وسط انشغال الجميع بانفجار الأشرفية، كان مقاوم، في مكان آخر، يسقط شهيداً. لم ينتبه أحد لتضحية الرجل هناك على ضفاف وادي الحجير المزروع بالقنابل العنقودية، حمل محمد ابراهيم آلة جهاده يعمل في نزع القنابل
رحل محمد بصمت من دون أن يعلن نبأ استشهاده
4 ملايين قنبلة عنقودية إسرائيلية، أطلقت غالبيتها على لبنان في حرب تموز
وسط انشغال الجميع بانفجار الأشرفية، كان مقاوم، في مكان آخر، يسقط شهيداً. لم ينتبه أحد لتضحية الرجل، ولم تزفّه وسائل الإعلام، ولا حتى السياسيون. هناك على ضفاف وادي الحجير المزروع بالقنابل العنقودية، حمل محمد ابراهيم ( 27 سنة) آلة جهاده، كما كان يفعل كلّ صباح، وبدأ يعمل بجهد لنزع قنابل واضحة المصدر والهوية، خاطر بروحه وبمستقبل عائلته الجديدة، فهو عريس جديد، لم يمض 40 يوماً على زواجه واحتفال أبناء قريته دير سريان في قضاء مرجعيون بحفل زفافه.
كتب داني الأمين في جريدة الأخبار اللبنانية :
عند الثانية من بعد ظهر الجمعة، أي في وقت الانفجار، سمع الأهالي صوت انفجار صغير، ثم أصوات سيارات الإسعاف. لم يتأخروا ليدركوا أنّ أفراد فرقة «الماغ» النرويجية المتخصّصة بنزع الألغام، حملوا محمد إلى مستشفى ميس الجبل بعد إصابته بنزف حاد في بطنه وباقي أنحاء جسده. التاسعة مساءً، رحل محمد بصمت من دون أن يعلن نبأ استشهاده. وحدها بلدته المحرّرة حملته على راحتيها، ارتدى رفاقه الأسود وساروا إلى جبانة الشهداء التي لم ينعم ترابها بعطلة، كما لم ينعم شباب البلدة وأطفالهم باستراحة المحاربين الذين لم يغيروا وجهة العدو يوماً.
دير سريان التي شيّعت محمد صباح السبت، عانى أبناؤها المقيمون في بيروت من الوصول إليها بسبب الأوضاع الأمنية الأخيرة وإقفال الطريق المؤدي إلى الجنوب، ما حرم الكثيرين من المشاركة في وداع الشهيد. أَمّ الشيخ بندر المصلّين على جثمان محمد، فيما دعا النائب قاسم هاشم إلى إزالة الاحتلال المدفون في الأرض، مطالباً اللبنانيين بالتوحد حول خيار المقاومة في هذه الظروف الدقيقة والمصيرية من تاريخ الوطن والمنطقة، والمحافظة على معادلة توازن الرعب مع العدو الإسرائيلي التي أنتجتها، لكونها الكفيلة بردع أي اعتداء إسرائيلي على لبنان. ونوه هاشم بالدور الذي يقوم به الجيش في نزع القنابل العنقودية والتصدي للخروق العدوانية، وآخرها الخرقان الإسرائيليان في السدانة وبركة النقار.
يذكر أنّ 4 ملايين قنبلة عنقودية إسرائيلية، أطلقت غالبيتها على لبنان في حرب تموز، جعلت منه النموذج الأحدث لعشوائية هذه القنابل، التي تصنّف بأنها الأكثر فتكاً بحياة المدنيين، وعُدّ ذلك أحد محفزات «عملية أوسلو»، التي أفضت عام 2008 إلى «اتفاقية الذخائر العنقودية». وسلّم لبنان رئاسة الاجتماع الثالث للدول الأطراف في الاتفاقية إلى النرويج منتصف أيلول الماضي، بعدما كان قد تسلمها في أيلول من اللاوس. وارتفع عدد الدول التي انضمت خلال تلك الرئاسة من 62 إلى 77 دولة. وكانت الاتفاقية قد دخلت حيّز التنفيذ في الأول من آب 2010.
وقد أعلنت 7 دول عربية ترحيبها بها وهي: المغرب، موريتانيا، السودان، جزر القمر، البحرين، لبنان وقطر. ولم يوقّع من هذه الدول لاحقاً سوى موريتانيا وجزر القمر ولبنان، إضافة إلى تونس والعراق. وتضم قائمة الدول المصدقة دولاً منتجة ومستخدمة لها في السابق، على رأسها: فرنسا وألمانيا وبريطانيا والنرويج والغالبية العظمى من دول الاتحاد الأوروبي، وكعادتهما، بقيت الولايات المتحدة وإسرائيل خارج نطاق هذه الاتفاقية، التي جرى التفاوض بشأنها خارج مظلة الأمم المتحدة.