شاءت الأقدار أن ينقر نقرة غير مقصودة لتفاجئه صفحة «مرسي ميتر» (عداد مرسي)، وليتها ما طالعته وليته ما نقر. أخذ يقرأ المكتوب بينما حدقتا عينيه تتسعان وأنفاسه تتسارع «الوعود التي تحققت أربعة من 64 وعداً»
لم يصدق عينيه. هاله ما رأى، وكادت الصدمة تشل رأسماله، المتمثل في قدرته على الدق السريع على لوحة التحكم، والنقر المستمر على «لايك» و «أنلايك» و «كومنت» طيلة ساعات العمل وجانباً من ساعات الراحة. مهمته المتمثلة في الدق والنقر والتعليق تعرضت لهزة نفسية عميقة ورجة عقائدية شديدة. ويبدو أنه لفرط انغماسه الكامل في العمل طيلة الأشهر الثلاثة الماضية، فاتته متابعة الأخبار والأحداث والإنجازات والإخفاقات على أرض الواقع بعيداً من الحروب العنكبوتية المتبادلة بين فريقي إنجاح «الإخوان» وإفشالهم.
أمينة خيري كتبت في جريدة الحياة :
شاءت الأقدار أن ينقر نقرة غير مقصودة لتفاجئه صفحة «مرسي ميتر» (عداد مرسي)، وليتها ما طالعته وليته ما نقر. أخذ يقرأ المكتوب بينما حدقتا عينيه تتسعان وأنفاسه تتسارع. «95 يوماً مرت من مئة يوم» «الوعود الجاري تنفيذها 24 وعداً من أصل 64 وعداً». «نسبة رضا الناس عما تم تنفيذه حتى الآن 43 في المئة». تقبَّل كل ذلك بقدر كبير من الجلد والصبر، لكن حين وصل إلى «الوعود التي تحققت أربعة من 64 وعداً» كاد يلطم وينتحب لولا وجود زملائه من أعضاء الفريق المثبتين حوله أمام شاشات الدفاع العنكبوتية.
تذكَّر كيف كان من أوائل مَن هللوا وصفقوا وطبلوا وزمروا لفكرة العداد. وتواترت ذكريات الأمس القريب حين كتب معلقاً باعتباره القارئ «أحمد الليبرالي» لموقع «اليوم السابع» الذي نشر خبر مبادرة شبابية لتقويم أداء الرئيس عقب انتخابه بإطلاق «العداد». وقتها علق مشيداً وأسهب في الثناء وأطال في مدح التقويم الموضوعي والعد الإحصائي الذي لا تشوبه تشويهات الحاقدين أو تعكره طعنات الكارهين. وحين نشر موقع جريدة «الشروق» تقريراً عن العداد وكيف أن الشباب يبتكر سبلاً متفردة في محاسبة الحاكم، بادر إلى التعليق باعتباره «الدكتور حسين عبدالعال طبيب على المعاش» مشيداً بأفكار الشباب وداعياً لهم بدوام التوفيق. ووقت بث موقع «بي بي سي» العربي تحقيقاً عن العداد، شارك في النقاش الحي، باعتباره «فهد من السعودية» مشيداً بالإخوة المصريين وأدائهم الثوري المفتخر. وحين ناقشت «الجزيرة مباشر» الفكرة، انهال على شريط تعليقات المشاهدين الراكض أسفل الشاشة، تارة باعتباره «أم شيماء من كوم حمادة» التي تدعم الرئيس وتدعو له بعداد مئوي مبارك، وتارة باعتباره «الحاج أبو أحمد وعائلته في منفلوط» مشجعاً الرئيس قبل المئة يوم وبعدها وأثناءها.
حاول جاهداً أن يخرج من صدمته، فدق «ريفريش» ممنِّياً نفسه أن يكون العداد متعطلاً أو متوقفاً أو متمهلاً، فطالعته العبارة الصادمة نفسها «الوعود التي تحققت أربعة من 64 وعداً». ربما تكون الصفحة نفسها أصابها عطب ما. بادر إلى إعادة تشغيل الكومبيوتر، واستغل الثواني التي استغرقها الجهاز للعودة إلى العمل في الدعاء بأن يكون مانع تحقيق الوعود الـ64 خيراً، وأن تطالعه الصفحة بعد إعادة التشغيل برقم آخر غير الأربعة، وليكن 44 أو 40 أو حتى 14! لكن أتى العداد بما لا يشتهي المحارب العنكبوتي المسكين. طالعته العبارة المقيتة مجدداً «الوعود التي تحققت أربعة من أصل 64».
