إذن، معنى أن الغاية والهدف من البعثة هو إن إنقاذ الإنسان، شيء آخر. معناه أن ما منحه الرسول والإسلام للناس إنما هو وصفة شافية لكل العصور؛ وصفة في مقابل جهل البشر، وفي مقابل سيادة الظلم،
من كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة عيد المبعث النبوي السعيد 23/6/1383ش (14/9/2004م)
الإسلام وصفة شافية لكل العصور :
حين نقرأ في القرآن الكريم ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ فهذا لا يعني أن جميع نفوس البشر ستتزكى بنـزول الدين الخاتم وبعثه الرسول الخاتم، أو أنها تزكت فعلاً. وهو لا يعني أن الإنسانية لن ترى بعد بزوغ القرآن شكل الظلم والتمييز والشقاء وتعثّر مسيرتها نحو التكامل.
إنْ كنا نقول إن الرسول الأكرم والدين الإسلامي ظهرا لتكريس العدل وإنقاذ المستضعفين وتحطيم الأصنام الحية والميتة، فليس معنى ذلك أن الناس لن يمارسوا أي ظلم بعد بزوغ هذه الشمس الوضّاءة، ولن يكون بينهم طواغيت، ولن يسود الحياةَ الإنسانية أيُّ وثن. والواقع يشير إلى وجود أصنام وطواغيت وظلم تعرضت له الإنسانية بعد بزوغ الإسلام في شتى أقطار العالم وحتى في البيئة الإسلامية _ بعد مرور عشرات الأعوام طبعاً _ واستمرت نفس الإخفاقات والصعوبات التي عانت منها البشرية دوماً.
إذن، معنى أن الغاية والهدف من البعثة هو إن إنقاذ الإنسان، شيء آخر. معناه أن ما منحه الرسول والإسلام للناس إنما هو وصفة شافية لكل العصور؛ وصفة في مقابل جهل البشر، وفي مقابل سيادة الظلم، وفي مقابل التمييز، وفي مقابل سحق الضعفاء تحت أرجل الأقوياء، وفي مقابل كافة الآلام التي عانت منها الإنسانية. إنه كباقي الوصفات إذا جرى العمل بها فسوف تؤتي أكلها، وإذا تُركت أو أسيئ فهمها، أو لم تتوفر الجرأة على العمل بها فلن تنتج أي شيء.
إذا منحكم أفضل الأطباء أصح الوصفات لكنكم لم تستطيعوا قراءتها، أو أسأتم قراءتها، أو لم تعملوا بها، وبالتالي بقيت متروكة، فما التأثير الذي ستتركه على المريض، وأي ذنب يقع على عاتق ذلك الطبيب الحاذق؟ في نهج البلاغة كلمات وجمل بليغة جداً حول الظروف التي سبقت ظهور الإسلام وبعثة الرسول الأكرم، منها »والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور« أو »في فتن داستهم بأخفافها ووطأتهم بأظلافها وقامت على سنابكها«. متى ما عرّضوا الناس للفتن، وأغرقوا البشرية في المعضلات والمشاكل الأولية، وأغلقوا عليها الطريق، ومتى ما لم يكن الإنسان مهذباً، وكان ثمة ظلم سائد، وفرضت القوى الكبرى ما تريده بالقوة على الضعفاء، وتقاتلَ الإخوةُ، وفسدت الأخلاقُ، وَجَبَ عندئذ العمل بهذه الوصفة.. إنها وصفة لا تبلى..