انعقدت أمس المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لاهاي في جلسة تمهيدية طرح خلالها فريق الدفاع عن المتهمين بعض هواجسه،
عمر نشابة
انعقدت أمس المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لاهاي في جلسة تمهيدية طرح خلالها فريق الدفاع عن المتهمين بعض هواجسه، متّهماً الحكومة اللبنانية بعدم التعاون والادعاء بتأخير تسليم كامل ملفّ المواد المؤيدة للاتهام.
بدت الجلسة العلنية التي دعا قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى انعقادها أمس في مقرّ المحكمة في لاهاي، وكأنها مخصصة لعرض شكاوى محامي الدفاع من عدم تعاون السلطات اللبنانية ومكتب المدعي العام الدولي مع طلباتهم. فالمحامون انطوان قرقماز وجون جونز (دفاعاً عن مصطفى بدر الدين) ويوجين اوسوليفان واميل عون (دفاعاً عن سليم عياش) وفينسان كورسيل لابروس وياسر حسن (دفاعاً عن حسين عنيسي) ودايفد يونغ وغينايل ميترو (دفاعاً عن أسد صبرا) يواجهون عقبات تعترض تحضيرهم لدحض الاتهامات التي وجّهها المدعي العام السابق بحقّ الرجال الأربعة في حزيران 2011. ومن بين تلك العقبات عدم تعاون السلطات اللبنانية مع طلبات تقدّم بها يونغ وميترو من وزارتي الاتصالات والعدل. أما مكتب المدعي العام نورمان فاريل فيتهمه الدفاع بإخفاء بعض من ملفّ المواد التي استند إليها لإصدار قرار الاتهام، مانعاً المحامين من درسها والتشكيك في صحتها. وهو يسعى على ما يبدو إلى تأخير تسليمها الى ابعد حدّ بعد أن قرّر القاضي دانيال فرانسين بدء المحاكمة في آذار 2013، إذ إن ذلك سيحرم الدفاع الوقت الكافي للتدقيق في كلّ ما استُند إليه لاصدار قرار الاتهام.
وزارتان لا تتعاونان
استجابت الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ انطلاق التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 لطلبات لجنة التحقيق الدولية ومكتب المدعي العام في المحكمة الدولية. واستمرّ التعاون حتى بعد صدور القرار الاتهامي في 2011، وأسهم فيه وزراء غير محسوبين على فريق 14 آذار. أما اليوم، وفيما يستعدّ المحامون الثمانية لردّ الاتهامات التي وجّهها دانيال بلمار إلى أربعة أشخاص منتسبين الى حزب الله، تمتنع وزارتان على رأسهما وزيران محسوبان على قوى 8 آذار، عن تسليم معلومات قد يستند الدفاع إليها لإثبات عدم شرعية انشاء المحكمة وبراءة المتهمين الأربعة.
ووجّه يونغ وميترو رسائل إلى رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء ووزير العدل في آذار 2012، طالبين منهم تسليمهما وثائق تتعلّق بالاتفاقية بين الامم المتحدة ولبنان، التي أنشئت المحكمة الدولية على أساسها (أقرّ مجلس الامن هذه الاتفاقية بموجب القرار 1757). وطلب المحاميان من المسؤولين اللبنانيين معلومات عن أسد صبرا واذا كانت هناك اي تأكيدات بأنه ما زال على قيد الحياة. وفي رسالة بعث بها المحاميان في 12 آذار 2012 الى وزير العدل شكيب قرطباوي طلبا تزويدهما بمعلومات عن المفاوضات التي عقدت في بيروت بين مسؤولين من الامم المتحدة ومسؤولين في وزارة العدل بشأن صياغة المادتين الأولى والثانية من نظام المحكمة. لم تستجب الوزارة؛ لأن الطلبات بنظرها ينبغي أن تحال عليها عبر مكتب الدفاع. لكن بعدما احيلت اليها الطلبات بواسطة مكتب الدفاع في 22 آذار وفي 4 و19 نيسان 2012، أجابت وزارة العدل في 25 نيسان مدعية عدم وجود أي معلومات لديها بشأن طلبات الدفاع.
