لعل «قوى 14 آذار» مدعوة بعد مضي قرابة ثلاثة أسابيع على قرارها بمقاطعة الحكومة ومجلس النواب والحوار الى إجراء مراجعة لجدوى هذه التجربة، ومدى إنتاجيتها السياسية ومساهمتها في خدمة أهداف المعارضة.
السفير- عماد مرمل
لعل «قوى 14 آذار» مدعوة بعد مضي قرابة ثلاثة أسابيع على قرارها بمقاطعة الحكومة ومجلس النواب والحوار الى إجراء مراجعة لجدوى هذه التجربة، ومدى إنتاجيتها السياسية ومساهمتها في خدمة أهداف المعارضة، وصولا الى التدقيق في ما إذا كان هذا النوع من الضغوط قد أدى فعلاً الى إحراج الحكومة تمهيداً لإخراجها من السرايا أم انه أعطى في واقع الأمر مفعولاً عكسياً؟ من الواضح حتى الآن، ان هذه المقاطعة الشاملة حررت الحكومة من بعض الاعتبارات المعنوية والتوازنات الداخلية، وحفّزتها على إطلاق يدها في أكثر من مجال، ولا سيما على صعيد التعيينات الإدارية التي راحت تصدر تباعاً بعد اشهر من المراوحة، سواء للاستفادة من فرصة حرد المعارضة بغية التمدد في الإدارة، او لمراكمة إنجازات تبرر البقاء في السلطة.
كما ان الهجوم العنيف الذي تعرضت له الحكومة، في أعقاب إغتيال اللواء وسام الحسن، انعكس إيجاباً على التضامن الوزاري الذي كان مفقوداً في المرحلة السابقة، فإذا به يتحقق بسحر ساحر، بعدما وجدت أطراف الحكومة - المعروفة بتجاذباتها المزمنة ومصالحها المتناقضة - ان هناك ضرورة للتماسك وتجاوز الخلافات الجانبية من أجل تحسين مواقعها في معركة الحياة والموت التي تخوضها بالمعنى السياسي.
وهكذا تحرر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من بعض التردد الذي كان يطبع سلوكه في المرحلة السابقة، وأصبح العماد ميشال عون من أشد المدافعين عن الحكومة بعدما كان من أشد منتقديها، ليرتفع منسوب التناغم بينه وبين كل من ميقاتي والنائب وليد جنبلاط، الى جانب تسجيل تراجع في حدة خلافه مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فيما كانت قيادتا «حزب الله» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» تجتمعان لمزيد من التنسيق بينهما.
أما على المستوى الدولي، فإن محاولة إسقاط الحكومة كيفما اتفق، ومن دون رؤية واضحة لما هو آت، حرّكت مخاوف المجتمع الدولي الذي رفع شعار «لا للفراغ»، لتدخل الى رصيد الحكومة «حوالات خارجية»، لم تكن في الحسبان، ساهمت في تعويمها ومنع انكشافها. وأياً يكن الأمر، يبدو واضحاً ان ميقاتي تعلم من «كيس» الرئيس عمر كرامي الذي استقال في العام 2005، لاعتبارات وجدانية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولكن ذلك لم يشفع له وبقي عرضة للحملات ومحاولات العزل، لا بل خيضت الانتخابات في العامين 2005 و2009 ضده باعتباره «المجرم» أو «شريك المجرم»، وبالتالي فإن ميقاتي استخلص الدروس من هذه التجربة وأيقن انه لو استقال تحت وطأة اغتيال اللواء الحسن، فإن خصومه كانوا سيسعون الى استكمال عملية الإجهاز السياسي عليه.
وفيما تواصل «قوى 14 آذار» «العزف المنفرد» على أوتار المقاطعة يتساءل الرئيس نبيه بري: ما الذي جنته المعارضة من ذلك حتى الآن؟ ويضيف: لو انهم قبلوا بالعودة الى طاولة الحوار لكنا قد توصلنا الى شيء ما خلال الايام العشرين الماضية، أو أقله لكانوا قد أحرجونا في مسألة التغيير الحكومي، لكن ما فعلوه أراحنا، وها هي الحكومة تعمل كما لم تعمل من قبل، والفضل في ذلك يعود الى «قوى 14 آذار»، فلها منا كل الشكر.
ويعتبر بري انه كان الأجدر بالمعارضة، بدل المقاطعة العبثية، «ان تطالبني بالإسراع في عقد جلسة عامة بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، لمناقشة الحكومة ومحاسبتها، ولا أحد يعلم كيف كان يمكن ان تسير الأمور تحت قبة البرلمان، وما حصل مع الرئيس عمر كرامي في الجلسة النيابية الشهيرة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري معروف، في حين أن قرار «قوى 14 آذار» بمقاطعة الحكومة وأي نشاط نيابي يتعلق بها، أنقذ الرئيس نجيب ميقاتي من هذا الامتحان».
وفي كل الحالات، فإن قرار «14 آذار» بالمقاطعة سيتعرض لاختبار جديد مع دعوة بري مجلس النواب الى الالتئام في 27الحالي، من أجل الاستماع الى خطاب سيليقه الرئيس الارمني، لمناسبة زيارته لبنان، فإذا حضر نواب «14 آذار» هذه الجلسة، ربما يُبنى عليها لكسر حدة القطيعة الداخلية والعودة الى التحاور ولو.. بالأرمنية.
وإذ يتوقف بري عند رهانات البعض على تغيير المعادلة في سوريا، لاستثمار مفاعيله لاحقاً في لبنان، يؤكد ان الوطن وحده هو الضمانة للجميع وليس ما يجري خلف الحدود، ولبنان لا تحميه سوى وحدته الداخلية، وبالتالي فإن أي رهان على متغيرات خارجية، وتحديداً في سوريا، لا معنى أو قيمة له على ارض الواقع، لأن هناك ثوابت في المعادلة اللبنانية لا يمكن ان تتبدل مهما حصل، وهناك توازنات داخلية لا يمكن المساس بها مهما جرى.
وفي سياق متصل، تعتبر مصادر بارزة في «فريق 8 آذار» ان رهان «قوى 14 آذار» على إسقاط النظام السوري، بغية قلب المعادلة في لبنان لصالحها، هو خاسر سلفاً، متسائلة: «لنذهب الى اسوأ الاحتمالات ونفترض ان النظام سقط.. ما الذي سيتغير في التركيبة اللبنانية، وكيف سيتم استثمار هذا التطور في الداخل؟ في الماضي، كانت مصر تختار رؤساء جمهورية للبنان، وخلال السنوات السابقة كانت تدعم فريقاً داخلياً، ومع ذلك لم يتبدل شيء جوهري في التوازنات المعروفة عندما تغير نظامها وجاء «الإخوان المسلمون» الى الحكم». وتلفت المصادر الانتباه الى ان تبدل النظام في سوريا، إذا حصل، لن يجعل حلفاء هذا النظام ضعفاء تلقائياً، كما يعتقد خصومهم في لبنان، بل العكس هو الصحيح، إذ ان «قوى 8 آذار»، وفي طليعتها «حزب الله»، ستصبح أكثر تصلباً وستواجه أي تحولات بطلب المزيد من الضمانات السياسية.
وتدعو المصادر «فريق 14 آذار» الى التدقيق جيداً في الاحتمالات، لافتة الانتباه الى ان الارجح هو ان «تيار المستقبل»، سيكون من أكبر المتضررين في حال وصول «الإخوان المسلمين» الى السلطة في سوريا، وسيكتشف ان قوة العصف المتأتية عن تحول من هذا النوع ستطال شارعه بالدرجة الأولى.