08-11-2024 05:46 PM بتوقيت القدس المحتلة

طاولة الحوار الوطني اليوم

طاولة الحوار الوطني اليوم

تستعيد طاولة الحوار الوطني انعقادها اليوم في الجلسة الرابعة عشرة في غياب بعض أقطابها.

نقولا ناصيف - الأخبار

الحوار الوطني في لبنان تستعيد طاولة الحوار الوطني انعقادها اليوم في الجلسة الرابعة عشرة في غياب بعض أقطابها، لأسباب أمنية كالرئيس سعد الحريري، ويأساً من نتائجها كرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وبدافع السفر للصيد في رومانيا كالنائب سليمان فرنجية. وعلى غرار الجلسات السابقة، بلا أوهام في إحراز تقدّم في أعمالها، تقف قوى 8 و14 آذار على طرفي نقيض إحداهما من الأخرى. ومع أن جلسة اليوم مخصصة للاستماع إلى تصوّر رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن الاستراتيجيا الدفاعية ومصير سلاح حزب الله، حزم الطرفان المتناحران أمرهما سلفاً بالتحفظ عنه لمبرّرات تتصل بما يجري في سوريا أكثر منه ما يدور على طاولة الأفرقاء اللبنانيين.

لم يطلع أحد من هؤلاء على تصوّر رئيس الجمهورية الذي يحوطه بكتمان كبير، فلم يضع نسخة منه في يد أي من معاونيه، ويحرص على سريته كاملاً، رغم أنه أعدّه قبل شهرين. كان قد أرسل إشارات قليلة عنه في خطابيه، في الإفطار الرئاسي في قصر بعبدا وفي عيد الجيش في الكلية الحربية في آب المنصرم، ولمّح إلى وضع سلاح حزب الله بين يدي الجيش الذي يمسك بزمام الإمرة. وحتى مساء أمس لم يسع أحد من معاوني رئيس الجمهورية إلى تأكيد عرضه تصوّره بعدما كان مقرّراً تقديمه في جلسة 16 آب، ثم أرجأه بسبب غياب رئيس المجلس نبيه برّي عن تلك الجلسة، إلى 20 أيلول.

وفي ضوء مقاربة قوى 8 و14 آذار الاضطرابات في سوريا ورهنهما خياراتهما السياسية للمرحلة المقبلة بمصير نظام الرئيس بشّار الأسد، سواء بقي أو انهار، بات من الواضح أن فرص التجاوب مع تصوّر سليمان ضئيلة، إن لم يوحِ ذلك بأنه ربما كان قد تأخر سنة ونصف سنة عن موعده، قبل انفجار أحداث سوريا. لم يكن موقفا الفريقين من سلاح حزب الله بالحدّة والتناقض اللذين يطبعانه اليوم ويضعان مصير هذا السلاح، بالنسبة إلى كل منهما، في منزلة مصير نظام الأسد. يذهب بذهابه، أو يبقى ببقائه. بذلك تجلس سوريا إلى الطاولة معهما.
لم تعد قوى 14 آذار تقبل بأدنى من تجريد حزب الله من سلاحه الآيل في رأيها إلى التحوّل خردة بسقوط الأسد، بينما تنظر قوى 8 آذار وأخصّها حزب الله إلى هذا السلاح كوسيلة للدفاع عن النفس والموقع بسبب ما تسمع من تهديدات بقلب توازن القوى الداخلي في الحكم وخارجه.

كان قد ضاعف من قلق حزب الله على سلاحه، وقلق قوى 14 آذار أيضاً على دور هذا السلاح في حال فشل محاولة إسقاط النظام السوري، تأكيد الحزب أنه لا يقبل إلا بإمرته عليه، وحدّد دور المقاومة وموقعها إلى جانب الجيش لا في صلبه. تستقل بسلاحها ومناوراتها وبإمرتها عليه كقوة رديفة. بيد أن هذا الموقف قلّل أهمية ما كان قد قاله نائب حزب الله محمد رعد، بعيد استئناف جلسات الحوار الوطني في حزيران الماضي، على مسمع أعضائه من أن حزبه يريد بحث موضوع السلاح وتوفير ضمانات للطرف الآخر لا تجعله جزءاً من موازين القوى الداخلية، ولا يريد بهذا السلاح التأثير فيها. مثّل هذا الموقف تقدّماً مهمّاً عن عبارة كان الحزب يكتفي باستخدامها دائماً، هي أنه لن يستخدم سلاحه في الداخل.
هكذا يقف فريقا الحوار الوطني على طرفي نقيض.

إلا أن وجهة نظر رئيس الجمهورية تختلف عنهما تماماً، وتتركّز على معطيات منها:
1 ـ يطرح سليمان تصوّره منطلقاً لمناقشة الاستراتيجيا الدفاعية، ولا يعدّه ورقة وحيدة للبحث، ولا يفرضها كذلك. يقارب دوره كرئيس للجمهورية وكرأس لطاولة الحوار على أنه لا يستطيع الاكتفاء بدور المتفرّج والمصغي إلى ما يطرحه الآخرون من دون اتخاذه مبادرة تساعد على تجاوز المأزق.
2 ـ أتت ورقة الرئيس في حصيلة أوراق تقدّم بها أفرقاء الحوار جميعهم، بمَن فيهم حزب الله، بعدما كان أمينه العام السيّد حسن نصر الله قد قدّم تصوّره لسلاح المقاومة في مرحلة الحوار الوطني عام 2006 قبل اندلاع حرب تموز. أتى تصوّر الرئيس أيضاً بعدما اكتفى الأفرقاء المعنيون بأوراق لم تدفع في اتجاه التفاهم على صيغة مشتركة للاستراتيجيا الدفاعية، وقارب كل منهم ورقته تبعاً لموقفه وموقعه السياسي، دونما الأخذ في الاعتبار التوصّل إلى ورقة جامعة. بذلك يطرح سليمان تصوّره على أنه عصارة كل ما قيل قبلاً كي يكون في متناول المناقشة.
3 ـ يسعى رئيس الجمهورية بتصوّره هذا، وبلا مواقف مسبقة، إلى افتتاح مرحلة جديدة في الحوار الوطني تعزّز المناقشة، وتعيد طرح التصوّرات الأخرى من أجل بلورة مخرج. كانت ثمّة محاولة بذلك عام 2010 بتأليف لجنة تقنية من 12 عضواً ممثلين لأفرقاء الحوار التقوا في اجتماعين فقط تحت عنوان «كيف نتقدّم؟»، بعدما أبرَزَ زعماؤهم تصوّراتهم. وخلصت اللجنة من اجتماعيها إلى تعيين بعض القواسم المشتركة من غير أن تنتهي إلى تصوّر واحد بسبب وطأة التناقضات التي أحاطت بمواقفهم تلك وحالت دون توافقهم. ثم طارت جلسات الحوار في 4 تشرين الثاني 2010 بسبب الخلاف على ملف شهود الزور الذي آل، في ما بعد، إلى إطاحة جلسات مجلس الوزراء ثم حكومة الحريري في كانون الثاني 2011.
4 ـ في اعتقاد رئيس الجمهورية أن تصوّره يحدّد معالم تصرّف لبنان لحماية نفسه من أي اعتداء إسرائيلي، واسترجاع ما بقي من أراضيه التي تحتلها إسرائيل، وتحييده عن كل ما من شأنه إقحامه في نزاعات إقليمية ليس طرفاً فيها. وهو أيضاً فحوى «إعلان بعبدا» الذي انبثق من الجلسة الحادية عشرة في 11 حزيران بإجماع أفرقاء الطاولة.
5 ـ ليست الاستراتيجيا الدفاعية هي التي أعادت بعث الحوار الوطني في 11 حزيران بعد طول انقطاع، بل تدهور الوضع الأمني في طرابلس، فدعا سليمان أفرقاء الطاولة إليها، وقرن الدعوة باتصالات إقليمية أخصّها مع قطر والسعودية أفضت إلى حصوله على دعم مهم من الملك عبد الله، بتشجيعه الأطراف اللبنانيين على الالتحاق بطاولة الحوار مجدّداً كسبيل وحيد لإيجاد مخارج لأزماتهم، ودفع حلفاءه ــ وخصوصاً تيّار المستقبل ــ إلى العودة إليها بعدما قال الحريري من الخارج إنه لن يشارك، ثم شارك بالرئيس فؤاد السنيورة، فلحق به حلفاؤه المسيحيون.