تحدثت مع اشتون عبر سكايب وقلت له انا في لبنان. صدم بالأمر قال: ماذا تفعل هناك؟ قلت له انني التقيت بالكثير من الاشخاص المهمين وسأخبرك لاحقاً بما افعله. التقيت بأشخاص يصنفون بأنهم الاكثر عداوة لإسرائيل
- الإسرائيليون ليست لديهم استراتيجية
- أطلقوا البرغوثي ليقود الشعب الفلسطيني
- التقيت حزب الله ولست خائفاً
يهودا بيرغ في بيروت. المتصوف اليهودي الذي ورث عن والده فيليب زعامة «الكابالاه»، لا يوحي أنه واحد من الحاخامات الأكثر تأثيراً في العالم. يلبس قبعة بايسبول يعلوها شعار «شجرة الحياة»، الرمز الديني عند الكاباليين، حاملاً كتابه المقدس «الزوهار» هدية إلى السيد حسن نصر الله. «ربما أنا مجنون، لكني أؤمن بأنه يجب عليّ القيام بذلك».
أجرى الحوار الزميل في جريدة الأخبار اللبنانية بسام القنطار ..
في ما يأتي نص الحوار:
■ ما هو انطباعك الأول عن لبنان؟
أسمع في وسائل الإعلام عن لبنان، عندما أتيت وجدته سلمياً جداً. إنه أمر لا يصدق، لا تشعر بالخوف أو بالتوتر. أعتقد أن هذا البلد تحكمه بيئتان مختلفتان. فمن جهة، يبدو الوضع مهتزاً، عود كبريت واحد يمكن أن يشعل الوضع. في المقابل، تجد بيئة أشبه بالجنة. زرت لبنان من قبل، لكن كانت زيارة سريعة جداً، ليوم واحد. والآن جئت للتعرف إلى هذا البلد للتواصل والحوار.
■ ما سبب عدم إعلانك للزيارة رسمياً؟
بالنسبة إليّ، هذه الزيارة بدأت خاصة، لكن بعد فترة سأعلنها؛ لأن الناس الذين أمثّلهم قد لا يفهمون سببها إذا لم أقدم لهم السياق والسبب والرؤية. أنا أؤمن بالناس عموماً، وأؤمن بمن يبحثون عن الحقيقة والصدقية، الذين لا يتقلبون والذين يدافعون عما يؤمنون به، حتى لو أدى ذلك إلى التضحية، وللأسف هم قلة. أتيت إلى هذه البلاد للقاء من يؤمنون بالحقيقة، ولكي أستطيع أن اشرح لملايين الناس المنتسبين الى «الكابالاه» التي امثلها. من دون هذا التفسير الامور ستكون صعبة، لذلك قررت ان تبدأ هذه الزيارة خاصة، وقد جئت الى هنا برفقة عشرة تلاميذ من مختلف دول العالم، بينهم شخص من الكويت وآخر من الاردن، وسنعلن لاحقاً حصول الزيارة ونتائجها لكل الذين يتبعونني.
■ ما جدول اعمالك في بيروت؟
لقاء شخصيات عدة سياسية ودينية يمثلون مختلف الأطياف، كذلك سألتقي عدداً من اتباع «الكابالاه» في لبنان. وهم بالمناسبة من مختلف الطوائف سنّة وشيعة ومسيحيين. مراكز «الكابالاه» تستقبل طلاباً من مختلف الاديان، بعضهم يؤمنون بالله وبعضهم الآخر ملحد. لكنهم جميعاً يسعون الى عالم افضل.