ووجّه المحاميان طلبات اضافية في 7 حزيران وفي 18 أيلول 2012 للحصول على معلومات عن لجنة التحقيق الدولية من وزارة العدل، لكن حتى اليوم لم يُستجَب لهذه الطلبات، بينما كانت استجابة وزارة العدل لطلبات ديتليف ميليس وسيرج براميرتس ودانيال بلمار فورية من 2006 حتى 2010.
ووجه المحاميان طلبات الى وزارة الاتصالات في 13 آب وفي 18 أيلول 2012 للحصول على معلومات عن شركتي الخلوي أم تي سي وألفا خلال الفترة الممتدة من 2003 الى 2005. اقرّت الوزارة تسلمها الطلبات في 20 أيلول الجاري، لكنها لم تستجب لها ولم تقدم حتى اليوم المعلومات المطلوبة.
مماطلة الادعاء
واتهم المحامون أمس مكتب المدعي العام بالمماطلة في تسليم الدفاع المستندات اللازمة لإعداد المرافعات في مخالفة لقواعد الإجراءات والإثبات الخاصة بالمحكمة الدولية. وطلبوا من فرانسين اصدار أمر يرغم الادعاء على تسليم الدفاع كامل ملف المواد المؤيدة لقرار الاتهام خلال مهلة أقصاها تشرين الثاني المقبل. ومن بين الوثائق التي ما زال الادعاء يحجبها عن الدفاع تقارير «الخبراء» الذين استعان بهم لتأكيد صحة تحليل شبكات الاتصالات الخلوية وتقارير أخرى يعتزم الادعاء عرضها أمام المحكمة. كذلك طلب الدفاع اعلامه بهويات الشهود الذين يستند الادعاء الى أقوالهم، وطلب كذلك اعلامه بكامل هويات الضحايا المشاركين في الاجراءات. ورغم عدم اعتراض الادعاء خلال جلسة أمس على تسليم الوثائق المطلوبة وتأكيده أنه سلّم الدفاع حتى الآن ما يقارب 76 الف صفحة من المواد المؤيدة لقرار الاتهام، لن يطمئن المحامون الا لأمر يصدر عن فرانسين بهذا الشأن يضمن تسلم الوثائق خلال المهل المحدّدة.
انتكاسات المحكمة
وفي شأن متّصل، أكد وزير العمل المحامي سليم جريصاتي أن «الدفاع حتى اليوم لا يملك اوراق الاتهام»، ورأى ان «المحكمة تعبت ولم تعد تلبي، ولذلك فتحوا ملف حزب الله في اميركا في موضوع المال ومصادر الارهاب»، مشيراً إلى ان «حزب الله غير معنيّ على الاطلاق بالمحكمة، وهو على حق بقدر ما هو معني ببراءة مقاوميه». وشرح الوزير والعضو السابق في المجلس الدستوري، ان المحكمة الدولية «شهدت الكثير من الانتكاسات، اولاها سرية التحقيق، وثانيتها تبدل المواقف تجاه التحقيق، وثالثتها وفاة كاسيزي، والانتكاسة الرابعة ذهاب بلمار الى بيته وقد أخذ معه عدة البوليس. أما الانتكاسة الخامسة لهذه المحكمة، فهي تماسك فريق الدفاع، إذ إن هناك اربعة فرق دفاع متماسكة متجانسة وأسماء أعضائها ساطعة في مجال القانون الجنائي الدولي، وهذا الفريق تحدّث عن دفعين شكليين: لا شرعية للمحكمة ولا شرعية للإجراءات الغيابية في معرض المحاكمات الجنائية».
وسأل وزير العمل: «لماذا استمررنا ست سنوات بالتحقيق ونريد الحكم بسنة؟ هل لأن هناك وتيرة سياسية متسارعة في المنطقة تريد ان تواكب. لماذا يريدون المحاكمات في 24 آذار بعد ان كانوا يتحدثون عن نهاية عام 2013؟ لماذا يريدون البت بسرعة؟ المسألة اللاشرعية، وهي مسألة في صميم القانون الجنائي الدولي، انكم تخلقون سابقة خطيرة، اي بلد يحصل فيه اغتيال اليوم، يستطيع ان يطالب بمحكمة جنائية دولية، هل يستطيعون ان يقولوا له لا تستطيع؟ عندها ندخل في المواقف الانتقائية، والعدالة الانتقائية ليست عدالة».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه