لبنان بالنسبة لنا ليس خيارنا، لبنان قدرنا، أنا عندما أقول أنا وإخواني وأخواتي هو بلد الآباء والأجداد والأولاد والأحفاد نعني هذا قولاً وفعلاً وروحاً وضميراً ووجداناً
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجبين وعلى جميع الانبياء والمرسلين.
الإخوة والأخوات
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته
بالرغم من أهمية وخطورة الأحداث التي تجري من حولنا، سواء ما جرى هذه الأيام في غزة، في فلسطين المحتلة أو في سورية أو ما يجري منذ مدة في البحرين واليمن وليبيا وغيرها، إلا أنني في هذه الليلة وفي هذا الحديث أجد نفسي معنيّاً بتركيز حديثي وكلامي حول القضايا المتعلقة بلبنان واللبنانيين، سواء داخل لبنان أو خارج لبنان، فيما بين أيدينا من ملفات ساخنة ومهمة وحساسة ولأن الوقت لا يتسع حتى لهذه الموضوعات سأحاول أن اختصر وأجمل هذه الموضوعات اللبنانية قدر الممكن.
كما هي العادة أنا أبوّب فهرس وأضع عناوين سأتحدث عنها واضحة ومحددة:
العنوان الأول الذي سأتحدث عنه عن تداعيات ويكيليكس والمشهد السياسي القائم وإلى أين نحن ذاهبون في الوضع السياسي العام.
العنوان الثاني سأتحدث عن موضوع ساحل العاج واهلنا واحباءنا في ساحل العاج وما يجري الآن
العنوان الثالث الموقف الأخير لرئيس حكومة تصريف الأعمال من إيران وموضوع سياسة المحاور.
العنوان الرابع التهديد بطرد لبنانيين من البحرين وما يقال عن طرد لبنانيين من بعض دول الخليج.
العنوان الخامس ساتطرق باختصار لموضوع سجن رومية.
وأخيرا سأتحدث عن موضوع تشكيل الحكومة ومستجدات تشكيل الحكومة اذا ساعدنا الوقت بالشكل وبالتأليف.
في العنوان الأول هناك جزء توضيحي وفيه معالجة لجانب من الموضوع وهناك جزء تقييمي وتحليلي، وأودّ أن أبني عليه رؤية، لأنه على ضوئه إلى أين كان يمشي هذا البلد، وإلى أين يتجه، وهذا الموضوع أكبر بكثير من هذه التفاصيل اللبنانية التي لها علاقة بالحكومة وبالسلطة أو بأي أمور آخرى.
تداعيات ويكيليكس والمشهد السياسي القائم
نبدأ بالعنوان الأول: نشرت جريدة الأخبار مجموعة من الوثائق الأمريكية التي حصلت عليها من موقع ويكيليكس والوثائق بعضها موقّع أو مرسل من قبل السفير فيلتمان وبعضها من قبل سيسون وبعضها من مسؤولين آخرين.
ما قرأناه حتى الآن من هذه الوثائق يمكن تصنيفه من زوايا متعددة، مثلاً يمكن تصنيفه على ضوء المضمون المكتوب.
هناك صنف هي محاضر لقاءات مع شخصيات سياسية، وهناك صنف عبارة عن استنتاجات السفير الأمريكي، ليس محضر لقاء، بل استنتاجه الشخصي ويكتبه عن لقاءات عقدها. صنف ثالث هو تقييم وانطباعات السفير عن شخصيات ومواقف هذه الشخصيات كما الذي قرأناه اليوم بتقييم السفير فيلتمان للرئيس سعد الحريري، وبموضوع التقييم والاستنتاجات ليس شرطاً أن يكون التقييم صحيحاً أو خطأ، فهو يمكن أن يكون صحيحاً أو خاطئاً والاستنتاج قد يكون صحيحاً أو خاطئاً.
وبالنسبة لمضمون اللقاء "قلت له وقال لي"، طالما لم يصدر نفي من قبل الشخصيات المعنية باللقاءات تبقى لهذه المحاضر قيمتها التي يمكن التوقف عندها،هذا تصنيف له علاقة بالمضمون، وهناك تصنيف آخر له علاقة بالشخصيات وبالقوى السياسية التي تناولتها الوثائق، أنا أصنّفهم صنفين لأننا سندخل إلى البحث:
الصنف الأول الذي كان عدده قليلاً جداً والذي تناول قيادات وشخصيات من قوى الثامن من آذار أو المعارضة السابقة. والصنف الثاني هو الذي تناول لقاءات أو استنتاجات أو تقييمات لها علاقة بشخصيات من قوى الرابع عشر من آذار.
سنقوم بإطلالة على الصنف الأول واطلالة على الصنف الثاني.
في الإطلالة على الصنف الأول حاول البعض استغلال ما نشر في الآونة الأخيرة، في الأيام الأخيرة لإيجاد شرخ في العلاقة بيننا وبين بعض أخواننا وحلفائنا خصوصاً في حركة أمل، وإلى حد ما مع التيار الوطني الحر بدرجة أقل، أو محاولة النيل من التحالف المستجد مع الاستاذ وليد جنبلاط.
وذلك تارة بلحاظ توظيف بعض مضمون ما نشر "ليكو شو قالوا" وماذا يتحدثون وتارة أخرى بالإدعاء أن ما نشر وينشر من قبل جريدة الاخبار هو بطلب من حزب الله او بموافقة حزب الله أو بالحد الأدنى بعلمه ورضاه.
نأتي للنناقش بالمضمون ثم نناقش بالحيثية الثانية.
أولاً بالمضمون: سأبدأ بموضوع حركة أمل والاخ دولة الرئيس نبيه بري:
يجب أن أؤكد أموراً ذكرتها أثناء حرب تموز عندما كان الطيران يقصف ويهدم مباني، وشهداء يسقطون، وبعد الحرب في مناسبات كثيرة، وأنا سأعيد التذكير بهذه الأمور، ولم يكن شيء مما قلت سابقا ولا اقوله الآن على سبيل المجاملة وإنما قول الحق والحقيقة منذ اليوم الأول للحرب إلى انتهاء الحرب وما بعد الرابع عشر من آب.
إذاً أود التلخيص: كان دولة الرئيس نبيه بري شريكاً كاملاً في قيادة هذه المعركة. نفس هذه العبارات أنا استخدمتها عام 2006. كنّا سويّاً نحمل نفس الأهداف ونفس الهموم ونفس الآلام والآمال، كنا ننسق يوميا كلاً من موقعه. أنا بكل صدق وللتاريخ أقول: لقد تحمل الأخ الرئيس نبيه بري أمانة دماء الشهداء وتضحيات وثبات المجاهدين ومعاناة المهجرين وعمل ليل نهار من موقعه وناضل وفاوض وجادل وخاطر من أجل حماية لبنان وحفظ المقاومة وتحقيق الانتصار.
لا أبالغ لو قلت: لولا جهود الرئيس نبيه بري وذكاؤه وحضوره وإخلاصه وسهره لا أعلم ما إذا كان يمكن أن تكون النتائج السياسية التي وصلنا إليها هي هذه. ربما كان المشهد مختلفاً.
لكن هناك شيء أود وأحب أن أوضحه، منذ اليوم الأول اتفقنا على توزيع المسؤولية بشكل أساسي: أنا كنت أتابع الميدان ولم أغب عن الموضوع السياسي، ودولة الرئيس كان يتابع المفاوضات والموضوع السياسي وهو كان بصورة الميدان ولم يغب عنه سواء بالتواصل معنا أو بالتواصل مع قيادات وكوادر حركة أمل الذين كانوا موجودين أيضاً في الميدان، لكن منذ اليوم الأول دولة الرئيس قال شيئاً: "أنظروا.. كيف أفاوض، كيف أناور، ما هي الأدبيات التي استخدمها، ما هي الحجج، كيف سأقنع الأمريكي وغير الأمريكي، هذه مسؤوليتي، هذا اتركوه لي". ونحن سلّمنا بهذا الأمر وهو أكثر من مرة سمع مني أننا مسلّمون له بالأستذة في هذا الموضوع.
لست بحاجة لأذكر أمثلة قد لا يكون مناسباً (عرضها)، أو هو لا يرضى (بعرضها). عندما نسقنا كيف طرح موضوع الجيش في البدايات أو نسقنا موضوع مزارع شبعا كان هدفنا حقيقة إذا استطعنا أن تنتهي الحرب على قاعدة استرجاع مزارع شبعا كنا نعتبر هذا انتصاراً كبيراً للبنان وللمقاومة طبعا بخلفية مختلفة عن خلفية الرابع عشر من آذار التي سآتي إليها لاحقاً.
بالتالي هذا الموضوع نحن كنا نشهده ليلاً نهاراً، ساعةً بساعة، دقيقةً بدقيقة. هذا لا يمكن لاستنتاجات فيلتمان أو الهمس واللمز من هنا أو هناك أن تنال من حقيقته ومن صدقيته ومن صحته. هذا شيء عشناه سويا بالليل والنهار وبالآلام وبالدمع وبالبسمة وبالأمل وبالمعاناة، وتعرفون كم أن تلك الأيام كانت أياماً صعبة.