هل سيحقق ما يعرف بـ«الربيع العربي» فرصة لوجودكم في المنطقة؟
أنا أؤمن بالحرية. حرية الرأي وحرية التجمع السلمي. لكن في بعض الاحيان، هناك كثيرون يتحدثون بأصوات مرتفعة من دون أن يعني ذلك بالضرورة انهم يقولون الحقيقة، أو أنهم يسعون الى الوحدة والى التكاتف بين البشر. لنأخذ مثلاً الحالة السورية. هناك عشرون صوتاً او أكثر تتحدث باسم معارضة نظام بشار الاسد. سمعنا بعضهم يقول إن في امكانهم تغيير القائد الحالي. ولكن هناك اصوات عدة متنافرة، وهذا لا يمكن ان يقود الى الحل. وما لم تظهر شخصية معارضة واحدة تعلن استعدادها لتتولى القيادة وتطلق حواراً مع النظام للتوصل الى صيغة لانتقال الحكم، لن يكون هناك حل. أنا أؤمن بمسار يوصل الى التضامن والوحدة، وللأسف إن ارتفاع المزيد من الاصوات يؤدي في اغلب الاحيان الى التفرقة والتناحر. لذلك، إن حرية التعبير بعد «الربيع العربي» ادت الى التشرذم بدل الوحدة. نسمع المزيد من اصوات الكراهية، وماذا فعل من تسلم السلطة للشعب؟ هل يهتم فعلاً بأمور الناس والاطفال والبلد واللاجئين، أم أن السلطة بالنسبة إليهم هي مجرد وسيلة للإمساك بزمام الحكم؟ اذا كانت لديك القوة والسلطة، يجب ان تقترنا بالمسؤولية. من يملك القوة لا يظهرها بل يعمل بصمت وبثقة ولا يتباهى بأنه الرئيس او الملك. اذا كنت القائد فأنت تعلم انك القائد.
■ عادة انت لا تتحدث في السياسة، لكن الناس يريدون ان يسمعوا موقفك السياسي؟
مشكلة الساسة انهم يتقلّبون في مواقفهم، كل يوم لديهم خطاب جديد مناقض لخطاب اليوم الذي سبقه. اذا كان هناك من قائد لا يقول ما يحقق له مصلحته، بل يقول الحقيقة فسأدعمه. قد يفاجأ الناس بأنني لم اصوت في الانتخابات الرئاسية الاميركية. انا لست من داعمي الرئيس باراك اوباما، لكنني ايضاً لست مؤيداً للحزب الجمهوري، لأنني ببساطة لا اؤمن بأنه يوجد قائد يستطيع ان يحقق التغيير الذي نطمح اليه. في عام ٢٠٠٨، شعر الناس بأن الانتخابات ستحقق التغيير واعتبروا ان اي بديل سيكون افضل من السابق، لكننا نحتاج الى اكثر من امل في التغيير عبر حزب سياسي، ليس هناك من شخص او نظام او حزب يمكنه القيام بذلك، التغيير يجب ان يبدأ من كل واحد منا.
■ ماذا عن فلسطين وواقعها الحالي؟
في فلسطين الوضع مختلف. انا، مثلاً، اؤمن بأن الأسير مروان البرغوثي تنطبق عليه صفات القائد الحقيقي. اشعر بأن هذا الرجل يؤمن بما يقوله وهو مستعد لفعل ما يؤمن به، ورغم عذاباته وسجنه فهو ما زال يملك الامل بالمستقبل. بينما بقية الاشخاص لا يقولون الحقيقة، ويتقلبون في مواقفهم. هذه هي مشكلة السياسة: تغيير المواقف. عليك ان تؤمن بما انت عليه وان تعلن ما تؤمن به وأن تسعى الى تحقيق لذلك.
■ هناك نظرية تقول إن اسرائيل تدفع باتجاه تعزيز التيارات الدينية المتشددة في البلدان العربية لتبرير مشروع يهودية الدولة. ما رايك في ذلك؟
لن يستطيعوا تبرير ذلك. هم يعيشون مع العديد من الفئات، وهؤلاء لن يقبلوا بذلك، واذا دفعوا باتجاه هذه النظرية فسيكون صعباً جداً عليهم البقاء. اذا كانت هذه نظريتهم، فهم مخطئون تماماً. القيادة الاسرائيلية تعيش في تناقضات كبيرة. يقولون الشيء ويفعلون عكسه. لا اظن ان لدى الاسرائيليين استراتيجية، لانه لو كانت لديك خطة معينة لطبقتها. على سبيل المثال لو كانت لديهم نية حقيقية بالتغيير، فيلطلقوا سراح مروان البرغوثي وليمنح فرصة قيادة الشعب الفلسطيني. لو كانت لديهم استراتيجية لأطلقوا سراح سمير القنطار عام ٢٠٠٤ من دون مقابل، ووفّروا على انفسهم حرباً مع حزب الله ودماراً وقتلاً. ليست لديهم استراتيجية. احياناً لا تعرف فعلاً ماذا يريدون.
