25-11-2024 02:29 AM بتوقيت القدس المحتلة

في الضاحية شعب أيّوب يتحلّى بصبره

في الضاحية شعب أيّوب يتحلّى بصبره

لو كان مسلّحو الطرقات يتوقعون رداً من حزب الله لما تجرأوا على النزول إلى الشارع أصلاً.. في المقابل، «شعب أيوب» سيتحلى بصبر أيوب، ولن ينجر إلى المعركة سيتركونهم يحاربون أنفسهم

المقاومة لم تُستفز.. قاتلوا طواحين الهواء
الأمن بالتراضي لم يعد يكفي

في منطقة الطيونة والشياح، تقرأ بوضوح تغيّر المحاور وقواعد حرب الشوارع الجديدة. ففي «بيروت مول»، اجتمع أهالي المنطقتين مع أهالي عين الرمانة حول فنجان قهوة. أهالي المناطق الثلاث «طفشوا» من بيوتهم إلى المول، منفذهم الوحيد في المنطقة، أو السجن الكبير الذين حوصروا فيه منذ مساء الجمعة. لا أحد منهم يصرف الأموال ويشتري، فما هي إلا لحظات حتى تبدأ المحال التجارية في «المول» بإقفال أبوابها، لتبقى المقاهي وحدها تعمل. لكنها كانت تعمل أمس بوتيرة أبطأ من يومي العطلة الأسبوعية، إذ إنّ أحداث قصقص، والرصاص الذي كان يسمع بوضوح في ساعات الليل، ثم في حوالى العاشرة صباحاً، أرخت بظلالها على المنطقة المحيطة بها.

كتبت زينب مرعي في جريدة الأخبار اللبنانية:

مسلحو المستقبل يهاجمون السرايا الحكومية يوم الحد يجلس على إحدى الطاولات علي ومايك وقاسم. ثلاثة رجال تخطّى كل منهم الخمسين من عمره. الثلاثة كجميع الجالسين إلى الطاولات التي تمرّ بجنبها، يتحدثون عما يجري في البلد وخطوات الجيش المتخذة والمنتظرة. علي ومايك وقاسم يقولون إنهم شاركوا في الحرب الأهلية في عام 1975 على محاور مختلفة، وهم اليوم يراقبون الأوضاع من الخندق ذاته. يوم أمس، لم يكن عادياً للثلاثة لأنهم تركوا عملهم باكراً بسبب الأوضاع وتوجهوا إلى المقهى. يتحدثون عن الصعوبات التي واجهتهم لإيصال أولادهم إلى جامعاتهم ومدارسهم وزحمة السير الخانقة في الطرق الفرعية. باصات المدارس، التي وجهتها الضاحية، حملت معظم طلابها في الصباح إلى المدارس، لكن لمى الصغيرة تخلّفت اليوم عن المدرسة بما أنّ مدرستها في وطى المصيطبة. الصغيرة لا تريد أن يمتدّ الغياب إلى الأيام المقبلة كي يتسنى لها أن تشارك في حصّة الرياضة.


 الصغار لا يريدون هذا الغياب القسري عن المدارس، ولا الكبار يريدون أن يغيبوا عن أعمالهم. «استوينا وقرفنا، دخيل الله» يقول أحد أصحاب محال الحلاقة في الشياح. الحركة كانت بطيئة في الشارع الذي لا يهدأ عادة. الناس يحاولون متابعة أعمالهم بصورة طبيعية، لكن ما العمل، والزبون ليس «طبيعياً» اليوم؟ حتى الظهيرة، كانت الحركة حذرة في المنطقة، لكنها ما لبثت أن تحسّنت بعض الشيء في فترة بعد الظهر.


المقاومة لم تُستفز.. قاتلوا طواحين الهواء :
مسلحو تيار المستقبل على طريق قصقص في بيروت هنا، لا أحد يريد الحرب. يعتمدون على الجيش، الذي تقع عليه مسؤولية حسم الأمور بسرعة ليعيد الأمان للناس برأيهم، ويثقون به. هم لن يتحرّكوا. كل هذه «الحركات» هي لجعلهم هم، جمهور المقاومة والمقاومة نفسها، يشمّرون عن سواعدهم والنزول إلى الميدان. لكنهم لم ولن يفعلوا ذلك. ويضيفون إنه لو كان مسلّحو الطرقات يتوقعون رداً من حزب الله لما تجرأوا على النزول إلى الشارع أصلاً. يقولون إنّ 14 آذار لم تتحمّل عملية «أيوب»، لذا «جنّ جنونهم». لكن في المقابل، «شعب أيوب» سيتحلى بصبر أيوب، ولن ينجرّ إلى المعركة. سيتركونهم يحاربون أنفسهم، كما يفعلون الآن وكما فعل دون كيشوت مع طواحين الهواء، فيما هم وحزبهم «صخر» كما يقولون. «أصلاً، حتى الآن من كانوا يقاتلون؟» يسأل علي. «أطلقوا النار في الهواء، قطعوا الطرقات وطلبوا هويات المارّة، ثم عندما لم ينجحوا في استفزاز الطرف الثاني، بدأوا يصوّبون على الجيش. من أين أتتهم الجرأة لطلب هويّات المارّة؟!». يضيف قاسم، ما زالوا يحمّلون المقاومة عبء 7 أيار، «لكنهم منذ ذاك التاريخ فعلوا أفظع ممّا عرفناه في ذاك النهار بكثير. فعلى الأقل، في 7 أيار لم يجرؤ مسلّحون على قطع الطرقات على المارّة وطلب هوياتهم».


الأمن بالتراضي لم يعد يكفي :
 مايك وعلي يجلسان إلى الطاولة ذاتها. كلّ منهما كان يطلب هوية المارّة في الحرب الأهلية ليعاقبه على أساسها. اليوم، يقولان إنهما لم يعلّما أولادهما هذا النهج. ويضيف مايك إنه يفضّل الموت اليوم على أن يسمح لأحد المسلّحين بالتدقيق في هويته. يتفق الثلاثة، مايك وعلي وقاسم، على أنّهم يجب أن يرفعوا دعوى شخصية على نديم قطيش. فالكلام الذي تفوّه به الرجل صدمهم جميعاً يقولون. «هل كان يظنّ أنّ هذه لحظة شهرته؟ أم ظنّ أنّه تشي غيفارا الجديد؟» يتساءل علي.


تابعون لتيار المستقبل يقطعون الطرق امام المارةالناس في الشياح ما عادوا يؤمنون بالأمن بالتراضي. فالتراضي لم يجلب لهم الأمن حتى الآن. يريدون من الجيش أن يضرب بيد من حديد، أياً كانت الجهة التي تعطّل حياتهم وأعمالهم. يريدون «هتلر» ليحررهم من هذه الطبقة الحاكمة كما يقولون، علّهم يجدون حينها بعض الأمن وبعض الليرات في جيوبهم. «أبو عماد»، السبعيني، فتح ورشته أمس لأنه يوم جميل يقول. «لم يكن يوماً، اليوم أو التاريخ هو السيئ، بل لطالما كنّا نحن السيئين». يضيف الرجل الذي يعبّر عن تعبه من البلد وأهله، «ما يحتاجه لبنان هو زلزال كبير يخفيه عن سطح الأرض لينشأ من بعدنا جيل نظيف».

  موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه