شدّة رفض الحزب الديمقراطي لتزايد المعاداة للصهيونية والدعم للفلسطينيين بين الأعضاء العاديين في الحزب. والدعم المزعوم من قبل الحزبين للإحتلال الصهيوني لفلسطين آخذ بالإنحسار.
والحزب اليوم يواجه رؤية للتصويت بالتوافق الكامل على القضيّة أو تحدياً قضائيّاً إذا ما اختار المندوبون معارضة خيانة أوباما.

والسبب في إجماع أعضاء لجنة صياغة البرنامج لعام 2012 على تغيير اللهجة القديمة هو أن الموقف السابق كان مثيراً للضحك بحسب شهادة خبير أدلى بها في خلال جلسات صياغة البرنامج، إضافة إلى أنها لا تعكس سياسة الولايات المتحدة كما كرّر المتحدث باسم وزارة الخارجية "باتريك فنتريل" يوم 6 أيلول/ سبتمبر 2012، ولأن برنامج هذا العام قد عكس في الحدّ الأدنى القوة السياسية المتزايدة للأميركيين العرب والمسلمين الذين وكما رجال الأعمال الصغار، يعتبرون أنفسهم جمهوريين حتى الآن. إلا أنهم ينشطون أكثر ضمن الحزب الديمقراطي. فهؤلاء الناشطون الحزبيون الجدد يعلمون الكثير عن قضية فلسطين ويأخذون مسألة القدس على محمل الجدّ.

وفي جميع الأحوال، كان القيّمون على حملة "رومني"، وكما هم الآن، واثقون من زعم أن "السيد أوباما رفض تحديد موقفه من القدس وإسرائيل". وفي هذا السياق، تقول "آندريا سول" المتحدثة باسم "رومني" للإعلام إن "الوقت قد حان للرئيس أوباما لتحديد موقفه الواضح في قبول القدس عاصمة لإسرائيل أو عدمه".
ولكنّ أوباما قد أخطأ على الصعيد السياسي وأذلّ نفسه من دون الحاجة إلى ذلك، إلى حدّ ما، عبر خيانته في مدينة "شارلوت" الأميركية. فهو لم يجن شيئاً على صعيد الدعم الصهيوني لأن اللوبي أوضح لنيويورك من تلّ أبيب أنه لن يثق به على الصعيد الإسرائيلي بالتزامن مع زيادة الإلتفاف حول ثنائي "رومني ورايان".
وقد أضرّ المشهد الإجمالي أيضاً بالحزب الديمقراطي الذي يدافع عن حقوق الناخبين منذ العام 1960. وقد تحدّث "بيل كلينتون" عن هذا الإرث المهم في خطابه، مركّزاً على عدم احترام الجمهوريين لحقوق الناخبين بقوله: "إذا أردتم أن يصوّت جميع الناخبين الأميركيين، وكنتم لا تعتبرون من الصواب تغيير الإجراءات الإنتخابية فقط من أجل تقليل الناخبين الأصغر، والأفقر، والأقليات والمعوّقين، فعليكم دعم باراك أوباما".
ولا بدّ للمرء أن يتساءل عمّا كان يفكّر فيه المندوبون مباشرة بعد خضوعهم لتجربة عدم الإحترام لحقوق التصويت داخل حزبهم.

وفي هذا الصدد، كان "طوم هايدن" قد وصف في إحدى المرّات الفرق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأنه كالفرق بين الـ "كوكا كولا" والـ "بيبسي كولا". فالكلام حول فلسطين ينطبق على برنامجي الحزبين. ويشير "تقرير واشنطن حول شؤون الشرق الأوسط" إلى الفوارق إذا ما استطاع القارئ العثور عليها:
الجمهوري: الولايات المتحدة وإسرائيل "تتكلمان اللغة نفسها حول الحرية والعدالة"
الديمقراطي: الولايات المتحدة وإسرائيل "تتشاركان القيم نفسها"
الجمهوري: "أمن إسرائيل يصب في مصلحة الأمن الوطني الحيوي للولايات المتحدة"
الديمقراطي: "إسرائيل القوية والآمنة تشكّل حياةً للولايات المتحدة"
الجمهوري: "يؤكّد أن (إسرائيل) تحافظ على التفوق النوعي في مجال التكنولوجيا العسكرية"
الديمقراطي: "يؤكّد تفوّق إسرائيل النوعي"
الجمهوري: "يفكّر في دولتين ديمقراطيتين"
الديمقراطي: "يسعى إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين... الذي ينتج عنه دولتين لشعبين"
الجمهوري: "على الشعب الفلسطيني أن يدعم القادة الرافضين للإرهاب، ويحتضن المؤسسات والروح الديمقراطية، ويحترم حكم القانون"
الديمقراطي: على الفلسطينيين "أن يعترفوا بحقّ إسرائيل في الوجود، وأن يرفضوا العنف، وأن يتمسكوا بالإتفاقيات المعمول بها"
الجمهوري: "ندعو الحكومة المصرية الجديدة إلى الدفاع الكامل عن إتفاقية السلام مع إسرائيل"
الديمقراطي: سنستمرّ في دعم معاهدات السلام الإسرائيلية مع مصر والأردن"
الجمهوري: "ندعو الحكومات العربية في المنطقة إلى المساعدة في تطوير (هدف السلام)"
الديمقراطي: "الرئيس أوباما سيستمرّ في الضغط على الدول العربية لمدّ أيديها إلى إسرائيل"
الجمهوري: "ندعم حقّ إسرائيل في الوجود مع حدود آمنة، ونتصوّر دولتين ديمقراطيتين تعيشان بأمن وسلام، دولة إسرائيل وعاصمتها القدس، ودولة فلسطين"
الديمقراطي: "القدس عاصمة إسرائيل وستبقى عاصمة إسرائيل... لقد اتفق الحزبان على أن القدس هي موضوع المفاوضات النهائية. ويجب أن تبقى مدينةً غير مقسّمة ومتاحة لأصحاب جميع الأديان".

ولم يشر برنامج أي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى المستوطنات الإسرائيلية، ولا إلى العنف المتزايد الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية والمستوطنون، ولم يتطرّق إلى أي تفصيل صغير عن وجود أخطاء إسرائيلية.
وفي الوقت نفسه، أصدرت لجنة (أيباك) بياناً في 6 أيلول/ سبتمبر 2012 ورد فيه: "نرحّب بإعادة برنامج الحزب الديمقراطي إلى سابق عهده حول إعادة التأكيد على أن القدس هي عاصمة إسرائيل". وقد يخيّل إلى المرء أنّ أوباما ينتقم، فيما يضحك رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو".

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه


يمكنكم التواصل مع فرنكلين لامب على بريده الإلكتروني
fplamb@gmail.com