الشيخ صاحب مشروع يقوم على "المحورية المحمدية"، ويصب في سياق "أن أي ايمان يكون ناقصا دون الإيمان بالرسول العظيم المعصوم، عبر معرفته حق المعرفة، وتنزيهه عما طاله من التشويه المتعمد أو الذي عن جهل" ..
لا يخرج كتاب 'الإيمان بمحمد' للمفكر السوداني الشيخ النيل عبد القادر أبو القرون، والصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر مؤخراً، عن مسار كتبه الأخرى، كما لا تخرج كتبه الأخرى عن مسار هذا الكتاب، إذ يمكن القول ان الشيخ صاحب مشروع يقوم على 'المحورية المحمدية'، ويصب في سياق 'أن أي ايمان يكون ناقصا دون الإيمان بالرسول العظيم المعصوم، عبر معرفته حق المعرفة، وتنزيهه عما طاله من التشويه المتعمد أو الذي عن جهل' ..
تبحث 'رسائل الشيخ النيل .. مراجعات في الفكر الإسلامي' الصادرة العام 2008، عددا من القضايا التي تلتصق بشكل شائك بالموروث، لكنها تسير معتصمة بالنظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وبارك' مثلا للكمال الإنساني، لا يدانيه أحد في العلم والشجاعة والحلم والكرم في خلقه وخلقه'. وبهدوء لا يخرج عن اطار المجادلة بالتي هي أحسن، يرفض صاحب الرسائل وينقض كثيرا مما جاء على لسان المفسرين فيما يتعلق بنبي الرحمة، معتقدا أن 'ليس للمفسرين من عصمة، و وقوع الزلات من المؤرخين والتحريف في التاريخ أمر لا يمكن انكاره ..فضلا عن تأثير الإرادة السياسية في الأنظمة على الثقافة '. وتدعو الرسائل إلى اعادة النظر بصورة جذرية في الصورة التي وصلتنا لنبينا المرسل، خاصة عن طريق النصوص النقلية التي يرى البعض فيها مصادر لا يأتيها الباطل، حتى وهي تسيء للنبي المعصوم، وتقدم بعض أصحابه عليه، وتخطئه وترجح صواب رأيهم على رأيه.
وتقدم 'الرسائل' قراءة مغايرة للفكر الإسلامي السائد فيما يتعلق بعدد من القضايا لعل أبرزها 'مفهوم الإسلام كدين لكل العالمين لا ينقض الرسالات الأخرى ولاينتقص منها، وأنه لا اكراه فيه..'. والشيخ النيل يقوم بإعادة النظر إلى الأحاديث. وفي الاتجاه ذاته يجري الشيخ النيل محاكمة لبعض عمليات التفسير للقرآن مؤكدا أن القرآن محفوظ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لكن التفاسير ليست معصومة عن الخطأ.
ومن أبرز ما يتناوله الشيخ بالنقد والهجوم تفسير سورة عبس، إذ يصر بعض المفسرين على أن النبي صلى الله عليه هو الذي 'عبس وتولى عندما جاءه الأعمى'، أما ما يراه الشيخ النيل، فهو أن كافرا جاء رسول الله، وجاء حينئذ رجل أعمى أيضا فانتبه الرسول إليه، فغضب الكافر وعبس وتولى. ويدافع الشيخ النيل عن هذا التفسير ويرى أنه التفسير الأسلم إذ أن الله سبحانه مدح نبيه مقسما بخلقه العظيم، وأنه لم تكن به فظاظة ولا غلظة، كما أن الله تعالى لم يخاطب نبيه صلى الله وبارك عليه وآله بقوله : عبست وتوليت بل الخطاب له صلى لله عليه وبارك وآله عن شخص آخر عبس وتولى لسوء خلقه. وجلب هذا التفسير للشيخ الكثير من المتاعب والحصار ووصل حد التكفير، لكنه في حقيقته يليق بالمقام المحمدي ويستوي مع الصفات الجميلة للرحمة المهداة، والحق كما يخاطب الشيخ النيل قارئه وربما من يقارعهم بالحجة: ابحث أنت عن هذا الذي عبس وتولى، ولتكن في جانب تنزيه الحبيب عن مثل هذا الخلق، الذي لا يليق إلا بكافر، أو منافق أو صاحب خلق سيىء على أقل تقدير، لا يستحق صاحبه أن يكون أسوة حسنة، فإنه نجاة لك من اتهام الرسول صلى الله وبارك عليه وآله، وأسلم لعقيدتك من أن تلطخها باعتقاد خلق ذميم كالعبوس في وجه المسكين، ولن ينجيك في الآخرة اعتذارك بهذا الحديث من الجحيم، إذا سئلت عن نسبة خلق ذميم، لصاحب الخلق العظيم بنص القرآن العظيم.
والكتاب يحوي مراجعات فكرية واشراقات تتعلق بموضوعات تبدو في عناوينها متباعدة، لكنه يبني فيما بينها علاقة منسوجة بنسيج الشق الثاني من الشهادة 'لا اله إلا الله محمدا رسول الله'، والتي هي أصل الإيمان والتوحيد، حيث أن هناك 'خطايا وأخطاء أرتكبت بحق صاحب الرسالة '، منها ما ورد في بعض كتب الحديث عن 'سحر النبي وأنه أثر على عقله حتى أنه كان يرى أنه يفعل الشيء ولا يفعله!'.. وتأتي بعض موضوعات الكتاب على شكل لطائف فكرية و روحية، ومنها 'الأرض'، فهي 'ليست جزءا مقتطعا من السماء كما يظن البعض، بل هي الأساس و المركز الذي انطلق منه الوجود، وتم فتق السماء منها في شكل دخان بعد أن 'كانتا رتقا'، ورفع السماء..والأرض هي مركز الكون، وإلا لما كان هذا الاهتمام الإلهي بجعل خليفته منها وفيها، ورسله وكتبه، و وضع الميزان للحياة الأخرى التي ستقام على هذه الأرض بعد اجراء التعديل عليها' يوم تبدل الأرض غير الأرض ' و 'أشرقت الأرض بنور ربها و وضع الكتاب وجيء بالنبيين..'..
ومن ذلك أيضا 'القمر .. منازل القمر'، حيث للقمر تأثير عجيب على كوكب الأرض وما يحويه، ومن العجيب أن النبات إذا زرع والقمر في زيادة النور، أسرع نموه واكتمل وأثمر، ولا يفلح الزرع في آخر الشهر العربي. وقد يصنف الإنسان من مرضى الدم في منتصف الشهر حيث تكون قوة الدم عنده في ذروتها، لكنه أمر عارض، ولذلك حبذ النبي المعلم صيام الأيام البيض من كل شهر، و جاء الحديث أن 'الحجامة إذا كانت في السابع عشر من الشهر ووافق ذلك اليوم الثلاثاء كانت شفاء '، وهو ما يدل على أن هناك من الأعمال ما يحبذ و ما لا يحبذ في أيام محددة..
وأيا يكن من شأن موضوعات هذا الكتاب وما تفتحه من نقاش وجدل، وأخذ ورد، وهو شأن جميع كتب الشيخ النيل وطروحاته الفكرية، إلا أن ما يميزها أنها تقوم على أن حب محمد صلى الله عليه وآله وهو الإيمان، وهو أفضل العبادات، وبه النجاة في الآخرة، والمدقق في معرفة ما بعث فيه محمد صلى الله عليه واله وسلم في الحديث النبوي'انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق'، يجد أن الشريعة هي الحد الأدنى لما بعث به، وهي التي جاء بها كل الرسل السابقين، وجاء محمد صلى الله عليه وآله مصدقا لها، و'مهيمنا بإتمامه صالح الأخلاق والتي هي الغاية من الرسالات'.
ما يكشف عنه الشيخ النيل أننا كأمة، مارسنا عن علم وجهل - جفاء بحق أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وآله، وهو جفاء بحق أنفسنا أيضا، إذ نقصيها عن اصلاح البال بمعرفة مقام النبي صلى الله عليه وآله وما جاء به، لأنه الغاية. و'الايمان بالرسول'، يكون 'بالرجوع إلى المعلم يلتمس العلم، لأنه رجوع إلى الحق والرجوع إلى الحق واجب'.
الكتاب استعرضته الدكتورة فاطمة الصمادي في جريدة القدس العربي، موقع المنار غير مسؤول عن النص هو يعبر عن رؤية صاحبه (مع بعض التعديل)