كان الأهم في تناول هذه الصحافة هو التساؤل الدائم عما إذا كانت الولايات المتحدة قد تسرّعت في دعم الربيع العربي، نظراً إلى نوعيّة الحركات الإسلامية بالتحديد ضدّ السفارات في كل مرة ينتهك فيها مقدس
لا تشي تعليقات الصحافة الغربية الأوروبية والأميركية على التظاهرات المناهضة لفيلم «براءة المسلمين» من ردود، بقدرة هذه الصحافة على الخروج من نمطية وتكرار في النظرة والتوجهات تجاه العالم الإسلامي. ربما كان الأهم في تناول هذه الصحافة هو التساؤل الدائم عما إذا كانت الولايات المتحدة قد تسرّعت في دعم الربيع العربي، نظراً إلى نوعيّة الحركات الإسلامية بالتحديد ضدّ السفارات في كل مرة ينتهك فيها مقدس، وبالأخص في هذه المرة ضد سفارات الولايات المتحدة، حيث انشغلت صحافتها بعد تتبع آثار المنتج والكشف عن هويته إلى توظيف ردات الفعل في السباق بين رومني واوباما إلى البيت الأبيض.
كتب حسن نصّور في جريدة السفير اللبنانية:
وذلك إن قمنا باستثناء «الإنترناشيونال هيرالد تربيون» التي اعترفت عبر الكاتب روس داوتهات بأنّ إدراك هذا المشهد العربي «يحتاج قبل كلّ شيء إلى معرفة عميقة بجذور الأزمة والاعتراف بأنّ الرغو الخطابي لن يوصل إلى نتيجة». وفي السياق نفسه، اعتبرت «الغارديان» البريطانية عبر الكاتب بنجامين باركر أن «مقتل السفير الأميركي في بنغازي، هو عارض من أعراض ذيول الربيع العربي»، إضافة إلى «تحميل واشنطن وحلفائها المسؤولية بسبب استعجالهم فرض الديموقراطية في بلدان ليست مستعدّة بعد لاستقبالها وإرسائها».
ويزداد التساؤل إلى مستوى القلق والخوف في صحيفة «لوفيغارو» حين يربط الكاتب جان ماري غينوا في السياق نفسه زيارة البابا إلى المنطقة، بالخوف على المسيحيين بعد الإفرازات الإسلامية للربيع العربي في منطقة تغلي بهذا الشكل. أما الصحف الألمانية فقد رأت بعضها بسذاجة ودونما تحليل عميق، أنّ فيلماً بهذا القدر من الرداءة التقنية لا يستوجب كل هذا التخريب والقتل. باستثناء صحيفة «دي تاجستسايتونغ» التي ربطت بين العنفية الراديكالية للإسلاميين على الساحة، ومحاولاتهم فرض أنفسهم في المشهد السياسي كقوة فاعلة في المستقبل بالأخص في ليبيا.
"الجزيرة" تتوانى عمداً :
من جهة أخرى بدت التغطيات الإعلامية لردات الفعل الغاضبة على الفيلم متفاوتة بين شاشة وأخرى. على سبيل المثال لم تفرد فضائية رئيسية كـ «الجزيرة» مساحة للحدث، مقارنة مع حجم الغضب الذي اجتاح الشارع. ما يطرح السؤال من جديد وبشكل ملحّ هذه المرة عن قدرة الإعلام الجماهيري التقليدي العربي، على الالتزام بالحدّ الأدنى من الشرط المهني. وفي السياق نفسه أحال الفيلم مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك - تويتر) مباشرة ودونما لبس، إلى نقاش السلوك الإسلاموي إعلامياً وسياسياً، خصوصاً في مصر، بموازاة التظاهرات أمام السفارة الأميركية في غير عاصمة عربية؛ دعوات للسلمية، إدانة التعرض للبعثات الدبلوماسية، اعتذارات وتبريرات رسمية ليست على قدر الخطاب الإخواني الكلاسيكي، تجاه عناوين دينية من مستوى شخصية الرسول. وانتقدت المواقع هذا التعامل الإسلاموي، الذي لم ينسحب على شارع إسلامي إخواني/ سلفي لم ينتفض حتى اليوم بالقدر المطلوب على انتهاك يومي للإنسان الفلسطيني (المسلم) على كثرة الأحاديث النبوية الصادرة عن الرسول (الذي ينتفضون لأجله) في هذا الشأن.
بدت البذاءة والسطحية التي قدّم فيها الفيلم غير بريئة. اعتذارات متبادلة بالجملة لا تشي بحجم المأزق الحقيقي في التعامل مع بلاد عربية إسلامية لا يراد لها بأي شكل الخروج من وضعها المتماهي إلى حد كبير مع الحقبة القروسطية... كما أنّ المحاولات لتلافي الردات غير المحسوبة لا تبدو من قبيل ما يعوّل عليه في ظروف كهذه، حيث يختزل المقدس كل الشاشة بمعانيه، ويكون المغزى القاتل في هذا الإطار من وراء الفيلم آخذاً في التراكم بعد كل انتهاك غير بريء لمشاعر أكثرية (المؤمنين). في الخلاصة الأعمق، فإن الفيلم الذي عُرض يمسّ شخصية تدخل بلا شك ضمن المقدّس في الراهن من الثقافة الدينية العربية الإسلامية.
ومن المعروف أنّ من يقف وراء الفيلم في الغرب قبل العرب، هي دوائر السياجات الدوغمائية بمحرماتها المختلفة التي كانت ولا زالت الفاعل المركزي في التأثير والتأثر على صعيد الشارع الذي يغلي برمّته. وبالتالي من غير الممكن الحديث عن هذا الفيلم «المشبوه»، بذاته قبل السؤال لا بل التعمّق في التساؤل عن مغزى سماح الإدارات الغربية لأوساط معروفة من منتجين ومموّلين في تزخيم الشرخ (الحضاري) بطريقة عمودية على قاعدة إسلام/ غرب (ولا نضع المسيحية بالمطلق في خانة الغرب)، بما يتضمّنه هذا التقسيم من تسطيح واختزال حقيقي، لمجتمعات وتراثات ثقافية شديدة التنوع والخصوصية.