لذلك عندما ينشر أو ينقل أو يقال أو يهمس، هذا لا يقدم ولا يؤخر ولا ينال شيئاً من قيمة هذا الجهد الكبير، عندما نعلم علم اليقين الدور التاريخي والحقيقي الذي لعبه الرئيس نبيه بري طوال الحرب، وفي الوقت نفسه نحن نعلم ماذا قام به آخرون بالعكس، وهذا ما تكشفه الوثائق، لكن نحن نعرف هذا بدون وثائق ومن دون ويكيليكس، هذا شيء نعرفه لأننا كنا طرفاً في النقاش في داخل الحكومة وفي خارج الحكومة.
كذلك إذا أردنا الحديث عن الإخوة والأخوات في حركة أمل برجالها ونسائها، فهي كانت أيضاً الشريك الكامل في الميدان وسقط الكثير من الشهداء، وسقط شهداء لقوى أخرى في المقاومة، كانت الشريك الكامل في الصمود وفي معاناة التهجير وفي السياسة والإعلام والموقف وكل الأعباء والتضحيات، ولم نرَ كل أيام الحرب وما بعدها من كوادر حركة أمل ومسؤوليها إلا كل التلاحم والأخوة والتعاون والإخلاص. ولولا هذا ـ إخواني وأخواتي وكل المشاهدين ـ لولا هذا لما أمكن تحقيق الانتصار ولا أمكن العبور من مرحلة ما بعد وقف الحرب والآلام والمعانة الكبيرة التي عانى منها سكان المناطق التي قصفت خلال الحرب.
الآن إذا نقل سفير الولايات المتحدة شيئاً عن نائب أو وزير أو مسؤول هذا لا يعبر حكماً عن موقف الحركة، لو فرضنا إن ما كتب صحيح أو دقيق، ويكفي أن ينفي صاحب العلاقة وفي أكثر من مناسبة أصحاب العلاقة نفوا وقالوا إن هذا ليس صحيحا أو ليس دقيقا أو لا لم نقل ذلك.
في مسألة العلاقة بين حزب الله وحركة أمل أود أن اختم بملاحظة لأكمل بقية الموضوع وهي التالية:
دائما كان هناك وما زال هناك رهان عند كل الذين يستهدفون المقاومة في لبنان وموقعها وقوتها ومجتمعها وحاضنتها الشعبية والسياسية، كان دائما لديهم رهان عندما يتحدثون عن ضرب المقاومة وعزل المقاومة وإضعاف المقاومة أن يعملوا على موضوع حزب الله وحركة أمل والتفرقة بينهما وهذا ظهر في وثائق ويكيليكس، عندما نأتي للصنف الثاني الذي له علاقة بالرابع عشر من آذار.
منذ العام 2005 يتحدثون بين بعضهم البعض ومع الأمريكي يجب أن نعمل على إبعاد الرئيس بري عن حزب الله ويجب العمل على فصل حركة أمل عن حزب الله. ضمن أي هدف؟ الآن سنأتي إليه.
أقول لكل هؤلاء عليهم أن ييأسوا من هذا الأمر لأن الثقة والتعاون والتكامل والأخوة التي تم تكريسها في الحد الأدنى على مدى عشرين عاما ـ نحن لا ننكر قبلها اختلفنا وتنازعنا وتقاتلنا ـ لكن خلال عشرين عام على الأقل وبالأخص في السنوات العشر الأخيرة، وبالأخص الأخص منذ عامي 2004 و2005 إلى اليوم، هذه العلاقة وهذه الثقة أصبحت أعمق وأقوى من أن ينال منها أحد إن شاء الله.
إضافة الى اننا ابناء إمام واحد ومدرسة واحدة وفكر واحد وإن كنا طبعا تنظيمين تتنوع آراؤنا حول التفاصيل والأساليب والوسائل والأدبيات والتكتيكات والبرامج لكن هذا هو مصدر غنى وليس نقطة ضعف إذا أحسنّا كيفية التعاون والتكامل وهذا هو الحال مع بقية القوى الوطنية التي يمكن أن تعمل للأهداف الوطنية نفسها.
هذا في الشق الذي له علاقة بالرئيس بري والإخوة في حركة أمل.
موضوع التيار الوطني الحر كما أشرت طبعاً كان الموضوع أخف كثير لأنه ما ذكر أنه تم نقل تقييم معين عن نائبين وهما بعدها نفيا هذا الموضوع وموقف العماد عون بزمن الحرب وبعد الحرب وإلى اليوم وقيادات التيار وكوادر التيار وقاعدة التيار أثناء الحرب وبعد الحرب أيضاً معروف وما ذكر عن السيدين النائبين اللذين نفيا ما ذكر عنهما فلا أعتقد أنه يمكن أن يؤثر بشكل أو بآخر على العلاقة بيننا.
