29-11-2024 04:44 AM بتوقيت القدس المحتلة

استشهاد الامام الحسین (ع) في الأدب الأندلسي

استشهاد الامام الحسین (ع) في الأدب الأندلسي

ونبادر الی نقل وصف المآتم الحسینیة فی الأندلس علی لسان ابن الخطیب کما ذکر فی کتابه المخطوط بجامعة القرویین، حیث قال : (لم یزل الحُزن متصلاً عل

الإمام الحسين كما تصوره روايات الأدبقبل أن نقدم نماذج من أشعار الشعراء الاندلسيّين نشير الي مخطوط أثري لکتاب مهم في هذا الميدان وهو موجود في جامعة القرويّين، واسمه: (اِعلام الأعلام فيمن بويع بالخلافة) ومؤلّفه: (لسان الدين الخطيب)، وذکر فيه عادات الأندلسيين في ذکري استشهاد الأمام الحسين عليه ‏السلام من التمثيل بأقامة الجنائز وانشاد المراثي، وذکر أنَّ هذه المراثي کانت حسينية.
(المصدر/ شبر، السيد جواد، أدب الطف أو شعراء الحسين عليه‏السلام ، طبع بيروت، ج 4، ص 11)

 ونبادر الي نقل وصف المآتم الحسينية في الأندلس علي لسان ابن الخطيب کما ذکر في کتابه المخطوط بجامعة القرويين، حيث قال :
(لم يزل الحُزن متصلاً علي الحسين، والمآتم قائمة في البلاد يجتمع لها الناس ليلة يوم قتل فيه ـ أي ليلة عاشوراء ـ ولاسيما بشرق الأندلس، يقيمون رسم الجنازة في شکل من الثياب ويُحتَفل بالأطعمة والشموع، ويُوقَدُ البخور، ويُجلَب القرّاء ويُتَغنّي بالمراثي الحسينية، وبقية من هذا لم تنقطع بعد).
( المصدر/ شبر، السيد جواد، أدب الطف أو شعراء الحسين عليه‏السلام ، طبع بيروت، ج 4، ص 11/ كذلك مجلة العرفان اللبنانية، مجلد 59 )... فمن أبرز وأشهر الاندلسيين الذين رثوا الامام الحسين عليه‏السلام .. :

أولاً:
احمد بن درّاج القسطلي، وکان من الشعراء الافذاذ في الأندلس خلال القرن الخامس الهجري، وکان معاصراً لآل «حَمّود» وهم من السادة الأدارسة الحسنيين في الأندلس، وقد نظم قصيدة أشار فيها الي ما عاناهُ أهل البيت عليهم‏السلام من مصائب ورزايا، وقال الناقد المشهور ابو الحسن علي بن بسام في کتابه : «الذخيرة» عن تلک القصيدة الغراء :
 (قصيدة طويلة وهي من الهاشميّات الغرّ، لو قَرَعت سَمْعَ دعبل بن علي الخزاعي والکميت بن زيد الأسدي لأمسکا عن القول، بل لو رآها السيد الحميري وکثير ـ عزّة ـ لأقاماها بيّنة علي الدعوي، وتبدأ هذه الصيدة ببکاء شجي، بکاء تجهش به قلوب الشيعة في کُلِّ مکان.
( المصدر/ الأمين، حسن، دائرة المعارف الاسلامية الشيعية، طبع دار التعارف، بيروت، سنة 1393هـ.ق، ج 4، ص 24 ).

الإمام الحسين عليه السلام في أرض كربلاءيقول هذا الشاعر الأندلسي في قصيدته التي تزيد علي سبعين بيتاً مشيراً الي الحسين والي آل رسول اللّه‏ ص :
الي الهاشميّ الي الطالبي الي الفاطميّ العطوف الوصول
الي ابن الوصيّ الي ابن النبيّ الي ابن الذبيح الي ابن الخليل
فأنتم هُداةُ حياة وموت وأنتم أئمة فِعلٍ وقيل
وسادات من حلَّ جناتِ عدنٍ جميع شبابِهِمُ والکهول
وانتم خلائف دنيا ودين بحکم الکتاب وحکم العقول..
( المصدر/ الأمين، حسن، دائرة المعارف الاسلامية الشيعية، طبع دار التعارف، بيروت، سنة 1393هـ.ق، ج 4، ص 24).

 ثانياً:
أبو البحر صفوان بن ادريس التجيبي المرسي، وهو من شعراء القرن السادس الهجري، وقد ذکره أحد أعلام الفکر في القرن الثامن الهجري وهو لسان الدين بن الخطيب، وقال المحقّق المعاصر حجة الاسلام والمسلمين السيد جواد شبّر النجفي في کتابه القيّم : «أدب الطف» :
 ( أفادنا ابن الخطيب وعَرَّفنا بأحد شعراء الشيعة في الأندلس، الذي اشتهر برثاء سيدنا الحسين عليه‏السلام وهو ابو البحر صفوان بن ادريس التجيبي المرسي (561 ـ 598)، وهذه القصيدة منه کانت مشهورة ينشدها المسلمون وهي :
سلام کأزها الربي يتنسَّمُ علي منزل منه الهُدَي يتعلَّمُ
علي مصرعٍ للفاطميّين غُيِّبَتْ لأوجهِهِم فيهِ بُدورٌ وأنجُمُ
علي مشهدٍ لو کُنتَ حاضرَ أهلِهِ لعايَنتَ أعضاءَ النبيِّ تُقَسَّمُ
علي کربلا لا اَخلَفَ الغيثُ کربلا والاّ فأنّ الدمعَ أندي وأکرَمُ
مصارع ضجّت يثربٌ لمصابها وناحَ عليهِنَّ الحطيمُ وزمزمُ
ومکةُ والأستارُ والرکنُ والصَّفا وموقفُ جمعٍ والمُقامُ المُعظَّمُ
وبالحَجَرِ الملثومِ عنوانُ حَسرةٍ ألستَ تراهُ وَهْوَ أسودُ أسْحَمُ
وروضةُ مولانا النبيِّ محمدٍ تَبدّي عليها الشکلُ يَومَ تَخَرَّمُ
ومنبرُهُ العلويُّ والجذاعُ أعوَلاعليهِمْ عويلاً بالضمائرِ يُفهَمُ
ولو قَدَّرَتْ تلک الجماداتُ قَدرَهُمْلَدُکَّ حراءٌ واستُطيرَ يُلَمْلِمُ
وما قدرُ ما تبکِي البلادُ وأهلُهالآلِ رسولِ اللّه‏ والرزءُ أعظَمُ
لو أنَّ رسولَ اللّه‏ يحيي بُعَيْدَهُمْرأي ابنَ زيادٍ اُمُّهُ کيفَ تُعقَمُ
وأقبلتِ الزهراءُ قُدّسَ تُربُهاتُنادي أباها والمدامعُ تُسْجَمُ
سقوا حسناً بالسمّ کأساً رويةًولم يقرعوا سناً ولم يتندَّمُوا
وهم قطعوا رأسَ الحسين بکربلاوکأنَّهم قد أحسنوا حينَ أجْرَمُوا
وأسرُ بنيهِ بعدَهُ واحتمالُهمکأنَّهُمُ من نسلِ کسري ويُغنَمُوا
ونقُر يزيدٍ في الثنايا الّتي اغتدَتْثناياکَ فيها أيُّها النورُ تَلثِمُ
هُمُ القومُ أمّا سعيهم فَمُخَيَّبٌمَضاعٌ وأمّا دارُهم فَجَهنَّمُ
قِفوا ساعدونا بالدموع فأنَّهالَتصغُرُ في حقِّ الحسينِ ويَعظُمُ
ومهما سمعتم في الحسين مراثياًتُعبِّرُ عن محضِ الأسي وتُتَرجِمُ
فمُدّوا أکفّاً مُسعَدينَ بدعوةٍوصَلُّوا علي جَدِّ الحسينِ وسَلِّموا.
( المصدر/ شبّر، السيد جواد، أدب الطف أو شعراء الحسين عليه‏السلام ، ج 4، ص 11 وص 12 وص 13 / و اعلام الأعلام، لابن الخطيب، وهو مخطوط في جامعة القرويين، ص 37 و38 ).

ثالثاً:
الجراوي وهو من شعراء دولة الموحّدين الحسنية التي تأسَّست في القرن الخامس الهجري في المغرب، ثم امتدَّت الي الأندلس، وقال المحقّقُ اللبناني المعاصر الاستاذ حسن الأمين في دائرة المعارف الاسلامية .. عن الشاعر الجراوي :
(ومن قصائده ملحمة في رثاء الحسين عليه‏السلام وهيء تختلف عن تلک المراثي التي تعرفها الشيعة، تُقرَأُ صبيحةَ يوم عاشوراء) .
( المصدر/ الأمين، حسن، دائرة المعارف الاسلامية الشيعية، طبع دار التعارف، بيروت، سنة 1393هـ.ق، ج 3، ص 324 ).
وجاء فيها :
 أقولُ لحزنٍ في الحسين تأکّدا تَملَّکْ فؤادي مُتهِماً فيه مُنجِدا
 ولو غيرُ هذا الرزء راح أو اغتديلناديتُهُ قبلَ الوصولِ مُردّدا
 عقرتُ بعيري يا امرأ القيس فانْزِلِ
 ورکبٌ اذا جاراهُمُ البرقُ يَعثَرُ تذکَّرتُ فيهِمْ کربلا فَتَحيَّروا
وغيداءُ لا تدري الأسي کيف يَخطُرُ بَثثتُ لها ما کنتُ بالطفِّ اَضمرُ
فألهيتُها عن ذي تمائمَ مُحوِلِ
أيا فاساً قادّر الغُرورُ شکائمَهْ فأوردَ في صدرِ الحسينِ صوارِمَهْ
تَهيَّأ ليومِ الحشرِ تَجرَعْ علاقِمَهفما لکَ مَنجيً من خصومةِ فاطِمَه
وما ان أري عنک العمايةَ تنجلي

رابعاً :
الإمام الحسين في معركة كربلاءمحمد بن هاني الأندلسي الذي تحدث عنه المحقق المعاصر العلامة الشيخ الأميني في کتابه الخاص بالشهداء .( المصدر/ شبر، السيد جواد، أدب الطف أو شعراء الحسين عليه‏السلام ، طبع بيروت، ج 4، ص 11/ كذلك مجلة العرفان اللبنانية، مجلد 59 ).
ويقول العلامة الأميني رحمه‏الله في کتابه الخاص بشهداء الفضيلة إنَّ الشاعرَ ابن هاني الاندلسي استشهد بأيدي اعداء اللّه‏ في 23 رجب سنة 362 رضوان اللّه‏ عليه، وعلي جميع شهداء الفضيلة وعشاق الحسين عليه‏السلام في کلّ زمان ومکان.

خامساً :
ناهض الوادي الاندلسي وهو من شعراء القرنين السادس والسابع، وقد ورد ذکره في کتاب (نفح الطيب) لابي العباس المقري الذي يُعَدُ مصدرنا الفريد عنه ـ والمؤلف ـ اکتفي بذکر اسمه ونسبه دون تطويل، وأثبت نصّ قصيدته في رثاء الحسين عليه‏السلام دون تعليق کما ذکر سنة وفاته ومکانها ولم يزد شيئاً... ـ وقد ـ توفي رحمه‏الله سنة 615هـ ببلدة وادي آش، وبذلک يکون معاصراً لمجموعة من أدباء عصره الذين عاشوا خلال القرنين السادس والسابع للهجرة، واشترکوا معه في الموضوع نفسه وهو بکاء سيد الشهداء الحسين بن علي شعراً أو رجزاً أو نثراً وتأليفاً وکانوا حلقة وصل بينهم وبين غيرهم...
 ومنهم علي سبيل المثال السلطان النصري الشاعر يوسف الثالث من ملوک بني الأحمر، فقد ضمَّ ديوانه قصيدتين في رثاء الحسين والتعبير عن الولاء لآل البيت عليهم‏السلام ...


واما ملوک بني الأحمر الذي نظم أحدهم وهو يوسف الثالث قصيدتين في رثاء الامام الحسين عليه‏السلام فهم آخر أسرة إسلاميّة حاکمة في الأندلس حکمت غرناطة من عام 1235م والي عام 1492م مؤسسها محمد الغالب (توفي عام 1273م. هـ) الذي بني قصر الحمراء في غرناطة.


واما قصيدة الشاعر ناهض الأندلسي في رثاء الامام الحسين عليه‏السلام فهي تقع في ستة عشر بيتاً علي وزن الکامل ورويّها الکاف المکسورة ويستهلها الشاعر بتساؤل يتوجه به الي حمامة يتصورها باکية مولهة مثله علي غرار شعراء الوجدانيات مثل أبي فراس الحمداني وابن شهيد الاندلسي وابن خفاجة وغيرهم ليستفسر عن سبب بکائها... وقد وفق الشاعر في اختيار السياق العام لصياغة تجربته مستغلاً ما ترمز اليه الحمامة في التراث الشعري العربي قبله من حزن وأسي ولوعة، ولکنه يجعل مصابه فوق مصابها لأنَّه يبکي الحسين قتيل الطفِّ، فرع النبوة الزاکي ويتوعد قاتله بمصيرة المظلم في قعر جهنم... ويبدو الشاعر الاندلسي موفقاً ايَّما توفيق في اختيار معجمه الشعري وحسن توظيفه لمجموعة من الالفاظ ذات الظلال والايحاءات الخاصة مستعيناً في تصوير انکساره بايثار الکسرة لحرف الرويّ وبمناجاة الحمامة التي حاول معرفة حزنها الدفين لعلّه يصل الي اکتشاف سببه معظماً من مصابه لانه فوق کُلِّ مصاب وحين تتأزَّم نفسه يصرّح لها بسرّ معاناته فيقول:
لو کنتِ مثلي ما افقتِ من البکا لا تحسبي شکواي من شکواکِ
ايهٍ حمامةُ خبّريني انّني أبکي الحسينَ وأنتِ ما أبکاکِ؟


الإمام الحسين في أرض معركة كربلاءوقد کتب الباحث المغربي علي الغزيوي الذي يدرس الأدب الأندلسي في جامعة سيدي محمد في مدينة فاس في المملکة المغربية کتب بحثاً مهيا عن هذه القصيدة الغراء في مجلة النور التي تصدر في لندن في عدد جمادي الثانية سنة 1421هـ.ق، وذکر في بحثه :
ان هذه القصيدة متنوعة الاساليب، ما بين الخطاب الذي هيمن علي معظم أبياتها الاولي في شکل تساؤل، من الحمامة، والبوح الذي يتلو ذلک بما فيه من وصف وتصريح بالصور المفزعة الدامية لمقتل الشهيد الحسين فرع النبوة وکيف تعفّر ومُزّقت اشلاؤه عدواناً وظلماً... ـ ففي القصيدة ـ رقة في العاطفة وحرارة في الأحاسيس وصدق فني وانسياب وتلقائية في العبارة ومتانة في البناء مع ايمان قوي باحقاق الحقّ والانتصاف من الجُنَاة وهذه متقطفات من تلک القصيدة:
إيهٍ حمامة خبّريني إنَّني أبْکي الحسينَ، وأنتِ ما أبکاکِ؟
أبکي قتيلَ الطفّ فرع نبيّنا اکرمْ بفرعٍ للنبوة زاکي
 ويلٌ لقومٍ غادروهُ مُضرّجاً بدمائه نضواً صريعَ شکاکِ
 متعفِّراً قد مُزّقت أشلاؤهُ فرياً بکل مُهنّدٍ فتّاکِ
 ثم يخاطب الشاعر يزيد قائلاً:
 أيَزيدُ لو راعَيْتَ حُرمَة جَدِّهِ لم تقتنص ليثَ العرينِ الشاکي
 اترومُ وَيْکَ شفاعةً من جَدِّهِ هَيْهاتَ! لا، وَمُدَبِّرِ الأفلاکِ
 ولسوفَ تُنْبَذُ في جَهَنّمَ خالداً ما اللّه‏ُ شاءَ ولاتَ حينَ فکاکِ
 (مصدر القصيدة/ لابي العباس المقري - کتاب نفح الطيب/ ج 5، ص 70 ـ 71).