خرج وزير الدفاع الفرنسي (جيرار لونغيه) في تصريح يبشر فيه الليبيين والعرب والعالم بطول أمد الحرب الدموية التي تشهدها ليبيا حاليا. وكما هو معلوم للجميع، فإن لفرنسا الدور الأكبر في التدخل الدولي الذي أجج
خرج وزير الدفاع الفرنسي (جيرار لونغيه) في تصريح يبشر فيه الليبيين والعرب والعالم بطول أمد الحرب الدموية التي تشهدها ليبيا حاليا. وكما هو معلوم للجميع، فإن لفرنسا الدور الأكبر في التدخل الدولي الذي أجج هذا الصراع القائم حاليا في ليبيا. وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد وعد عند بداية التدخل الفرنسي والدولي أن تكون حربا سريعة ونظيفة لإنقاذ الشعب الليبي من مجازر كتائب القذافي. لماذا هذا التصريح لوزير الدفاع الفرنسي وفي هذا الوقت بالتحديد؟
يرجع العارفون بخفايا وكواليس الحكم في فرنسا أن تصريحات (لونغيه) هي صدى قوي لما كان قاله وزير الخارجية الفرنسية (ألان جوبيه) في نهاية شهر آذار الماضي حول حرب طويلة في ليبيا. ويعزو العارفون هذا التصريح إلى تقارب بين وزير الخارجية ووزير الدفاع في خلاف داخلي في السلطة الفرنسية حول الآلية والشكل التي قرر بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي زج فرنسا في حرب ضد القذافي، فضلا عن عدم رضا وزير الخارجية الفرنسي ووزير الدفاع أيضا عن الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع الوضع العسكري على الأراضي الليبية.
فوزير الخارجية الفرنسي الذي لم يمضي شهر على توليه منصبه، لم يقبل لحد اليوم الإهانة التي يعتبر انه تعرض لها من قبل رئيس الجمهورية (نيكولا ساركوزي) الذي قرر التحرك في ليبيا بناء على زيارة قام بها لقصر الإليزيه أعضاء في المجلس الانتقالي المؤقت في بنغازي برفقة الكاتب اليهودي برنارد هنري ليفي، حيث تبلغ جوبيه أخبار الإجتماع هذا والاعتراف الفرنسي بالمجلس أثناء وجوده في بروكسيل بتاريخ 11 آذار الماضي، وكادت هذه الأزمة تؤدي إلى استقالة جوبيه من الحكومة الفرنسية. وقد نقلت الصحف الفرنسية تفاصيل كثيرة حول غضب جوبيه الذي قال للرئيس ساركوزي (هذه أول وآخر مرة يا نيكولا، في حال حصول حادث من هذا النوع مرة أخرى سوف أغادر). وقال جوبيه أيضا في حضور بعض المسؤولين الفرنسيين ان ساركوزي أصبح "ميتراني" في إشارة الى الرئيس الفرنسي السابق (فرانسوا ميتران) الذي كان معروفا بتخطيه وزراء خارجيته وتجاهلهم في الكثير من مواقفه السياسية الخارجية.
هذا التجاهل للخارجية ينطبق على وزارة الدفاع التي فوجئت أيضا بقرار ساركوزي التدخل بهذه القوة في ليبيا، وقد تشابك هذا الصراع الداخلي الفرنسي، مع المواقف من الحرب الدائرة في ليبيا، خصوصا وأن جوبيه المعروف بمواقفه الحذرة من كل ما هو أميركي، بدا يشعر بالملل من ما يسميه التلاعب الأميركي في ليبيا وعدم وضوح ما تريده إدارة اوباما في هذا البلد. في نفس الوقت وخلافا لما كان يتوقعه ساركوزي، لم يؤدي التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا إلى ارتفاع كبير في شعبيته المتهاوية، إلا من بضعة نقاط يتيمة ما لبث أن فقدها بسبب طول الحرب والخلافات التي تعصف بين الدول الأوروبية حول التدخل العسكري هناك، فضلا عن شعور الفرنسيين أنهم وقعوا مرة أخرى ضحية الحليف الأميركي الذي يعمل لمصالحه أولا وأخيرا.
الآن وبعد انتهاء مفعول نشوة النجاح بفرنسا في إزاحة (لوران غباغبو) في ساحل العاج عبر التدخل العسكري، يعود الواقع الليبي إلى الواجهة، خصوصا في مجال التمويل الذي يبدو انه محل نقاش كبير بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تمر بها فرنسا جراء الأزمة الاقتصادية والنقدية العالمية، وعدم نجاح كل مشاريع الانتعاش الاقتصادي العالمي فضلا عن قرب انهيار الأوضاع في عدة بلدان تعتمد اليورو حيث أتى دور البرتغال بعد أزمة اليونان الشهيرة، وهذا الموضوع اشار إليه وزير الدفاع الفرنسي عندما قال أن الميزانية المخصصة للأعمال العسكرية الخارجية تقدر بـ 900 مليون يورو بينها 500 مليون يورو سوف تعوضها الأمم المتحدة على فرنسا، ونحن لحد الآن لا نزال ضمن هذا المبلغ، مضيف أن كل شي متعلق بطول الحرب في ليبيا بالتأكيد.