غزة هي التي أبت أن تنام على النكبة, وأن تنفصل عن جسدها الفلسطيني...فأعلنت ولادة "حكومة عموم فلسطين" لتبقى فلسطين
قدر غزة أن تظل صفحة مفتوحة مطرزة بالدم في سفر تاريخها الطويل..وقدرها أن تبقى تقاوم, وتقدم الغالي والنفيس وأن تسخى في تقديم مداد الدم الطاهر لصون الكرامة والعزة...وقدرها أن تكون معادل أمة, وتنسج خيوط الرواية الفلسطينية بإرادة ابنائها, وقدرها أن تحمل راية الوطن والأمة نيابة عن أمة بكاملها.
غزة لم تغير جلدها ولم تتلون تتوضأ وتصلي...وتبرهن مجدداً عن أصالة تاريخها عبر الزمن, هي رمز المقاومة لكنها المقاومة ذاتها بالصوت والصورة, بالموقف وبالفعل, بالسياسة والإرادة...بل هي الإرادة المفقودة في الأمة...هي ذلك الشريط الجغرافي الصغير على شاطئ البحر المتوسط الذي ترنو اليه من بعيد كل عيون الحالمين بيوم النصر...
غزة ليست اسماُ بدون معنى...هي مساحة تاريخ وأيقونة فخر لم ينحتها الزمن ونوائبه, فهي معنى القوة والمنعة والعزة...هي الاصطفاء من الكل العربي...تصرخ دون أن تستسلم, تذرف دموعها لكنها تقاوم..تنزف دماً لكنها تحيا.
غزة اليوم تواجه قدرها من جديد...فهي على موعد معه, لا تخلف وعدها ولا عهدها, تواجه قدرها مع العدوان الصهيوني المدجج بأكبر وأضخم آلة عسكرية في المنطقة...لا غمد لإرادتها ولا استراحة لعنفوانها.
هي اليوم عامود السحاب في نهار الأمة يدلها ويهديها الى عرين الكرامة ودرب الحرية الطويل, هي اليوم عامود النار في ليل الأمة ليضئ لها طريق المجد...وطريق الوحدة...لا غرو أن تكون كذلك, فقد كانت على مر العصور في مواجهة الغزاة, من مغول وصليبيين, وقبلهم الهكسوس, وبعدهم كل صنوف الاستعمار, كانت درع الفاتحين من العرب والمسلمين...كما كانت درعاً واقياً لبلاد الشام ومصر.
غزة هي ذاتها اليوم التي كانت عصية على العصابات الصهيونية عام 1948, ويوم أن كانت خير سند للجيش المصري المحاصر بالفالوجة الفلسطينية, وهي الحضن الدافئ لجزء من شعبها اللاجئ من قراه ومدنه بعد أن غرر بهم قادة العرب بالوعود...والوعود.
غزة هي التي أبت أن تنام على النكبة, وأن تنفصل عن جسدها الفلسطيني...فأعلنت ولادة "حكومة عموم فلسطين" لتبقى فلسطين...شعباً وأرضاً...تاريخاً وهوية...ودولة, هي ذاتها التي انطلقت منها مجموعات الفدائيين في الخمسينات من مصريين وفلسطينيين وعلى أرضها استشهد البطل المصري احمد عبد العزيز, والبطل المصري مصطفى حافظ...من قادة أفواج المقاومة الفدائيين.
ومنها انطلقت أول مقاومة فدائية فلسطينية عام 1967 ضد الاحتلال الصهيوني, واعترف ديان أن غزة يحكمها الفدائيون ليلاً...ولم تخضع أمام بطشه ومجازره, وذهب هو مع الريح, أما هي فقد بقيت شامخة, لم ينكسر لها نصل, ولم يهن لها ضلع, هي بقيت وذهت المارون من جنرالات العدو.
هي تتجدد...والتاريخ معها يتجدد...حين تفجر أكبر وأعظم انتفاضة في التاريخ عام 78 وتستمر مشتعلة أكثر من أربعة سنوات...سلاحها الحجر الفلسطيني الذي صنع من ترابها وطينها...وهزم الدبابة الاسرائيلية...وأذل الجندي الصهيوني, هذا الحجر وهذه الانتفاضة التي وحدت الشعب الفلسطيني من أقصاه الى أقصاه في معزوفة نضالية وصل لحنها الى آفاق العالم...بعد أن ظن الاحتلال أن الثورة الفلسطينية قد دخلت طور الأفول.
ولا بتوقف الغزاة عن ثأرهم لمقاومة غزة...لتبدأ الانتفاضة الثانية التي برهنت أن شعب فلسطين هو الرقم الصعب في المعادلة.
وفي العام 2005 يذهب المارون عن غزة...حاملين معهم وعلى أكتافهم كل أوهامهم وأحلامهم...وبقايا مستعمراتهم وأحزانهم...وهزيمتهم...لتبقى "مواصي غزة" هي التاريخ المكتوب...وهي رمز الخلود.
تأبى غزة أن تنزوي أو تستكين...وتصر على حمل إرث المقاومة دفاعاً عن شعبها وكرامتها وحريتها, وتتعملق عام2008-2009 في جولة حرب جديدة مع الغزاة الصهاينة وتخرج منها أقوى وأمضى إرادة, رافعة علم فلسطين على كل شبر من أرض غزة.
وها هي اليوم غزة التي نعرفها....تحمل على كاهلها قدرها المحتوم...تحمل استحقاق التاريخ عن الأمة كلها...واستحقاق الحياة والمستقبل, هي الربيع العربي الذي يزهر...هي الربيع الذي يثمر.
وبعد.... أيها العربي..هل تعرف اكثر عن غزة؟؟ هل تعرف كم مساحة غزة؟؟ كم عدد سكانها؟؟ وهل تعرف طول حدودها مع الاحتلال؟؟ هل تعرف أن مساحتها لا تزيد عن 365كم مربع...أي ان فلسطين اكبر منها بـ 74 مرة..هل تعرف أن سيناء أكبر منها بـ 167 مرة..وأن الجولان أكبر منها بـ 4 مرات...وأن الوطن العربي اكبر بـ اربعة آلاف مرة...!!!
وهل تعرف أن عدد سكانها مليون ونصف نسمة...وأكثر قطعة أرض في العالم بها كثافة سكانية...وأن سكان الوطن العربي يزيدون عنها بـ 245 مرة؟؟...وهل تعرف أن حدود غزة مع فلسطين المحتلة لا تتجاوز خمسة وأربعون كم.
بينما حدود مصر مع فلسطين المحتلة 210كم...وحدود الأردن مع فلسطين 360كم وحدود لبنان مع فلسطين المحتلة 70كم...وهل تعرف أن الساحل الفلسطيني يبلغ 230 كم....
وبعد مرة اخرى...هل عرفت يا اخي العربي أن غزة هي أكبر من الأمة.
الكاتب : أبو علي حسن *
* عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
17/11/2012