بعد مرور 11 يوماً على اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء الشهيد الحسن،لم تغادر معظم الدول الأوروبية قرار «النأي بالنفس» عن حسابات الفريقين السياسيين المتنازعين، أي 8 و14 آذار.
بعد مرور 11 يوماً على اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء الشهيد وسام الحسن، لم تغادر معظم الدول الأوروبية قرار «النأي بالنفس» عن حسابات الفريقين السياسيين المتنازعين، أي 8 و14 آذار، مفضلة عدم الدخول في صراعاتهما الداخلية، ومشددة «على عدم تعريض لبنان إلى أي خلل أمني وتجنيبه الفراغ الحكومي وتأمين استقراره».
وإذا كانت بعض الدول الغربية تعبّر من خلال ديبلوماسييها في مجالسهم الخاصة عن دعمها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لأنها «صنو للاستقرار المطلوب حالياً»، فإنها تعتمد في العلن مفردات «النأي بالنفس». وتقول أوساط ديبلوماسية غربية في بيروت لـ«السفير»: «نحن لا نطالب برحيل الحكومة ولا نطلب بقاءها، نحن مع استمرارية الدولة اللبنانية بمؤسساتها ونؤيد الجهود التي يبذلها رئيس الجمهورية ميشال سليمان في المشاورات بين الأطراف اللبنانيين، أما مصير الحكومة فمتروك للبنانيين أنفسهم». ويبدو بأن الموقف الدولي، الذي أعقب عملية اغتيال الحسن، أحدث سوء فهم على الساحة السياسية اللبنانية «من قبل الفريقين السياسيين»، وبحسب الأوساط الغربية: «هنالك فريق «حمّل» الدول الغربية موقفاً لصالحه، في ما اعتبر فريق آخر أن موقف هذه الدول ضدّه». وتشير الأوساط ذاتها إلى أن الدول الغربية «حذرت من الفراغ الدستوري ولم تشر إلى رئيس الحكومة أو الحكومة بحدّ ذاتها، والموضوع قيد تشاور يجريه رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي ندعم جهوده».
وتلفت النظر إلى أنه «لغاية اليوم لم يقدّم الرئيس نجيب ميقاتي استقالته، ولغاية اليوم لم تشرح لنا «قوى 14 آذار» الطريقة التي ستدفعه فيها للاسـتقالة في حال رفض ذلك، وبالتالي العملية لبنانية لبنانية ولا شأن للدول ولسفرائها بها». وتعرب الأوساط المذكورة عن تفهمها «للمخاوف» التي تبديها «قوى 14 آذار»، لكنها تستولد لدينا مخاوف أخرى، لأن هذه القوى لا تمتلك رؤيا أو مبادرة مستقبلية، فهي تكتفي بدعوة الحكومة الى الاستقالة لأن فيها «حزب الله» لكنها لم تقدّم اقتراحاً عن شكل الحكومة المطلوبة منذ لحظة اغتيال الحسن حتى الآن، وكنا قد طرحنا السؤال عليهم مراراً، وقبل ايام عدة فهمنا منهم ان المطلوب حكومة حيادية أو من التكنوقراط، وهذا بدوره يطرح اسئلة مهمة: هل قيام حكومة مماثلة ممكن؟ ومن سيرأسها؟ وكم سيتطلب تشكيلها من الوقت؟».
وتذكّر الأوساط عينها بأن «الانقلاب الذي وقع ضدّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أدى الى أشهر من الفراغ الدستوري (بمعنى أن حكومة اللون الواحد اقتضى تشكيلها ستة أشهر، فكيف اذا كانت حكومة تكنوقراط أو حكومة وحدة وطنية)»، وتشير الى أن لبنان «غير قادر على تحمّل فراغ مماثل في ظل التوتر الذي تفرضه الأزمة السورية المفتوحة على مصراعيها». وتتساءل الأوساط الغربية عن «جدوى حكومة لن يكون عمرها مديداً بفعل اقتراب موعد الانتخابات النيابية، وبالتالي ستكون حكومة مؤقتة ينحصر دورها في التحضير للانتخابات النيابية فحسب». وفي هذا الإطار، تشير الأوساط الى «تشبث الدول بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر في نهاية الربيع المقبل، حفاظاً على النموذج التعددي والديموقراطي الاستثنائي اللبناني الذي كان سائداً قبل انتقاله الى الدول العربية، وبالتالي لا يمكن للبنان أن يشكّل اليوم استثناءً سلبياً».
