تجلس مجموعة من القياديين في حركة 14 آذار أمام شاشات الفضائيات العربية، بعد أن تابعوا الثورتين التونسية والمصرية، يحاولون اليوم الاستمتاع بما يجري في البلدان المجاورة، وأولها سوريا.
نادر فوز
تجلس مجموعة من القياديين في حركة 14 آذار أمام شاشات الفضائيات العربية، بعد أن تابعوا الثورتين التونسية والمصرية، يحاولون اليوم الاستمتاع بما يجري في البلدان المجاورة، وأولها سوريا. يعود بهم الحنين سنوات إلى الوراء، يوم كانوا يحاولون القيام بالفعل نفسه – ولو لمنطلقات وأهداف مختلفة – في ساحة الشهداء وسط بيروت. يقارنون هذه الساحة بتلك وهذا الظرف بآخر، كما لو أنهم يحاولون إعادة عيش تلك التجربة التي تبيّن مع الوقت أنهم خرجوا منها خاسرين.
لم تفهم قيادة 14 آذار حتى اليوم لماذا يضحك التونسيون والمصريّون عندما يسمعون تشبيه ما جرى في القاهرة وتونس العاصمة بانتفاضة الاستقلال 2005. وأكثر ما يثير سخرية الثوار العرب أنه في ثوراتهم لا وجود لوليد جنبلاط وأمين الجميّل وسعد الحريري. ففريق ثورة الأرز لم يفهم أنّه في مصر وتونس، خرج الناس ضد الظلم وللمطالبة بالحرية والطعام والشراب وكرامة المواطن، فأحرجوا الجميع من قيادات أحزاب ومسؤولين وسفراء ووزراء خارجية عرب وغربيين، بينما ثورة الأرز أول ما رفعته بعد نيلها حريّة التظاهر وملء ساحة الشهداء، إسقاط سلاح حزب الله ومحاسبة النظام السوري.
ولم يدركوا أنّ أهم الفوارق بين الحالتين، يكمن في كون مصر وتونس أجبرتا الغرب على تبنّي خطاب الناس، فيما الشعارات الأميركية الداعية إلى الحرية والديموقراطية أسقطت من السماء على جمهور 14 آذار عام 2005. بمعنى آخر، حالة ثورة الأرز ارتبطت بالمشروع الأميركي وزالت مفاعليها مع تغيير سياسة واشنطن في المنطقة، أما ثورتا مصر وتونس فماضيتان في الإصلاحات التي وعدتا بها بغض النظر عن الوجه والشكل السياسيين اللذين قد تتّخذانهما بوصول هذا الطرف أو ذاك إلى الحكم.
كل هذا قد يحمل تقويلات واختلافاً في وجهات النظر، لكن ما يمكن أن يحسم الأمر هو اعتبار قسم كبير من قيادة 14 آذار أنها «أخذت نفساً نتيجة الثورات العربية»، باعتبارها «ردّة رجل» أميركية على المنطقة. الأهم هو اعتقاد بعض قياديّي ثورة الأرز أنّ المشروع الأميركي في المنطقة عاد بقوة وثبات، وأنّ الثورات والانتفاضات والانقلابات الحاصلة في المعمورة هي منطق «الدومينو» الذي يتحدث عنه الأميركيون منذ 2004، وحتى قبله أثناء اجتياح العراق. وكل هذا الحراك في البلدان العربية، بحسب عدد من قياديي 14 آذار، يمثّل وجهاً جديداً من مشروع «الفوضى البنّاءة» أو «الخلاقة»، الذي سيعطي العرب، ولو بعد حين، الحرية والديموقراطية والعيش الكريم ويسمح لهم بالقضاء على الديكتاتوريات التي تحكمهم منذ عقود.
تبنّي فريق الأكثرية السابقة ثورة مصر يدفع عدداً من القياديين فيها إلى سؤال عن أسباب إلغاء رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري، زيارته لمصر التي كانت مقررة بعد أيام. يجيبون: «لأسباب تكتيكية، لا يريد كل من الحريري وقيادة الثورة المصرية إعطاء هذا الطابع السياسي للثورة خصوصاً في هذه المرحلة الانتقالية».
تتناقل المجالس الأكثرية هذه النظرية، فتُفرح بعض الوجوه وتقلق أخرى. في الشكل، قد يكون المتفائلون في 14 آذار على صواب، إذ إنّ الشعوب العربيّة باتت مشغولة بقضاياها الداخلية. لكن في المضمون، يغيب عن بال هؤلاء المتفائلين أن الأميركيين ليسوا هم من افتعل هذه التحركات الشعبية، وأنّ البلدان التي تصيبها عدوى الثورات – باستثناء سوريا – هي بلدان كانت موالية خارجياً لواشنطن. وبذلك، لا يجوز تفسير ما يجري بصفته إحلالاً للفوضى في البلدان غير الصديقة للولايات المتحدة.
يرفض متفائلو 14 آذار النظر إلى ما يجري سوى بصفته «مشروع بوش»، وهو يتحقق لكن «بهدوء وبطريقة أكثر نعومة». قد يكون هذا الفريق على صواب، لكن ما يجري تسويقه في هذه المجالس، يدل على أمر هو أن مشروع 14 آذار في الداخل لا يمكن أن ينجح سوى بتعويله على انتصارات حلفائه في المنطقة. وبطريقة أخرى: مرحبا لبنان أولاً.
وجود هذا الفريق من الأكثريين الذين بدأوا يعدّون العدةّ لانتصار حالم جديد، لا يمنع زملاء لهم من قراءة الواقع بطرق مختلفة ذات بعد إنساني. فضمن هذا الفريق، يساريون لم ينتسبوا يوماً إلى حزب، كل ما يرونه في مصر وتونس «سقوط جدار الديكتاتورية، وخروج الشعوب العربية إلى النور ومطالبتها، أسوة بغيرها من الشعوب، بالقليل من الحياة». لا ينظر هؤلاء الأكثريون اليساريون إلى وجود توجيه أيديولوجي أو ديني لما يحصل في المنطقة، فيحملون عبارة «اتركوا المصريين والتونسيين في ثورتيهم»، ويدورون على المجالس مستنكرين الشوفينية الـ14 آذارية التي تدّعي النصر ولو في الصين.