لم تُخفِ الصحافة الإسرائيلية قلقها من تطورات حرب «عمود السحاب»، فأشارت في صحيفة «معاريف» إلى «معضلة نتنياهو» وفي «يديعوت أحرونوت» إلى الضغط الذي يمارسه الرئيس الأميركي باراك أوباما من أجل وقف الحرب.
لم تُخفِ الصحافة الإسرائيلية قلقها من تطورات حرب «عمود السحاب»، فأشارت في صحيفة «معاريف» إلى «معضلة نتنياهو» وفي «يديعوت أحرونوت» إلى الضغط الذي يمارسه الرئيس الأميركي باراك أوباما من أجل وقف الحرب. وأظهرت التعليقات أن التأييد الذي يبديه الجمهور الإسرائيلي للحرب «محدود الضمان» وأن لا أحد، كالعادة، يستطيع معرفة نتائج الحرب إذا ما طالت.
وربطت «معاريف» ما اعتبرته «معضلة نتنياهو» بما سبق لرئيس الحكومة الإسرائيلية في حملته الانتخابية العام 2009 أن أعلنه، وهو أن السبيل الوحيد لوقف النار من غزة يكمن في تدمير حكم حماس. وأشارت الصحيفة إلى أن قرار الإطاحة بحكم حماس بات بيده، لكنه «ليس معنياً حقا بعملية برية تزهق أرواح الجنود ونتائجها ليست واضحة». ورأت أن «نتنياهو يستخدم الآن تهديد العملية البرية في غزة استخداماً مشابهاً لذاك الذي اتبعه في التهديد بقصف منشآت النووي في إيران، فإعادة احتلال القطاع لا يبدو خياراً مريحاً لأنه على مر السنين تعززت في القطاع محافل متطرفة من شأنها أن تستولي على الحكم فيه إذا ما انهارت حماس بالفعل».
وبحسب «معاريف» فإن نتنياهو، إذا كان خائفاً، ويقول ذلك، «فإنه يخرج مرة أخرى الأرنب الدائم من القبعة، سلاح التهديد الذي ينجح حالياً على الأقل في إثارة المخاوف العميقة لدى الجميع. وعليه فإنه وبواسطة سلسلة من الحجج المقنعة جداً يحاول أن يجنّد جميع الجهات الدولية ذات الصلة كي تؤثر على حماس للتعهد بأن توقف في المرحلة الأولى نار الصواريخ على إسرائيل، وعندها الدخول في مفاوضات طويلة على الشروط المختلفة. وفي مثل هذه الحالة، يمكنه منذ الآن أن يعرض إنجازاته للناخبين بعد شهرين».
وبعد أن تعرض «معاريف» لمحدودية الفائدة الانتخابية لنتنياهو من عملية محدودة كهذه، ترى أنه «من أجل تحويل التهديد بعملية برية إلى واقع، ثمة حاجة لإخراج مسرحية كاملة ومقنعة، تكون في لحظة الحقيقة قادرة على أن تخرج من قاعة المسرح إلى العالم الحقيقي. ولذلك أُقرّ تجنيد 75 ألف جندي احتياط متحفزين في مواقع مختلفة في الجنوب استعداداً لتلقي الأمر بالدخول إلى غزة».
وتحت عنوان «ثمن الحذر» كتب يوسي يهوشع في «يديعوت» قائلاً إن «إسرائيل انطلقت إلى حملة «عمود السحاب»، فيما أحد أهدافها هو استعادة قوة الردع. غير أن محافل في الجيش الإسرائيلي تخشى من أن يفضي الحذر النسبي الذي ينتهجه الجيش في القطاع إلى نتيجة معاكسة، فيمس بقوة الردع حيال منظمات الإرهاب التي تعمل تحت رعاية السكان: حماس وحزب الله».
ولاحظ يهوشع أن العدد قليل نسبياً من الضحايا المدنيين (قبل أن يرتفع العدد أمس) وأن ذلك يشير إلى «تغيير هائل مقارنة مع «الرصاص المسكوب»، حيث أنه في ضربة الافتتاح فقط بلغ 270 قتيلاً». ونقل عن الجيش الإسرائيلي قولهم إن «النشاط الجراحي» يسمح لإسرائيل بأن تعمل في القطاع من دون أن تتعرض تقريباً لضغط دولي، ومن دون أن تتعرض لانتقاد قانوني على نمط تقرير غولدستون، ولكنهم حذروا بأن لذلك ثمناً أيضاً. فالتخوف في الجيش هو أن تبدّد حملة «عمود السحاب» هباءً «عقيدة الضاحية» من حرب لبنان الثانية، والتي تقضي بأن يتم الرد على النار من منطقة مأهولة بنار غير متوازنة».
وينقل يهوشع عن المؤسسة الأمنية اعتقادها بأنه مع التخلي عن فكرة «رب البيت جنّ جنونه»، فـ«من المتوقع لحماس أن تأتي إلى الاتصالات لوقف النار برأس مرفوع نسبياً. الوضع، من ناحيتها غير لطيف، ولكنه أيضاً ليس فظيعاً. في الجيش الإسرائيلي يخشون من أن يكون «حزب الله» ينظر من الشمال إلى تسلسل الأمور، ويفهم بأنه في المرة المقبلة ستكون له أسباب أقل بكثير للقلق. غير أن في الجيش يوجد من يردّ هذه المزاعم، حيث يهدئ الروع مسؤول كبير في الجيش الإسرائيلي قائلا «غزة ليست لبنان». وواضح أن العالم سيعطي اعتماداً أكبر لحرب في لبنان، ولكني لا أنصح أحداً أن يجربنا. «عقيدة الضاحية لا تزال سارية المفعول».