■ تسعى السلطة الفلسطينية إلى كسب الاعتراف بقيام دولة مستقلة، هل تلمس تأييداً دولياً لهذه الخطوة؟
للاسف كلا. حتى الفلسطينيون انفسهم يشعرون بأنهم عاجزون عن تحقيق هذا الهدف. التقيت بالرئيس الفلسطيني ابو مازن. وقلت له عليك ان لا تستسلم. اليوم لا يسمعون لك، وغداً لن يسمعوا لك، ولكن في النهاية سيُسمع صوتك. تجولت في الخليل ونابلس وبيت لحم. هناك تشعر بأن الناس استسلمت للامر الواقع. لكن يجب ان لا يستسلموا. عليهم ان يؤمنوا دائماً بأن لديهم بيتاً في هذه الارض وان هذا البيت لهم ولأولادهم. وعدني ابو مازن بأن احصل على بيت في رام الله وانا تواق ليوم اعلان دولة فلسطين لكي يكون لي بيت هناك.
■ هل انت مطلع على واقع اللاجئين الفلسطينيين؟
زرت مخيم بلاطة في فلسطين، وأنتظر الحصول على تأشيرة من السلطات المصرية لأزور غزة. كذلك زرت الخليل. هذه المدينة كان فيها مئة باب، اليوم هناك باب واحد. عندما مشيت قرب الجامع الابراهيمي قلت للوفد الذي يرافقني، قبل ان نصلي لامورنا الخاصة لنصلّ من اجل ان يستطيع كل الناس الذين لا يستطيعون الوصول الى جامعهم للصلاة. هذا امر صعب. هناك الكثير من الالم. مخيم بلاطة مكان ضيق جداً بحجم فندق، يعيش فيه عشرات آلاف الأشخاص، لا يمكن هذا الامر ان يستمر.
■ الإعلام يركز كثيراً على انتساب نجوم هوليوود إلى «الكابالاه»، من مادونا الى ميك جاغر ودونا كارن واشتون كتشر وديمي مور. هل يزعجك ذلك؟
نعم. اريد ان يتحدث الناس عن الامور الاخرى التي نقوم بها. لكنني جئت بهؤلاء النجوم الى فلسطين. اشتون كتشر كان معي في الخليل، لكي يرى بعينه ماذا يفعل اليهود هناك. لأنه اذا لم تر بأم عينيك يكون الإقناع والشرح صعباً. تحدثت مع اشتون هذا الصباح عبر سكايب وقلت له انا في لبنان. صدم بالأمر قال: ماذا تفعل هناك؟ قلت له انني التقيت بالكثير من الاشخاص المهمين وسأخبرك لاحقاً بما افعله. التقيت بأشخاص يصنفون بأنهم الاكثر عداوة لإسرائيل وسيكون صعباً عليّ ان اخبر الناس بمن التقيت، قبل ان اشرح السياق والهدف من ذلك. انا اؤمن بالناس وببناء الجسور. لذلك سأسعى الى تنظيم المزيد من الزيارات للمنطقة. زرت نابلس الصيف الماضي برفقة ٨٠٠ شخص، وهؤلاء عندما يأتون الى المنطقة لا يكونون زواراً وحسب، بل يطلعون على المشكلة ويكونون جزءاً من الحل.
■ مهما شرحت اهداف رحلتك، سيكتفي الإعلام الاميركي بالقول إن «بيرغ يلتقي حزب الله». هل انت مستعد لهذا النوع من الأخبار؟
اعرف ان الإعلام سيركز على هذا الامر، واعرف نظرة الادارة الاميركية واسرائيل الى هذا الحزب، ولكني في النهاية استطيع ان اتحدث الى الناس الذين يتبعونني المستعدين لسماع الأسباب. يوماً ما، لا اعرف متى، هذه المنطقة برمتها سيعمها السلام، وسيعيش الناس بطمأنينة. السؤال الأهم متى؟ والطريق الوحيد لذلك هو بناء الجسور بين الناس. ربما انا مجنون صغير، حتى زوجتي كانت تسألني لماذا؟ قلت لها: لأنني استطيع ولأنني يجب ان اقوم بذلك. اشعر بأنه يجب عليّ القيام بذلك. لا يهمني من سينزعج من زيارتي للبنان. اذا استطعت إقناع شخص او اثنين بأهمية زيارتي، فهذا انجاز يمكن ان أبني عليه.