29-11-2024 12:30 PM بتوقيت القدس المحتلة

بحث علمي يثبت رأفة العرب باليهود خلال الحرب العالمية الثانية

بحث علمي يثبت رأفة العرب باليهود خلال الحرب العالمية الثانية

كان لقاء عيساوي باليهودي الفرنسي الشهير سيرج كلارسفيد (محامي أبناء اليهود المبعدين عن فرنسا خلال الحرب) الذي أقرّ له بأن أمه حصلت بدورها على أوراق مزوّرة تثبت أنها عربية مسلمة لحمايتها من القتل

غلاف كتاب النجمة الصفراء والهلاللا نعثر على أي اسم عربي أو مسلم من فرنسا أو المغرب العربي حين نقرأ اللائحة التي وضعتها مؤسسة "ياد فاشيم" الصهيونية التي تعنى بإحصاء "الصالحين بين الأمم" -أي الأشخاص الذين أنقذوا يهوداً من يد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. أكثر من ذلك، لا تزال صورة العرب والمسلمين في الغرب خلال تلك المرحلة السوداء محصورةً في العلاقات التي ربطت هتلر بمفتي القدس آنذاك أمين الحسيني و"بفرقة الحماية" (SS) التي تألّف عديدها حصراً من المسلمين. ولتبديد هذا الجهل الفاضح بوقائع تلك المرحلة، وضع الصحفي الجزائري الفرنسي محمد عيساوي بحثاً مثيراً صدر حديثاً في كتاب عن دار نشر "غاليمار" الباريسية تحت عنوان "النجمة الصفراء والهلال".


وتجدر الإشارة بدايةً إلى أن هذا البحث تطلّب من عيساوي فترة عامين ونصف العام من الجهد الدؤوب قام خلالها بنبش وثائق وتتبّع آثار شهود وجمع شهادات خطّية وشفهية قبل خطّ كتابه الذي يُشكّل من دون شك مرجعاً فريداً بشأن هذا الموضوع ويتركّز خصوصاً على الدور الذي لعبه مسجد باريس وأئمّته في إنقاذ الكثير من اليهود من موتٍ محتّم على يد النازيين.


أكبر عملية إجلاء لليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانيةوفي هذا السياق كان لقاء عيساوي مع المخرج السينمائي الجزائري دري بركاني الذي أخرج الفيلم الوثائقي "مسجد باريس.. مقاومة منسية" الذي يُشكّل شهادةً دامغة على دور هذا المسجد وعميده آنذاك سي قدور بن غبريت في إنقاذ العديد من اليهود عبر إيوائهم في أماكن سرّية في المسجد وتسليمهم أوراقا مزوّرة تثبت اعتناقهم الديانة الإسلامية، وذلك بشهادة اليهودييْن ألبر أسولين والمغني الشهير سليم هيلالي.
وفي السياق ذاته كان لقاء عيساوي باليهودي الفرنسي الشهير سيرج كلارسفيد (محامي أبناء اليهود المبعدين عن فرنسا خلال الحرب) الذي أقرّ له بأن أمه حصلت بدورها على أوراق مزوّرة تثبت أنها عربية مسلمة، من دون أن يحدّد الجهة التي منحتها هذه الأوراق.

أرشيف وشهادات :
أما في قسم الأرشيف لوزارة الخارجية الفرنسية، فقد عثر عيساوي على مدوّنة رسمية وجّهها المدير السياسي لهذه الوزارة إلى الجنرال فيغان الذي كان يحتل آنذاك منصب وزير الدفاع في حكومة فيشي، ويقول فيها "سلطات الاحتلال تشتبه في موظّفي مسجد باريس بمنح أفراد من العرق اليهودي شهادات تثبت أنهم من الطائفة الإسلامية. لقد تم إنذار الإمام، بشكل تهديدي، بالامتناع عن أي ممارسة من هذا النوع".


ومن الشهادات المهمة الأخرى، التي نقرؤها في بحث عيساوي الشيّق عن شهامة عميد مسجد باريس، شهادة الفرنسي ميشال تارديو التي أكد فيها أن أمه اليهودية أورو بوغانيم التي كانت تعمل ممرضة في مستشفى بوبينيي أخبرته مراراً أن بن غبريت اتصل بها هاتفياً لإبلاغها بأن الألمان يدقّقون في أسماء موظفي المستشفى بحثاً عن اليهود ونصحها بالهروب فوراً.
وكذلك شهادة حمزة بن إدريس عثماني الذي وضع سيرة لبن غبريت أشار فيها إلى إنقاذ هذا الأخير عازفة بيانو يهودية تدعى جورجيت أستورغ عبر إيوائها في مسجد باريس خلال بضعة أيام ثم تسهيل عبورها إلى مدينة تولوز، وشهادة الفكاهي الفرنسي الشهير فيليب بوفار التي أكّد فيها دور بن غبريت الرئيسي في تحرير والده بالتبنّي، اليهودي جول لوزاتو، من قبضة الغيستابو.


هتلر أكثر من اضطهد اليهود بالاتفاق مع الحركة الصهيونية ولأن بن غبريت لم يكن الشخص الوحيد الناشط في هذه المسألة داخل مسجد باريس، يقدّم عيساوي شهادات على دور معاونَين له نشطا في تسليم أوراق مزوّرة ليهود فرنسيين من أصل مغاربي، وساعدا الكثيرين منهم على الفرار إلى دول المغرب العربي، كالإمام الجزائري محمد بنزواو ومواطنه الإمام عبد القادر مصلي الذي انخرط في المقاومة الفرنسية ونشط في مدينة بوردو قبل أن يتم توقيفه على يد عناصر الغيستابو وسجنه في معسكر "فور دو ها" ثم إبعاده إلى معسكر "موتاوسن" فمعسكر "داخاو".


ولا يقتصر بحث عيساوي على سلوك بن غبريت ومعاونيه النبيل تجاه اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، بل يتناول أيضاً سلوك شخصيات ومجموعات عربية وأمازيغية كثيرة نشطت في هذا الاتجاه آنذاك. ومن هؤلاء الجزائري علي زيتوني الذي اتهمته شرطة باريس بالانتماء إلى "كتيبة أفريقيا الشمالية" النازية وسجنته عام ١٩٤٤ قبل أن يتبيّن أنه أنقذ عدداً كبيراً من اليهود عبر منحهم أوراقاً تثبت أنهم مسلمون بحكم عمله في أحد أقسام الشرطة في باريس، بشهادة المحامييْن اليهوديين رونيه هايو وبيناجيلا عيّاش. هناك أيضا التونسي علي سكّات الذي أنقذ نحو ستين يهودياً تونسياً فرّوا من معسكر للعمل الإجباري، ومواطنه خالد عبد الوهاب الذي استقبل عائلتَين يهوديتين في معصرة الزيت التي كان يملكها، بشهادة المؤرّخ روبير ساتلوف