أما ناحوم بارنيع فكتب تحت عنوان «الخوف والحساب»، أنه لا يمكن فهم ما يجري بين حماس وإسرائيل من دون العودة إلى نهاية حرب لبنان الثانية العام 2006، حيث اتُخذ القرار 1701 واختلفت التفسيرات بشأنه حول إنجازات كل طرف. وكانت العبرة بعد ست سنوات أن ما ضمن الهدوء هو تدمير الضاحية وخسائر «حزب الله». ورأى أن ما حفظ الهدوء باختصار كان الخوف من إسرائيل.
وشدّد بارنيع على أمل قيادة الجيش الإسرائيلي في تكرار الأمر مع حماس أيضاً، «بحيث تتجه قيادة المنظمة العليا بعد انتهاء خطابات النصر – خطب خالد مشعل خطبته والآن دور هنية – لمراجعة وضعها. تدرس الخسائر في المستوى القيادي والحربي من الجعبري وما دون؛ وتدرس مستودعات الصواريخ والقذائف الصاروخية ومنصات الإطلاق التي خلت، والزمان المطلوب لكي تمتلئ من جديد؛ ومنشآت السلطة ورموزها التي تم تدميرها وتأثير العملية في صورة حماس في نظر نفسها وفي نظر السكان. سيختفي الباعث على تجديد إطلاق النار أشهراً بل ربما سنوات، ويُسمون هذا الخوف ردعاً».
واعتبر بارنيع أن المشكلة تكمن في أنه سيمرّ زمن إلى أن تستوعب حماس الضربة التي تلقتها، وفي هذه الأثناء ستُلقى خطب في القاهرة، وتُنظم مسيرات انتصار في غزة، وتواجه حكومة إسرائيل ناخبيها من دون إنجاز محسوس تلوّح به. ان استقرار رأي الحكومة على بدء عملية عسكرية كان بريئاً من اعتبارات الانتخابات. والذي يتهم نتنياهو بهذه التهمة يخطئ باتهام باطل. لكن الحيرة المتعلقة بالخروج مصابة بتقديرات سياسية أيضاً».
عموماً أشار بارنيع إلى أن «حكومة إسرائيل التزمت بشيئين بصورة احتفالية وهما عدم إجراء تفاوض مع حماس وإسقاط نظامها. وهي تتراجع عنهما في واقع الأمر. لو أن التفاوض الذي يجري الآن بوساطة مصر أفضى إلى تهدئة طويلة في الجنوب أو ربما إلى اعتراف متبادل ومصالحة لقلنا ليكن. لكنه تفاوض فارغ يقوم على عرض كاذب وكأن إسرائيل لا تجري تفاوضاً مع حماس».
ومن الجائز أن الخشية من إثارة هذا الانطباع دفعت المعلقين في «إسرائيل اليوم»، المقربة من حكومة نتنياهو، لمواصلة التهديد. وهكذا كتب بوعز بسموت مطالباً الناس بأن تفهم أنه «وضعت لعملية «عمود السحاب» منذ أول يوم أهداف محدودة. لم يعِد أحد بإسقاط نظام حماس في غزة، ولم يعِد أحد أيضاً بغزو بري لغزة. وكان الالتزام بإعادة الهدوء إلى بلدات الجنوب. وقد أُحرزت الأهداف الرئيسة في اليوم الأول بعد اغتيال الجعبري والإصابة الشديدة لصواريخ حماس بعيدة المدى، وكان من الصعب على الرئيس أوباما وزعماء أوروبا ألا يؤيدوا عملية في نطاقها الحالي». وأوضح أن تل أبيب حصلت على ضوء اخضر لكنها لم تحصل على شيك مفتوح. وحتى لو كانت الشرعية الدولية لعملية «عمود السحاب» مشروطة فإنه ما يزال من الممكن تلخيصها بالنسبة لإسرائيل بضوء إيجابي.
واعتبر بسموت أنه «كان واضحاً من أول يوم في العملية أن معسكرين يعملان في العالم على التوازي: الأول برئاسة أوباما والثاني برئاسة الرئيس المصري محمد مرسي. وقد قاد أوباما الغرب الذي أيّد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، أما مرسي فقاد الخط الذي طلب تقليص الأضرار في غزة وإيجاد مخرج لحماس. ومن حظ اسرائيل الكبير أن معسكر أوباما هو الذي يُملي الموقف على معسكر مرسي. وعلامة السؤال الكبيرة هي ما مبلغ إصغاء معسكر حماس لمرسي في الحقيقة».
وخلص بسموت إلى «أن الامتناع عن عملية برية سيجعل نتنياهو يحظى بنقاط عند الرئيس أوباما. وهكذا يبدأ الرئيس الأميركي، الذي تلقى كثيراً من النقد بسبب سياسته في الشرق الأوسط، ولايته الثانية برجله اليمنى، فأوباما لا يتدخل فقط بل يؤثر أيضاً. وقد ألزمت عملية «عمود السحاب» مرسي بإيجاد قناة تحادث مع حكومة نتنياهو حتى لو كانت سرّية ومحدودة. يجب أن نتذكر أن مرسي لم يوافق حتى بدء العملية حتى على ذكر اسم اسرائيل». وأنهى بالقول إن «حماس هي التي اختارت وقت العملية ويجب على اسرائيل أن تختار موعد النهاية».