عرَّج سريعاً إلى إحدى صفحاته الكثيرة على «فايسبوك». حالة التنكيت والتبكيت الدائر حول برنامج «المئة يوم» الذي يقف -محلَّك سِرْ- صدمَتْه. فكَّر أن ينتهج منهجه الكلاسيكي فيدخل متهماً المنكتين بالليبرالية والكفر والإلحاد، أو يصف المبكتين بالعلمانية والزندقة والاحتقار. لكنه تراجع، لأنه كان أول من أشاد بالعداد على صفحته تلك.
خرج من حسابه هذا ودخل أحد حساباته الأخرى، ليفاجأ بسخرية من نوع آخر، ولكن هذه المرة حول استطلاع هلال «المئة يوم»، وذلك بعدما اختلف العلماء في شأن بدايتها، فبعضهم يؤكد أن انتخاب الرئيس مرسي هو البداية، في حين يجزم آخرون بأن التشكيل الوزاري هو نقطة الانطلاق، بينما أكد آخرون أن حركة المحافظين هي البداية العادلة.
احمرَّ غضباً، وانتفض رفضاً، وأخذ ينقر بكل ما أوتي من قوة، وكتب مستشهداً بالرئيس أن «المئة يوم هي مئة يوم نوعية»، واقتبس من وزير التنمية المحلية اللواء أحمد زكي عابدين منطقه المريح، من أن المئة يوم هي لوضع أسس حل المشاكل وليس لحل المشاكل، وناقلاً عن المتحدث باسم الرئاسة ياسر علي أن رضا المواطن هو مؤشر نجاح برنامج المئة يوم، ومذيِّلاً كلماته بنتيجة دراسة نشرتها «الأهرام» تشير إلى أن ثلاثة أرباع المصريين راضون كل الرضا.
مرة أخرى علا صوت العقل، ودق مفتاح الحذف على تعليقه الناري خوفاً من الوقوع في براثن الليبراليين المتبجحين أو العلمانيين العلميين الذين سيشهرون في بروفايله العداد الذي لا يكذب ولا يتجمل.
لجأ إلى «تويتر»، فربما ينجح عبر 140 حرفاً يكتبها بحنكة وذكاء في أن يتم تناقلها وتسري سريان نار العدل والحق في هشيم التغريدات المحاولة إفشال الرئيس والإساءة للجماعة. سجل أحد عناوينه الإلكترونية بكلمة السر الخاصة بها، لكنه فوجئ بـ «تغريدات» أعداء النجاح وجموع المتربصين. «مؤشر نجاح برنامج الـ100 يوم على مستوى الخدمات الصحية هو انحسار عدد مرات وفاة الرئيس المخلوع حسني مبارك منذ تولي الرئيس محمد مرسي»، «لمن يسألون أين التيار الشعبي؟ نسألهم: أين مشروع النهضة؟ أين برنامج المئة يوم؟». أما التغريدة الأخف وطأة، فجاءت من أحدهم مطالباً على الأقل بالإعلان عن «الميكينغ» (كواليس إعداد البرنامج) بديلاً من البرنامج نفسه.
بادر بإغلاق «تويتر» وعاد مسرعاً إلى «مرسي ميتر» متضرعاً إلى الله أن تكون قد عادت إليه الحياة، أو تحدث معجزة وتكون الوعود تحققت أثناء جهاده على «تويتر» و «فايسبوك»، لكن أحلامه ارتطمت بصخرة الوعود الأربعة التي تحققت. لم يجد سوى الموضوعية والحياد ليكون مجاهداً حقاً. قال لنفسه: «كل ما سأفعله هو قص ولصق للوعود، فالصدق طريق النجاة»، «ما تحقق: في محور الأمن- منح حوافز وترقيات ومكافآت لرجال الشرطة مرتبطة باستعادة الأمن في مناطق عملهم. في محور المرور- إزالة إشغالات الطريق. في محور الخبز- جاري التنفيذ. في محور النظافة- حملات توعية وخطب جمعة عن النظافة. في محور الوقود: تنفيذ عقوبات رادعة على مهربي الوقود».
وبسرعة دق إدخال، لكن الجهاز كان قد فاض به الكيل وأعلن عطباً فجائياً لم تفلح معه «إعادة تشغيل» أو «إعادة تنشيط».