كتبت صحيفة السفير في عددها اليوم الخميس الصادر في بيروت "لا يمكن القول إن عوارض الإرباك والتخبط، التي ظهرت على سلوك «14 آذار» بعد اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، مستجدة".
كتبت صحيفة السفير في عددها اليوم الخميس الصادر في بيروت "لا يمكن القول إن عوارض الإرباك والتخبط، التي ظهرت على سلوك «14 آذار» بعد اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن، مستجدة".
ما حصل هو ان قوة العصف المتأتية عن انفجار الاشرفية أدت الى إبراز نقاط الضعف المزمنة، وتظهير صورتها بشكل أوضح من السابق، لاسيما ان هذا الفريق وجد نفسه، إثر جريمة الاغتيال، تحت عدسة الـ«زوم إن» التي تفضح عادة ما يُخفى في الاوقات العادية.وليس خافيا ان هناك فارقا كبيرا بين مشهد قوى «14 آذار» الذي استولده استشهاد الرئيس رفيق الحريري في شباط العام 2005، وبين الصورة التي ظهرت عليها في تشرين الاول 2012 غداة اغتيال الحسن.
صحيح ان الكثير تغير على صعيد المعطيات الاقليمية والدولية، وان خصوصية الحريري سياسيا وشعبيا تختلف بطبيعة الحال عن حيثية الحسن كشخصية أمنية، تعمل غالبا في الظل، ولكن الصحيح ايضا ان تحولات حصلت في بنية «14 آذار» ونمط العلاقات بين مكوناتها، اتخذت شيئا فشيئا شكل «الفجوة» في هذه التجربة.
على مستوى القاعدة، لا يصعب رصد الانتقادات الحادة التي تُوجه الى القيادة، من حين الى آخر، اعتراضا على ميلها في أغلب الأحيان نحو ما يوصف بالمساومة والمقايضة على حساب الثوابت والمبادئ. وهناك في الجمهور العاتب من يعود سريعا بالشريط الى الوراء، آخذا على قيادته انخراطها في الحلف الرباعي، ثم الـ«سين ـ سين»، واتفاق الدوحة، ما تسبب في أزمة ثقة بين «بروليتاريا 14 آذار»، ونخبتها السياسية، حتى أصبح كل زعماء المعارضة عاجزين عن جذب أكثر من 15 ألف شخص الى تشييع اللواء الحسن في ساحة الشهداء، برغم النداءات التي وُجهت الى الجمهور، عشية التشييع.يشعر المتحمسون من الشباب في «14 آذار» انهم بحاجة الى انتصار ما، بعد النكسات المتتالية، وهم يعتبرون ان القيادة السياسية أخرجت حركة «14 آذار» من سياقها الشعبي ومن «براءة» الولادة الاولى، وحولتها الى مجرد أداة سياسية، تُستخدم في اللعبة الداخلية.
وأبعد من ذلك، يعتقد هؤلاء المتحمسون ان الكثيرين من قياديي «14 آذار»، ليسوا مؤهلين أصلا لخوض غمار التغيير، لانهم جزء عضوي من نادي التقليد اللبناني، ومن منظومة الفساد والمصالح، وبالتالي لا يمكن لهم ان يعبروا عن تطلعات الشباب. أما على مستوى الجسم السياسي لـ«14 آذار»، فقد اصبح منهكا بعد مرور أكثر من 7سنوات على ولادته. يبدو هذا الجسم وكأنه ترهل باكرا، تحت وطأة التباينات بين أعضائه والحسابات الخاصة لكل منهم.
وتكفي إطلالة على بعض الاختبارات التي واجهها هذا الفريق، حتى تظهر التمايزات الجوهرية التي تتجاوز حدود «التنوع في الوحدة»، الى الاختلاف على الخيارات.هكذا، انقسمت «14 آذار» حول الـ«سين ـ سين» وانفتاح سعد الحريري على دمشق آنذاك، ثم حول التسوية التي كادت تتم بين الحريري و«حزب الله» بخصوص المحكمة الدولية.
وبعد ذلك افترقت الرؤى مجددا داخل «14 آذار» حيال المشاركة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ثم حيال العودة الى طاولة الحوار التي قاطعتها «القوات اللبنانية»، فيما كانت القراءات لأحداث سوريا تتناقض، بين من يرى فيها ثورة تستوجب تماهيا مع المعارضة السورية، وبين من يجد فيها ما هو أقل من الثورة والربيع. وانسحب تعدد المقاربات على النظرة الى قانون الانتخاب، وصولا الى الصدام المباشر بين حزب الكتائب ومنسق الامانة العامة الدكتور فارس سعيد، والذي يختزن في مضمونه خلافا فكريا وسياسيا عميقا يتصل بالمفاهيم التأسيسية للبنان.
وربما كان تأرجح «حزب الكتائب» بين البقاء في «14 آذار» ومغادرتها، بعدما هجرها «التيار الوطني الحر» أولا، وبعده «الحزب التقدمي الاشتراكي» ثم بكركي، هو دليل إضافي على الاستنزاف الذي تعاني منه.
وإذا كان يقال في السابق ان قوى «14 آذار» أكثر تنظيما من فريق «8 آذار»، فان هذه المقولة تعرضت للتصدع مع مرور الوقت، خصوصا ان «الامانة العامة» التي كانت تصنع الفارق التنظيمي، وتشكل ما يشبه وحدة «الارتباط والتنسيق»، تحولت من عنصر قوة لـ«14 آذار» الى مطبعة للبيان الاسبوعي، بحيث لم تعد تكفي حيوية «المتفرغ» فارس سعيد من أجل التغطية على تآكل دورها، بعدما فقدت بعضا من وزنها التمثيلي، وباتت اقرب الى ان تكون صالونا سياسيا ـ إعلاميا، غالبا ما يستقطب المصنفين في خانة البطالة المقنعة.
ولما كان «تيار المستقبل» هو رافعة قوى «14 آذار»، فان غياب زعيمه الرئيس سعد الحريري عن لبنان، أوجد خللا في القيادة داخل التيار، انعكس بدوره على آلية عمل فريق «14 آذار». وقد شجع هذا الغياب، كل صاحب طموح، او جموح، على ان يقتطع حصة له من «المساحة الخالية»، فتجرأ نواب ينتمون الى التيار على الذهاب بعيدا في التمايز عن زعيمهم المفترض، وكم من مرة اضطر الحريري الى التدخل لاحقا لاستدراك أخطاء مناصريه في السياسة او في الشارع. كما ان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع استطاع ان يوظف غياب الحريري لصالحه، فصار رمزا لجمهور «المستقبل»، مقتبسا دور وليد جنبلاط عام 2005، من حيث المبادرة والمواجهة.والأخطر من ذلك، ان ابتعاد الحريري جعل قدرته على إدارة الارض تتراجع، بحيث فقد العديد من مفاتيح التحكم والسيطرة، حتى بات جزء من الشارع يملك ديناميته الخاصة، ويتحرك على اساس اجتهادات ذاتية، فصار لبعض الأحياء قبضاياتها، وللعديد من المجموعات المسلحة أمراؤها.
ولعل الحوادث المتلاحقة في العاصمة وطرابلس وعكار وعلى طريق الجنوب، تشكل مؤشرا واضحا الى اتساع دائرة «الجزر» في مناطق محسوبة على «تيار المستقبل»، مع تسجيل تصاعد واضح في نفوذ الاتجاهات السلفية والمتطرفة، التي كان الحريري قد منحها بيئة حاضنة ليتكئ عليها في مواجهة «حزب الله»، فأفلت زمامها من يده، ثم جاءت أحداث سوريا لتعزز حضورها ودورها.ولا يمكن بطبيعة الحال تجاهل تأثير الضائقة المالية للحريري، على وضعية التيار، انطلاقا من قاعدة معروفة وهي ان «الفقر يجلب النقار»، خصوصا وان المساعدات والتقديمات كانت تشكل عصبا حيويا في علاقة «المستقبل» مع شريحة من شارعه. هذا التراكم كله، كان موجودا في خلفية مشهد ساحة الشهداء يوم تشييع اللواء الحسن. الحريري مستمر في الغياب، الجمهور المحتقن متقدم على قياداته بمسافات، التنسيق ضعيف، التنظيم متواضع.. فكان الهجوم الفاشل على السرايا، والذي جرّ خلفه أجندة سياسية تضم مجموعة «لاءات»، وفي طليعتها «لا» لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، تتصدى لها حتى الآن «نعم» دولية للاستقرار في مواجهة خطر الفراغ.
أوراق في جعبة «14 آذار»
الى ذلك، علمت «السفير» أن عشاء، جمع ليل أمس الأول كلاً من الرئيس أمين الجميل والرئيس فؤاد السنيورة ونادر الحريري وشخصيات، على مائدة الجميل في بكفيا، حيث جرى التداول في الشؤون السياسية وكيفية معالجتها، كما التنظيمية لقوى «14 آذار».وكان السنيورة متمسكاً بمعادلة لا للحوار قبل إسقاط الحكومة، رافضاً أي مبادرة تقوم على أساس الحوار المسبق، في حين دعا الجميل إلى تحييد رئيس الجمهورية أو طاولة الحوار الرئاسية عن هذه المقاطعة، من باب إيجاد مدخل لحوار منتج، لكن «تيار المستقبل» أصر على إقفال الأبواب.كما علمت «السفير» ان رئيس «القوات» سمير جعجع أجرى أمس اتصالا بالرئيس الجميل، واتفقا على عقد لقاء بين ممثلين عنهما، لاستكمال البحث.
وفي سياق متصل، قالت مصادر بارزة في «تيار المستقبل» لـ«السفير» ان التحضيرات جارية لتنفيذ خطوات عملية تحت سقف الدستور والقانون، من أجل الدفع في اتجاه إسقاط الحكومة، مشيرة الى انه سيعلن عنها في حينه بعد إنضاجها، ومؤكدة ان قوى «14 آذار» ستستخدم كل الاوراق المشروعة في معركتها. وأوضحت المصادر ان السنيورة سيقوم باتصالات عربية ودولية، وسيلتقي العديد من السفراء لشرح موقف المعارضة، والتأكيد على ان الحكومة الحالية لا تحمي الاستقرار، بل تهدده على المستويات الامنية والسياسية والاقتصادية والمالية.وأكدت ان المطلوب رحيل حكومة ميقاتي فورا، وبعد ذلك يجري البحث في مقومات الحكومة الحيادية، مشددة على ان الموقف الذي أطلقه السنيورة خلال تشييع اللواء الحسن لم يتغير، وبالتالي لا كلام قبل استقالة الحكومة.