قررت "شارلي ايبدو" مجدداً الإساءة للرسول الأكرم (ص) بنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي،وذلك بعد مرور أسبوع على اندلاع موجة الاحتجاجات ضد الفيلم الأميركي المسيء للإسلام "براءة المسلمين"
في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2011، قامت المجلة الأسبوعية الساخرة "شارلي ايبدو" بنشر عدد خاص عنونته "شريعة ايبدو"، أعلنت فيه النبي محمد "رئيس تحريرها"، ما أثار موجة احتجاجات ادّت إلى إحراق مكاتبها وتعرض موقعها على الإنترنت الى القرصنة. في التاسع عشر من أيلول/سبتمبر عام 2012، قررت "شارلي ايبدو" مجدداً الإساءة للرسول الأكرم (ص) بنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي،وذلك بعد مرور أسبوع على اندلاع موجة الاحتجاجات ضد الفيلم الأميركي المسيء للإسلام "براءة المسلمين". أما السلطة الفرنسية، فلم ترَ في ما اقترفته المجلة الساخرة إهانة للديانة الإسلامية، بل وضعته في إطار حرية التعبير داعيةً من يشعر بالإساءة للجوء إلى القانون.
فرنسا: من شعر بالإساءة فليلجأ إلى القانون.. وحرية رسم الكاريكاتور محفوظة
ورداً على سؤال عن الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها مجلة شارلي ايبدو اليوم، قال رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك آيرولت "نحن في بلد حيث حرية التعبير محفوظة وحرية رسم الكاريكاتور ايضاً". وأضاف رئيس الوزراء الفرنسي "على كل فرد أن يمارس هذه الحرية ويحترمها". ولكن "اذا شعر اناس حقاً بأنه اسيء اليهم في قناعاتهم ويعتقدون فعلاً بحصول تجاوز للقانون، نحن في دولة قانون ودولة القانون هذه يجب أن تحترم، فبإمكانهم اللجوء الى المحاكم، لقد سبق وأن حصل هذا الأمر مع هذه المجلة".
وأكد آيرولت أنه "يعود الى القيمين على هذه الصحيفة أن يقرروا ما الذي ينبغي القيام به أو عدم القيام به". وأضاف آيرولت أنه "يفهم" أن البعض قد تكون "مشاعرهم جرحت، ولكن نحن في دولة علمانية، دولة جمهورية". من جهة ثانية، أعلن آيرولت اليوم أنه سيتمّ حظر تظاهرة دُعي إليها السبت المقبل في باريس احتجاجاً على الفيلم المسيء للإسلام. وقال آيرولت إن "من صدمهم نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد (ص) في مجلة فرنسية هزلية بإمكانهم اللجوء للقضاء".
وصرّح آيرولت لإذاعة ار تي ال أنه "تمّ تقديم تصريح عن تظاهرة، وهذا التصريح سيصدر بشأنه حظر"، موضحاً أنه "لا داعي لاستقدام نزاعات لا تعني فرنسا الى اراضينا". وأضاف رئيس الوزراء "نحن في جمهورية لا تقبل بتاتاً أي ترهيب من أي كان في ما يتعلق بقيمها". وتابع آيرولت "لن نتسامح مع أي تجاوزات"، مشيداً ب"روح المسؤولية والإعتدال الكبيرين التي يتحلى بها مسؤولو الديانة الفرنسية في فرنسا".
موقف مماثل جاء على لسان وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس، الذي أعلن اليوم أن حرية التعبير بما فيها رسم الكاريكاتور هي "حق أساسي يصونه القانون". وقال الوزير، إثر نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد (ص)، إن "حرية التعبير حق اساسي وحرية رسم الكاريكاتور جزءٌ من هذا الحق الأساسي". لكن فالس أضاف أنه "يتعين على كل شخص تحمل مسؤوليته، وكل عمل فردي وكل مقالة وكل رسم وكل تصريح يمكن أن يؤجج أو يتسبب في مواجهات".
ورفض الوزير الفرنسي، الذي استقبل مسؤولي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أي تعرض "لحرية التعبير وحرية الإعلام والرأي والكاريكاتور في إطار القانون"، موضحاً أن "المحاكم موجودة لنصرة الذين يعتبرون أنهم اهينوا". وخلص وزير الداخلية الى القول إن "كل تظاهرة تهدف الى الإخلال بالأمن العام وتأجيج المشاعر وبثّ البغضاء، لن تنال الترخيص وستمنع واعطيت تعليمات الى كل مديري الأمن لتطبيق هذه الموانع تطبيقاً تاماً".
المجلة الساخرة تعلن تعرض موقعها للقرصنة وتدعو الرئيس الفرنسي لحماية حرية الصحافة
هذا وتعذر الدخول الى موقع مجلة شارلي ايبدو، في حين امتلأت صفحتها على موقع فيسبوك بتعليقات ايجابية واخرى سلبية حول الرسوم التي نشرتها. وأعلن مدير مجلة شارلي ايبدو أن موقع المجلة الإلكتروني تعرض "لعملية قرصنة منعت الدخول اليه". ودعا الرسام ستيفان شاربونييه للصحافيين في مقرّ المجلة الأسبوعية رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرولت الى "دعم حرية الصحافة، والجمهورية بدلاً من التأثر بعصابة من المهرجين السخفاء الذين يتظاهرون أمام سفارة الولايات المتحدة".
