وفي حديث مع «السفير»، قال درّاجي أنّ خيار الانتقال جاء بمحض إرادته، بعدما أمضى في العاصمة اللبنانية تسعة أشهر.
بعد أسابيع من الشائعات والأخذ والردّ حول مستقبل إدارة مكتب «الجزيرة» في بيروت، وصلنا الخبر اليقين أخيراً. عيّاش دراجي، الصحافي الجزائري الذي تسلّم إدارة المكتب خلفاً لغسان بن جدو، سيغادر مهامه الشهر القادم، بشكل نهائي. المراسل الذي بدأ عمله مع القناة القطريّة قبل 14 عاماً، سيعود إلى مكتب باريس الذي عمل فيه طويلاً. وسيتولّى هناك منصب مدير المكتب الذي بقي شاغراً منذ استقالة زياد طروش في أيار الماضي. وفي حديث مع «السفير»، قال درّاجي أنّ خيار الانتقال جاء بمحض إرادته، بعدما أمضى في العاصمة اللبنانية تسعة أشهر.
من سناء الخوري في جريدة السفير:
وعلمت «السفير» أنّ هذه الخطوة ستكون أشبه بترقية مبطّنة لدراجي، خصوصاً أنّ «الجزيرة» الأم تنوي توسيع المكتب الباريسي، ليصير مكتبها الإقليمي في أوروبا. عمل دراجي كمراسل في أكثر من 35 دولة طوال عقدين من المهنة، وغطّى الثورة المصرية من ميدان التحرير، وعرّج على غزّة، وساحل العاج، وكانت آخر تغطياته الميدانية في أعزاز. وينفي الرجل الأربعيني الآتي إلى الصحافة من الصيدلة، أن يكون وراء الانتقال أي سبب سياسي أو خلاف إداري. «عائلتي تقيم في العاصمة الفرنسيّة، ووددت الانتقال إلى باريس لأبقى قربها»، يقول في حديث مع «السفير».
لكنّ مغادرة دراجي لمكتب بيروت، فتحت باب التكهنات واسعاً، حول إمكانيّة تحوّل ما قيل قبل أسابيع إلى حقيقة، أي تسلّم الصحافي عباس ناصر مهام إدارة المكتب كما أشيع. وخلال الأيام الماضية، طرحت أسماء عديدة حول مرشحين آخرين لخلافة درّاجي، منها المراسل مازن ابراهيم الذي تولّى تغطية أحداث حلب أخيراً. درّاجي من جهته، ينفي علمه بهذه التكهنات، مشيراً إلى أنّ بعض التسريبات الإعلاميّة حول «الجزيرة»، تحتوي الكثير من «طقّ الحنك، كما تقولون في العامية اللبنانيّة»، يقول ضاحكاً. «أنا سعيت جاهداً لكي يعود عبّاس ناصر إلى مكتب بيروت، فهو صحافي كفوء وزميل مهنيّ محترم، ويتولّى حالياً عمله كمراسل متنقّل». ويؤكّد دراجي أنّ «الجزيرة» ليست «مملكة ومكتب بيروت ليس عرشاً»، لكي يتمّ الكلام بمنطق الخلف والسلف.
«الجزيرة» مؤسسة كبيرة، وليست مرتبطة بأشخاص، وحين يغادر أحدٌ مهامه، لا يعني أنّ عمل المؤسسة سيتأثّر. نحن كمكاتب، نعمل على تزويد القناة بمنتج إخباري أو بصري، وسيتواصل العمل بشكل طبيعي، بوجود مدير أو بغيابه».وتعتمد سياسة «الجزيرة» الإداريّة للمكاتب على هيكلة قوامها مديران. الأول مدير مكتب ويتولّى شؤون التحرير، والآخر مدير إقليمي، يكون مولجاً بتسيير الأمور اللوجستيّة. وهذه المهمّة يتولّاها محمد أرناؤوط في مكاتب بيروت، ودمشق، وباكستان، وأفغانستان، وإيران. مقرّ أرناؤوط المركزي هو العاصمة اللبنانيّة، وسيكون مولجاً إذاً تسيير الأعمال بانتظار تعيين مدير تحرير جديد. رغم الطابع الشخصي والمهني البحت الذي يضفيه درّاجي على انتقاله من بيروت إلى باريس، لكنّ أسئلة سياسية كثيرة تحوم حول توقيت هذا الاختيار، خصوصاً بعد التغييرات الكبيرة التي عرفتها القناة القطرية في السنة الماضية. فأداء القناة السياسي، وانحيازها الواضح لأحد طرفي الصراع في الشام، كلّفها استقالة مجموعة كبيرة من مراسليها والعاملين فيها، إضافةً إلى اتهامات متواصلة لها بالفبكرة والتحريض. هذا ما يرفضه درّاجي تماماً، مصراً على أنّ «الجزيرة» ليست هي من يخترع الحدث.
ويسأل: «عوضاً عن اتهام الجزيرة بارتكاب جرائم وأخطاء مهنيّة، يجب أن يحاسب من يرتكب الجرائم في الأساس. نحن ننقل الصورة كما هي، ومن الطبيعي أن ينزعج البعض من الحقيقة». يقول عاملون في مكتب «الجزيرة» البيروتي، أنّ درّاجي، عمل خلال فترة إدارته للمكتب، على إرساء نمط من التعاطي المهني، لناحية تنظيم المهام اليومية بين المراسلين بشكل صارم ودقيق، ووضع حدّ لبعض الخلافات والنزاعات المهنيّة والمنافسات بين العاملين في المكتب. ويرجّح بعضهم أن يكون عباس ناصر هو الأوفر حظاً في خلافته، على اعتبار أنّه مطلع بشكل كافٍ على دهاليز السياسة اللبنانيّة. في حين يرى آخرون، أنّ حظوظ مازن ابراهيم كبيرة أيضاً. لكنّ هذه التحليلات لا تعدو كونها تكهنَّات، خصوصاً أنّ ناصر أكّد مراراً أنّه ليس مرشحاً للمنصب، وأنّه سيعمل كبير المراسلين. لكنّ المرجح أنّ صحافياً لبنانياً سيكون هو الأوفر حظّاً للجلوس على كرسي المكتب ذي الواقع الشائك، في مدينة شائكة، وعلى مقربة من الحدث السوري الذي لم يوفّر بامتداداته الساحة المحليّة.