يبقى موضوع الأستاذ وليد جنبلاط، وعلى كل حال الأستاذ وليد جنبلاط هو أصدر بياناً من اليوم الأول وقال "إنه على كل حال كانت مرحلة، أنا كنت في مكان ما في موقع ما واليوم أنا أعلن تحالفي ووقوفي إلى جانب المقاومة وأنهى النقاش، و"ما فيه داعي" وليس مضطراً للقول، هذا قلناه وهذا ما قلناه، وهذا صحيح وهذا خطأ وهذا كان وهذا ما كان" فتجاوز هذا النقاش نهائياً.
نعم يمكن لأحد ما أن يسأل وليد جنبلاط لماذا الإصرار من قبل جريدة "الأخبار" على نقل هذه الأمور التي لها صلة بك بالرغم من موقفك الجديد؟
هذا ينقلنا إلى الملاحظة الثانية والتي لها علاقة بكل ما تقدم والذي هو موضوع جريدة "الاخبار". البعض مثلما ذكرت في المقدمة بالبداية حاول أن يحمّلنا نحن المسؤولية، وليس فقط عن موضوع "ويكيليكس"، يعني هنا في موضوع أساسي أول مرة أتحدث فيه وآخر مرة ولست بحاجة للكلام عنه مرة ثانية، لكن للأسف الشديد هناك جو بالبلد منذ الأيام الأولى وكأن جريدة الأخبار تابعة لحزب الله وتلتزم بأوامر وتوجيهات وسياسات وطلبات وتمنيات حزب الله وما يكتب فيها بعلم حزب الله وبرضاه. هذا خطأ وغير صحيح وهذا ظلم، وأنا أدعو القيادات السياسية والقوى السياسية، وأنا اعرف ولا أريد أن أسمي وأعرف قيادات سياسية مهمة بالبلد كانت تقول إذا كتب مقال في الأخبار ان الحزب يهاجمه وماذا يريد الحزب منا ، والحزب ما هي علاقته بهذا الموضوع؟ انه يرسل لنا رسالة عبر جريدة الأخبار، لا، هذا غير صحيح.
أحب بشكل واضح ونهائي وقطعي أن أقول ما يلي: جريدة الأخبار ليست تابعة لحزب الله ولا خاضعة لإدارته ولا خاضعة لسياسته ولا بنهجه الفكري ولا تتلقى منه أوامر ولا حتى نصائح، وجريدة الأخبار مثل الكثير من وسائل الإعلام التي هي في خط المعارضة ونحن نتعاطف معها كونها في خط المعارضة ويمكن في بعض الأوقات أن ندلي بملاحظات ولا يسمعوننا، وهناك تلفزيونات هكذا وصحف كذلك الأمر، أصدقاء لنا وبالتالي نعم هذه في خط المعارضة (المعارضة السابقة، وبعد حتى تشكل الحكومة تصبح موالاة)، لكن لها إدارتها وسياستها ولها عقليتها الخاصة .
طيب، ممكن لأحد أن يقول هذا ادعاء؟ ولكن كيف يعقل اننا نحن يمكن أن نسمح أن يكتب في هذه الجريدة مقالات تمس بنا، بي أنا شخصيا في أكثر من وقت، بالحزب، بنواب الحزب، بوزراء الحزب وبحلفائنا. ومرة كتب مقال ضد حماس أصبحنا مضطرين أن ندافع عند حماس، ومرة كتب ضد الجهاد الإسلامي، وأحيانا يمس بإيران ويمس بسوريا وأحيانا بحلفاء آخرين، هل معقول أن جريدة تابعة لإدارتنا ولمسؤوليتنا ونقبل أن تنال منا أحياناً وأحياناً أخرى بالنسبة إلى المرجعيات الدينية وفي بعض المناسبات يصل الأذى إلى مستوى (يدفعني لأن) أبعث رسائل عتب شديدة ولكن أحيانا كثيرة كان لا يتم الإصغاء.
لذلك حتى لا أطيل كثيراً بهذا الموضوع، أنا أتمنى ما يكتب في جريدة الأخبار وغيرها من الجرائد (أن لانحمّل مسؤوليته). نحن حزب الله "على راس السطح" نتحمل ما تقوله إذاعة النور وتلفزيون المنار وصفحات الانترنت التابعة لنا وما يصدر