وقال شارب "اذا كان علينا مراعاة السياق فإن السياق العالمي لن يسمح ابداً بالسخرية من الإسلام المتشدد أو من الديانات بصفة عامة واذا راعينا السياق لن نتكلم ابداً عن أي شيء وسيكون قد قضى على الصحافة الساخرة وانتهى الأمر". وأوضح شارب ايضاً أنه لم يتلق أي تهديد "حتى الآن"، قائلاً إنه "منذ عام ونحن في حماية الشرطة بعد الحريق الذي شبّ في مكاتبنا، واذا كان هذا هو الشرط للتعبير بحرية في فرنسا فإننا سنكون في حماية الشرطة كما تحمي الشرطة حرية الفرنسيين".
إغلاق السفارات والقنصليات والمدارس الفرنسية في أكثر من عشرين بلد
في سياق متصل، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية اليوم أن السفارات والقنصليات والمدارس الفرنسية ستغلق يوم الجمعة المقبل في حوالي 20 بلد كإجراء "احترازي"، اثر نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد في مجلة فرنسية. وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو إنه "ليس هناك أي خطر مؤكد على أي من المصالح الفرنسية في هذه الدول". وأضاف لاليو "نفضل استباق الأمور، وبعدها نعدل التدابير بحسب تطور الوضع"، موضحاً أنه تمّ اتخاذ تدابير ذات صفة عامة. وأعلنت السفارة الفرنسية في جاكرتا اليوم الإقفال المؤقت لكل المصالح الفرنسية في اندونيسيا.
وقال القائم بأعمال السفارة ستيفان بومغارت في بيان "من باب الحيطة وبناءً على تعليمات من باريس، ستقفل سفارتكم يوم الجمعة في 21 ايلول/سبتمبر وكل المراكز الفرنسية الأخرى في اندونيسيا، بما فيها المدارس يومي الخميس والجمعة". وأضاف بومغارت أن "نشر مجلة شارلي ايبدو رسوماً كاريكاتورية مهينة جداً للنبي محمد، قد يؤدي الى تظاهرات اخرى تستهدف بشكل خاص المؤسسات الفرنسية".
وقد اتخذ هذا القرار في وقت أعلن فيه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، في تصريح لإذاعة فرانس انفو، أن فرنسا اتخذت "احتياطات أمنية خاصة" لحماية سفاراتها. وقال فابيوس "أرسلت تعليمات لاتخاذ احتياطات أمنية خاصة في كل البلدان التي يمكن أن تحصل فيها مشاكل". ودعا موقع وزارة الخارجية الفرنسية على شبكة الانترنت المسافرين "الى أخذ اقصى درجات الحذر"، نظراً الى "الإضطرابات الراهنة" في العالم الإسلامي. وفي باكستان، تلقى الرعايا الفرنسيون رسائل نصية جاء فيها أن "تهديدات محددة توجهت
ضد الجالية الفرنسية والمصالح الفرنسية، على اثر نشر مجلة شارلي ايبدو رسوماً كاريكاتورية اليوم، ندعوكم الى اقصى درجات الحذر".
أما في تونس، فقد أعلنت السفارة الفرنسية في تونس أن المدارس الفرنسية في هذا البلد ستغلق ابوابها ابتداءً من اليوم وحتى الاثنين، كإجراء احترازي بعد نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد (ص) في فرنسا. وقال مسؤول في السفارة "إنه إجراء احترازي، لم نتلق أي تهديد مباشر". إلى ذلك، سيتمّ إغلاق المركز الثقافي الفرنسي في تونس ومقرّ القنصلية الفرنسية السابقة في صفاقس من يوم غد الخميس وحتى صباح الإثنين.
الفاتيكان: الصور المسيئة للرسول تصبّ الزيت على النار.. وشيخ الأزهر يدين الإساءة لرسول الإنسانية
كما اعتبرت صحيفة "اوسيرفاتوري رومانو" الصادرة عن الفاتيكان اليوم نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول (ص) في اسبوعية شارلي ايبدو، بأنها "تصب الزيت على النار". وكتبت صحيفة الفاتيكان "في الوقت الذي يتمّ فيه بذل جهود مضنية لتخفيف التوتر الذي يعيشه العالم الإسلامي بسبب فيلم براءة المسلمين، يخشى اليوم فتح جبهة احتجاج جديدة".
على الصعيد نفسه، أدان شيخ الأزهر أحمد الطيب اليوم نشر صور مسيئة للرسول (ص). وقال الشيخ الطيب في بيان "إن الأزهر يعبر عن كامل رفضه وكل المسلمين، لإصرار المجلة الفرنسية لنشر الكاريكاتورات المسيئة للإسلام ورسوله، رسول الإنسانية". وأضاف الطيب، في بيانه الذي بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، "تلك الأفعال التي تشعل الكراهية باسم الحرية مرفوضة تماماً، الحرية يجب أن تتوقف حينما تؤثر على حريات الآخرين".
كما استنكر مفتي الجمهورية علي جمعة الرسوم الفرنسية الساخرة، داعياً في الوقت نفسه الى "عدم الاستجابة الى هذه الاستفزازات". وقال المفتي في بيان له "إن مثل هذه الأفعال لا طائل من ورائها إلا تأجيج الكراهية بين الناس باسم حرية التعبير رغم بعدها التام عنها". ودعا جمعة مسلمي فرنسا الى "عدم الإستجابة لهذه الاستفزازات، وأن يعبروا عن غضبهم بطرق سلمية، وإتباع السبل السلمية والقانونية لمقاضاة هذه المجلة، ومن قاموا بنشر هذه الرسوم المسيئة".