كم عائلة ستقيم عزاءً لأحد أبنائها، نتيجة ذلك التهوّر عن سبق صحافي غير دقيق، وعن خبر يوضع في خدمة أجندة سياسية؟ ومتى سيضع الإعلام اللبناني المسؤولية الاجتماعية في سلم أولوياته، ويمارس دوره في «الإعلام"
تخيل أن تقرأ نبأ مقتل أحد أفراد عائلتك، في خبر ضمن الشريط الإخباري على الشاشة.. وتخيّل أن تكتشف بعد هول الصدمة، أنّ الخبر كلّه ملفّق، وغير دقيق. هذا ما حصل مع عائلة الشاب اللبناني باسل حمادة، ابن مدينة الهرمل. إذ قرأت عائلته خبر مقتله على الشريط الإخباري لشاشة «المستقبل»، أمس الأول السبت. وجاء في الخبر: «شبكة سوريا مباشر: مقتل القيادي في «حزب الله» باسل حمادة في منطقة الصفصافة في حمص». قد يمرّ خبرٌ كهذا بشكل عرضيّ، لو لم يكن الشاب حيّاً يرزق. وقد أكّد حمادة للـ«السفير» أنّه ينوي رفع دعوى على «المستقبل»، جراء ما سببه خبرها من أذىً معنوي، لوالدته وأخته في الخارج، وخصوصاً بعد «شيوع حالة من القلق والخوف بين أهلي وأقربائي الذين راحوا يتلقون العزاء بوفاتي». وينفي حمادة أي علاقة له «بحزب الله وبأي من الأحزاب اللبنانية».
كتب أمين حمادة في جريدة السفير اللبنانية:
يتكرّر سقوط الإعلام اللبناني في مطبّ عدم الدقّة، وتكثّفت الأخطاء الناتجة عن ذلك بشكل ملفت خلال الفترة الماضية، وكان أبرزها نشر وفاة المخطوفين اللبنانيين الـ 11 الذي ثبت عدم صحّته. المستغرب أنّ قناة «المستقبل» بثت الخبر لما يزيد عن 24 ساعة، نقلاً عن «شبكة سوريا مباشر»، من دون التحقّق من صحته. ويبرّر مدير الأخبار في تلفزيون «المستقبل» عماد عاصي ذلك في اتصال مع «السفير»، قائلاً: «لا مجال للتأكد من مصدر الأخبار المتعلّقة بالثورة السوريّة. و«حزب الله» بوصفه طرفاً في هذا الخبر، لم يكن يوماً متعاوناً، لهذا من العبث الاتصال به للتأكد». واعتبر عاصي أنّ «مسؤولية تكذيب الخبر أو تصحيحه، تقع على عاتق الجهة المعنيّة به، وليس على عاتق الوسيلة الإعلامية التي نقلته»، مضيفاً: «لن نصحّح الخبر إلا إن أرسل لنا الشاب بياناً توضيحياً».
لكنّ قناة «المستقبل» لم تصحّح الخبر ولم تقم بنفيه، رغم تلقيها اتصالاً من أقارب الشاب يُعْلمها بالحقيقة. واكتفت ظهر أمس باستبدال اسم «باسل حمادة» باسم «باسل الهق»، الذي نشر خبر مقتله منذ أكثر من أسبوع، وهو أحد سـكان منطقة الصفصافة في ريف القصير قرب الحدود اللبنانية (سكانها من اللبنانيين).
لم تنفرد «المستقبل» بإشاعة مقتل باسل حمادة وحدها، إذ شاركتها في ذلك، تعميماً للمعرفة ربما، مواقع إلكترونيّة متعدّدة، منها موقع صحيفة «الجمهورية»، وموقع «أم تي في»، و«القوات اللبنانية»، و«بيروت اوبسرفر»، «الكتائب»، و«أخبار البلد»، و«أخبار للنشر»، علماً أنّ بعضها لا يزال يعرض الخبر حتى الساعة من دون أي تصحيح. وهو أمرٌ يثبت من جديد، حجم أزمة إعلامنا المحلّي مع المصادر، وإغفاله لواحدة من أبسط وأبرز قواعد المهنة، أي «وجوب التحقّق من المعلومة، من خلال تقاطع مصدرين متوازيين على الأقل»، كما يدرس طلاب الإعلام في سنتهم الجامعية الأولى.
كم عائلة ستقيم عزاءً لأحد أبنائها، نتيجة ذلك البحث المتهوّر عن سبق صحافي غير دقيق، وعن خبر يوضع في خدمة أجندة سياسية؟ ومتى سيضع الإعلام اللبناني المسؤولية الاجتماعية في سلم أولوياته، ويمارس دوره في «الإعلام»؟