هذه الخطب المتفرقة تعيد "دار غراسيه" طبعها في مجلد، حيث يروي الكاتب كيف كتب "مائة عام من العزلة". هنا مقاطع من ذلك الخطاب في كتاب بعنوان "لست هنا لألقي خطاباً
إثنان وعشرون عاماً، بالتمام! إثنان وعشرون خطاباً، أولها في عام 1944 (لما يزل في الليسيه) والأخير في 2007 في قرطاجنة الهند، وقد بلغ الثمانين، عندما احتفل ملك إسبانيا والملكة بعيد ميلاده والسنوات الخمس والعشرين من نيله نوبل، والأربعين من صدور "مئة عام من العزلة". لا نستطيع القول إنه أكبر كاتب في أميركا اللاتينية، ورجل سياسة وفنان، كرّمه العالم كله. هذه الندرة في الكلام، زادت من أهمية كل خطاب، إما عندما كرّم زميله ألفارو موتيس، أو عندما يستحضر كوبا والسينما، أو يرسم بورتريه الكاتب الأرجنتيني خوليو كورتازار.
هذه الخطب المتفرقة تعيد "دار غراسيه" طبعها في مجلد، حيث يروي الكاتب كيف كتب "مائة عام من العزلة". هنا مقاطع من ذلك الخطاب في كتاب بعنوان "لست هنا لألقي خطاباً"، ترجمه من الإسبانية آني مورفان (عن دار غراسيه باريس).
في الثامنة والثلاثين، وبعد صدور أربعة كتب منذ سني العشرين، جلست أمام آلتي الكاتبة وكتبت "بعد ذلك بسنوات، وإزاء تنفيذ Gelaton كان على الكولونيل أورليانو بوانديا أن يتذكر بعد الظهر ذلك ـ البعيد ـ الذي أخذه والده ليعرفه بالمرأة". لم يكن لديّ أدنى فكرة ما كانت تعنيه تلك الجملة ولا من أين جاءت ولا الى أين ستقودني. ما أعرفه اليوم، أنني، وعلى امتداد 18 شهراً، لم أمض يوماً واحداً من دون الكتابة، حتى أنهيت الكتاب.
إسبرنزا أريزا، بيرا التي لا تُنسى، طابعة آلة الكتابة للشعراء والسينمائيين، طبعت أعمالاً كبيرة لكُتّاب مكسيكيين، من بينها "انشف منطقة" لكارلوس فوانتيس، و"بدرو باراما" لخوان رولغو، وعدداً من السيناريوات للمخرج لويس بونويل. عندما اقترحت عليها أن تطبع لي الصيغة النهائية، كانت روايتي مجرد مسودة مكتظة بالتشطيب، أولاً بالحبر الأسود ثم بالحبر الأحمر لتجنب الالتباس(...).
بعد سنوات اعترفت لي بيرا أنها بينما كانت تحمل الى بيتها الصيغة الأخيرة المنقحة والمصححة بيدي، انزلقت وهي تترجّل من الأوتوبيس تحت سيل غزير من المطر وتطايرت الأوراق وطافت في مستنقع الشارع. وبمساعدة بعض المارة، لمّتها، مبلّلة، وبالكاد غير مقروءة، فجففتها في منزلها، ورقة ورقة بمكواة.
ورواية كيف تمكنا من العيش، زوجتي مرسيدس وأنا ومع ولديّ الاثنين، أثناء كل هذا الوقت الذي لم أجنِ فيه أي قرش والذي يمكن أن يكون موضوع رواية، أفضل من هذه. أجهل كيف تصرفت (زوجتي) مرسيدس حتى يبقى الطعام متوفراً دائماً، وكل يوم. صمدنا في هذه التجربة من الاستدانة. في لحظة من هذه الصعوبات الكبيرة، كان على مرسيدس أن تستمد خططاً من Xcomete، وقالت للذي يؤجرنا البيت ومن دون أي ارتعاش في الصوت:
"ـ بعد ستة أشهر سنتمكن من أن ندفع لك كل شيء.
ـ عفواً مدام، أجابها المؤجر، تعنين أن مالاً كثيراً سيتوفر لكم؟
ـ أعرف! أجابت مرسيدس، لكن بعد ستة أشهر ستحل كل مشاكلنا، إطمئن".
(... أخيراً وفي بداية شهر آب عام 1966 ذهبت أنا ومرسيدس الى مكتب البريد المركزي في مكسيكو لإرسال الصيغة النهائية لـ"مئة عام من العزلة" في بوينس أيروس، رزمة تحتوي على 590 صفحة مطبوعة بالآلة الكاتبة، وعلى ورق عادي، مرسلة الى فرانشسو بورويا، المدير الأدبي لدار النشر "سودا أميريكا". وضع عامل البريد الرزمة في الميزان، وأجرى حسابه وقال: "82 بيزوس".
أحصت مرسيدس الأوراق والقطع النقدية التي بقيت في حقيبتها:
"ليس معنا سوى 53".
فتحنا الرزمة، قسمنا المحتوى الى نصفين متساويين وأرسلنا الى بوينس أيروس ومن دون أن تسألونا كيف كنا سنتدبر المال بعدها لإرسال القسم الثاني. لكن، لحظنا بعدها أننا لم نرسل الجزء الأول من الرواية، بل الثاني. وقبل أن نجد كيف سنرسله، دفع لنا باكوبوريا، رجلنا في دار النشر، سلفاً المبلغ، وقد تملكه القلق لقراءة الجزء الأول.
وهكذا ولدنا مرة ثانية في حياتنا الجديدة اليوم.