الدول لا تبدّل مواقفها يومياً
وبالعودة الى اغتيال اللواء وسام الحسن وارتداداته اللبنانية، تذكر الأوساط الديبلوماسية الغربية بأمور عدة: «إن «قوى 14 آذار» كانت تطالب باستقالة الحكومة قبل عملية الاغتيال، والتشاور الذي تقوم به هذه القوى منذ عشرة أيام حتى الآن، يسمح لها بتبديد الصورة التي رسمتها عن نفسها في يوم تشييع الحسن. فهي لم تعط الانطباع بسلوك رصين وعاقل، وعوض أن تتخذ مواقف هادئة وتعبر في الوقت ذاته عن هواجسها، وحتى أن تشير بالمسؤولية الى طرف ما، فإن جلّ ما ظهّرته هو أنها قوى غير منظمة وغير قادرة على ضبط شارعها، فضلاً عن أنها لم تقدّم اقتراحات سياسية واضحة البتة واكتفت بطلب إقالة الحكومة ورئيسها، ومرّت أيام قبل أن ندرك أن الحكومة المطلوبة هي حيادية ومن التكنوقراط، وبالتالي فإن اللقاءات مع السفراء تتيح لهذه القوى ترميم صورتها إلا أنها لن تغير شيئاً في موقف الدول الذي أعلنته سابقاً». وتضيف الأوساط الغربية «إذا كانت «قوى 14 آذار» تراهن على اتخاذ الدول الغربية موقفاً واضحاً وصريحاً ضدّ الحكومة اللبنانية ورئيسها نجيب ميقاتي، فهي مخطئة، والعكس صحيح، أي أن الحكومة ورئيسها لا يمكنهم الرهان على موقف واضح وصريح مؤيد لهم، وبالتالي فإن الحلّ لهذه الأزمة السياسية سيكون لبنانياً صرفاً». ولفتت الأوساط الديبلوماسية الانتباه الى أن «الدول لا تملك موقفاً جديداً كلّ يوم، وموقفها واضح، وهو ما عبّرت عنه في قصر بعبدا على لسان السفراء الخمسة للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وممثل الأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي وما من موقف جديد آخر لديها».
رسالة هولاند الى سليمان
في هذا السياق، جاءت رسالة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الى نظيره اللبناني ميشال سليمان عن طريق وزيرة الشؤون الفرنكوفونية يمينا بنغيغي، التي زارت بيروت نهاية الأسبوع الماضي لافتتاح معرض الكتاب الفرنكوفوني. وقد كرّر هولاند في رسالته تضامنه مع لبنان في ظل الظروف الصعبة التي أعقبت عملية اغتيال الحسن، مجدداً التزام فرنسا بأمن لبنان وسيادته ومشدداً على أن فرنسا متشبثة بسير عمل المؤسسات اللبنانية. وتلفت الأوساط الديبلوماسية الغربية النظر إلى أن «المناخ الدولي مجمع على دعم الحوار الوطني بين اللبنانيين وهي تضعه على مستويين، الأول هو مضمون الحوار بحد ذاته، والثاني مسألة قيام الحوار بحد ذاته وجلوس الأطراف كلها على طاولة واحدة. وتشرح الأوساط نفسها، «بالنسبة الى المضمون الأول ثمة مواضيع مطروحة من الصعب إيجاد حلول سريعة لها مثل قضية سلاح «حزب الله»، وفي 20 أيلول الفائت قدم الرئيس ميشال سيلمان رؤيته لإستراتيجية دفاعية أثار فيها نقاطاً حساسة والحــوار حول هذا الموضوع لن يكون سريعاً، وهنا ننتقل إلى المســتوى الثاني أي أهمية استمرار النقاش، وهو ضــروري وسط التوتــر السوري، لذا من المهم أن تبقي القوى الــسياسية على إطار للحوار في ما بينها فتتشبث بالثوابت كي لا ينزلق الوضع اللبناني نحو الأسوأ».
سياسة النأي بالنفس سارية المفعول
وعُلم أن شخصيات لبنانية في «14 آذار» راجعت دوائر ديبلوماسية غربية بارزة في موضوع الدعوة الى إسقاط الحكومة ومقاطعة الحوار، وجاءتها الأجوبة نفسها، التي وردت على لسان السفراء في بيروت، مع التشديد أكثر على وجوب عدم مقاطعة الحوار الوطني تحت سقف «إعلان بعبدا»، وما تمثله من وثيقة تاريخية وافقت عليها جميع القوى اللبنانية وتم إرسال نسختين منها الى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
وتشير الأوساط الديبلوماسية الغربية الى أن الدول الغربية لا تزال تؤيد سياسة النأي بالنفس إزاء الأزمة السورية، وترى أن هذه السياسة ما تزال صالحة حتى بعد وقوع جريمة اغتيال اللواء الحسن، «لأنه من دون هذه السياسة، لا يمكن تجنيب لبنان الأسوأ، لكن من المهمّ متابعة هذه السياسة بطريقة مترابطة وعلى المستويات كلّها».