في الطريق الجديدة مقاتلون. لا لُبس في هويتهم السياسية. هم ينتمون إلى تيار المستقبل. لا يجادلون في ذلك. لكن كل ما عداه خاضع للنقاش. في الأزقة الداخلية استنفروا «دفاعاً عن منطقتنا». لكن ضد من؟
قاسم س. قاسم - الأخبار
في الطريق الجديدة مقاتلون. لا لُبس في هويتهم السياسية. هم ينتمون إلى تيار المستقبل. لا يجادلون في ذلك. لكن كل ما عداه خاضع للنقاش. في الأزقة الداخلية استنفروا «دفاعاً عن منطقتنا». لكن ضد من؟ «ضد اللي عم يقوّصوا علينا»، يقول أحد المسلحين. فالشباب مقتنعون بأن «ولاد الشياح» يطلقون النار عليهم. محاولة إقناعهم بأن أبناء الشياح يقولون الكلام نفسه عنهم ستكون بلا فائدة.
ينفي هؤلاء المقاتلون علاقتهم، وعلاقة تيار المستقبل، بما جرى ليل أول من أمس على «محور الكولا»، إذ انحصرت مهمتهم «في حماية المنطقة من أي هجوم محتمل قد يشنّه الطرف الآخر من محور بربور»، كما يقول أحدهم. أما المسؤولون عمّا جرى في تلك الليلة المشؤومة فهم «مجموعة ما عندها قلب»، كما يصفهم الشاب. يبدأ الأخير بالشرح. «الذين حاولوا اقتحام حيّ روما مجانين، قلبهم قوي، وهم من إسلاميي المنطقة». يضيف: «قررت المجموعة اقتحام الحي ووضعوا خطة عسكرية قبل ذلك». يقول «راقبنا ماذا يفعلون، ولم نتدخل في القتال معهم». لحظة الهجوم أطلقت سبع قذائف «آر بي جي» لتغطية المهاجمين الذين فاق عددهم عدد الذين هاجموا مركز شاكر البرجاوي. «أما الأسلحة التي استخدموها فنحن لا نملكها، ولا نعرف من أين أتوا بها» يقول.
وبعد تأمين الغطاء تقدمت المجموعة باتجاه جسر الكولا. اتخذوا من قواعد الجسر «دشماً» لحمايتهم. ردّ الطرف الآخر، بإطلاق «رشقات» نارية باتجاههم، كما أطلقوا قذيفة «آر بي جي» أصابت منزلاً في الطبقة الخامسة. أجبر الردّ المهاجمين على التراجع إلى الأزقة الداخلية للطريق الجديدة. قبل الاقتحام كان هناك نقاش عن فائدة ما سيقومون به. وبعد فشل الهجوم وقع خلاف بين مناصري التيار وأفراد المجموعة. السؤال الأول الذي طرح عليهم كان عن الفائدة من اقتحام الحي الواقع على الضفة الأخرى من الجسر؟ لماذا تريدون تجاوز خط أحمر لطالما كان موجوداً؟ هل دخلنا في مرحلة جديدة من التحركات العسكرية، إذ في السابق كنا نحمي منطقتنا فقط؟ هل أصبحنا الآن نحن من يبادر إلى الهجوم؟ معظم هذه الأسئلة لم يجبهم عنها أحد. فبالنسبة إلى تلك المجموعة، كان هدف الاقتحام «تطهير المنطقة من الشيعة»، معتبرين أنه في هذه الفترة لم يعد «مسموحاً أن نبقى ساكتين. فالطائفة تُستهدف، ويجب الدفاع عنها»، كما قيل للشباب. هذه الإجابات لم تقنعهم. يسأل أحد مقاتلي تيار المستقبل عن الفائدة التي كانوا سيجنونها لو تمت السيطرة على الحيّ، إذ لن يكون فيه سوى نساء وأطفال. أما المقاتلون فبالطبع سينسحبون من المكان. التصعيد الذي شهدته تلك الليلة و«تجرّؤ» الجيش على دخول المنطقة، كانا رسالة للمقاتلين كما يقولون. فهي المرة الأولى التي يدخل فيها الجيش إلى الطريق الجديدة. وهذا يعني أن «مسؤولي التيار ونوابه رفعوا الغطاء عنا» يقول أحدهم. رفع الغطاء السياسي عنهم زاد من منسوب الغضب لديهم، فصبّوا غضبهم على «المحور» الآخر، أي «محور قصقص»، إذ إن مسؤولي التيار قالوا إنه «لا نقاش حتى إسقاط الحكومة. ظننا أنهم يريدون إسقاطها في الشارع. نزلنا إلى الشارع، لكن نوابنا عادوا الى منازلهم، واعتبروا أننا زعران». هكذا، انتقل بعض أفراد تلك المجموعة الإسلامية المقاتلة الى بعض الأبنية المطلة على منطقة الشياح. أطلقوا نيرانهم باتجاه الأبنية. مقاتلو تيار المستقبل لم يكونوا على اطلاع على ما يجري، ولم يعرفوا هوية مطلقي النار. سمعوا فقط أصوات الرصاص من جهة قصقص. اعتقدوا أن «جماعة الحركة» تستهدفهم بسبب الهجوم على حي روما.
يروي أحد شبان المستقبل الذين كانوا هناك أن «خمسة أفراد من المجموعة الإسلامية حاولوا التقدم باتجاه الحرج، لكنّ الجيش كان هناك، فمنع تقدمهم وأطلق النار عليهم». تدخل الجيش منع المجموعة من التقدم واستعمال شجر الحرج والليل غطاءً لإطلاق النار على منطقة الشياح. حفلة الجنون المسائية «انتهت باتفاق بين الجيش والمسلحين على أن يتوقفوا عن إطلاق النار، بينما يمتنع الجيش عن إطلاق النار عليهم»، يقول أحد المقاتلين. بعد الاتفاق مع الجيش، عاد بعض المقاتلين الى منازلهم، بينما بقي آخرون «لحراسة المنطقة».
في الصباح اعتلى أحد القناصة سطح مبنى بالقرب من جامع الخاشقجي وبدأ بإطلاق النار في اتجاه الشياح. وبينما هو يطلق النار، تقدمت مجموعة مقاتلة باتجاه حرج قصقص، واتخذته ملاذاً لها. الجيش ردّ على القناص بطلقات عدة من عيار 12.7. أصابت الطلقات المكان الذي كان يحتمي فيه. أما في الحرج فاختبأت المجموعة بين الأشجار، إلى أن اقتحم عناصر من فوج التدخل الأول الحرج بالملالات. خلال هذه المعارك، وبعد مقتل الفلسطيني أحمد قويدر، ازدادت الشائعات التي تحدثت عن مشاركة فلسطينيين في المعركة. لكنّ أبناء مخيم شاتيلا والمسؤولين الأمنيين فيه نفوا مشاركة أبناء المخيم في القتال. وأكد مسؤول الجبهة الشعبية في المخيم أحمد دوالي أنه «لم يشارك أي فلسطيني من مخيم شاتيلا في القتال، ومن شاركوا هم من خارج المخيم، وينتمون إلى أحزاب لبنانية، والجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي هما المسؤولان عن إمساكهم». أما الجيش اللبناني، فقد سيّر آلياته في محيط الطريق الجديدة، بينما كان مقاتلو المنطقة في الأزقة الداخلية يخبّئون أسلحتهم خلف الكراسي التي جلسوا عليها، وكأن شيئاً لم يكن.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه