عيون قضاة العالم، اليوم، على قضاة مصر. عيون قضاة لبنان، أو بعضهم، مشدودة إلى هناك أيضاً. بعضهم يشعر بالغيرة، بعضهم يناقش، وبعضهم في عالم آخر. لماذا في مصر، وتونس أيضاً
مطالبة بضرورة الاهتمام بمعهد الدروس القضائية
محمد نزال
عيون قضاة العالم، اليوم، على قضاة مصر. عيون قضاة لبنان، أو بعضهم، مشدودة إلى هناك أيضاً. بعضهم يشعر بالغيرة، بعضهم يناقش، وبعضهم في عالم آخر. لماذا في مصر، وتونس أيضاً، جسم قضائي متّحد ومستقل إلى حد بعيد؟ سؤال يدور في أذهان قضاة لبنانيين، شاهدوا عن كثب، كيف تهشّمت سلطتهم على أيدي السياسيين... وأيديهم.
لو قُدّر لشارل مونتسكيو (1689 _ 1755) أن يعود إلى الحياة اليوم، لأدّى التحيّة إكباراً لقضاة مصر. سيجد الفيلسوف الفرنسي، صاحب نظرية فصل السلطات، في أرض النيل أروع النماذج لنظريته. سيجد قضاة وعوا في ذواتهم، قبل النصوص، أنهم أشخاص سلطة مستقلة تحكم «باسم الشعب». هؤلاء الذين وقفوا في وجه رئيس جمهورية تعدّى على سلطتهم، فيما هم معتادون على مبدأ الاستقلالية القضائية. هم، قبل الرئيس محمد مرسي، وقفوا مراراً في وجه الرئيس محمد حسني مبارك، وقبله أيضاً، وقالوا لا مراراً. بالتأكيد، لا يخلو الأمر من قاض هزيل هنا، أو مسترزق هناك، ولكن العبرة في جسم حافظ إلى حد بعيد على استقلاليته.
من أين يستمد هؤلاء قوتهم؟ كيف لهم الوقوف في وجه متربّع على رأس سلطة تنفيذية، ومعه كل من يأتمر به، من رجال أمن و«بوليس» علني وسري؟ لماذا لا يخافون، ككثير من القضاة في دول أخرى، من البطش والتنكيل بهم؟ هذا ما يسأل عنه الكثير من القضاة اليوم، وتتجه أنظارهم إلى حماة العدالة في أرض الكنانة لفهم سر منعتهم.
أين قضاة لبنان من كل هذا؟ أما من غيرة لديهم من قضاة، لا يزيدون عليهم علماً وفقهاً، قالوا بلسان واحد «لا لتدخل السياسة في القضاء؟» كيف ينظرون إلى أنفسهم، أمام كمّ «الشرشحة» الذي تعرّضت له سلطتهم، خلال السنوات الأخيرة تحديداً، على أيدي السياسيين، بل، وفي أحيان كثيرة، على أيديهم هم أنفسهم؟
في الواقع، تجد، في طرح تلك المقارنة عليهم، أن ثمة ثلاثة نماذج من القضاة اللبنانيين. النموذج الأول، قاض يشعر بالغيرة من قضاة مصر، إلى حد الإحساس بـ«الحرج» أمام نفسه. أكثر من ذلك، يتحدث عن «جرح في الكرامة». هذا الصنف من القضاة، غالباً، وهم قلة، ليسوا ممن اعتاد طرق أبواب السياسيين لكسب رضاهم، وبالتالي التوسّط لهم للوصول إلى المناصب الرفيعة و«المريحة». أما النموذج الثاني، فتجده يناقش، بغير منطق، صوابية ما فعله قضاة مصر. ليس متوقعاً منه سوى ذلك. هو نقيضهم أصلاً. والنقيض سينتقد، دوماً، نقيضه. إنه ممن اعتاد أن يحجّ إلى دور أهل السياسة. يحدثك هؤلاء دائماً عن «الواقعية». تقول لواحد منهم إن البعض يرى في الواقعية شمّاعة، يغطي بها الجبان جبنه، فما رأيك؟ يضحك. تخال أنك أخبرته نكتة... ثم يردّد العبارة الشهيرة: «هلق ما لقيت غيري؟ شو وقفت عليي». وإلى النموذج الثالث من القضاة اللبنانيين. هؤلاء تجدهم في غيبوبة عمّا يدور حولهم، إلى حد أنهم لم يسمعوا أصلاً بما فعله قضاة مصر. سمعوا أن ثمة ما يحصل في مصر هذه الأيام، ولكن: «دخلك شو صاير هونيك بالزبط؟». يسأل ببرودة قاتلة. اسأله عن آخر فضيحة جنسية حصلت في العدلية، ستجده يجيبك عنها، حافظاً تفاصيلها عن ظهر قلب. إنه ممن يسمّون قضاة «الخفة والهزل».
أسباب الضعف والقوة
أحد القضاة، ممن لا يُذكر اسمهم في الإعلام، كان يتابع أحداث مصر الأخيرة لحظة بلحظة. هو ليس من «زبائن» أهل السياسة. يعلم أن التشكيلات القضائية على الأبواب، لكنه لم يقصد أيّاً من أهل السياسة للتوسط له، وبالتالي ينتظر مصيره «أيّاً يكن». ينتعش عندما يُسأل عن الفرق بين قضاء مصر وقضاء لبنان. كأنه كان ينتظر من يسأله لـ«يفضفض» عمّا في صدره. «اسمع، هناك في مصر شيء اسمه نادي القضاة، يجتمع فيه هؤلاء باستمرار ويعبرون عن آرائهم دون ملاحقة من أحد، ما يجعلهم يشعرون بأنهم جسم واحد». بالنسبة إلى قاضينا، هذا من أهم عوامل قوة أي جسم قضائي. في لبنان لا وجود لنادٍ للقضاة، والسبب هو: «قرار غير معلن من السلطة السياسية، منذ عقود، بمنع إنشاء أي مكان خاص لتجمع القضاة خارج إطار العمل». ذات مرّة، حاول رئيس أسبق لمجلس القضاء الأعلى، هو نصري لحود، أن ينشئ نادياً كهذا في لبنان. ماذا حصل؟ الجواب: «لا أعلم... ما عدنا سمعنا شي». أهل السياسة، الذين يدفعون للقضاة رواتبهم إدارياً، يعرفون ماذا يعني أن يشعر القضاة بأنهم مستقلون. سياسيو لبنان يعون، جيداً، بأن القضاء لو نزع الخوف عن نفسه، ونبذ التبعية، لكان حتماً «قسم كبير منهم قد حوكم وعوقب، وبالتالي، ينطبق هنا المثل الشعبي: ما حدا يجيب الدب على كرمه». يتحدث قاضينا بقهر... «ليس لديّ شيء لأخسره». يستغرب كيف يكون هناك ناد للضباط في لبنان، يجتمعون ويتداولون في شجونهم ومعاناتهم المشتركة، ولكن «أن يجتمع قضاة، أكثر من ثلاثة، في مكان غير العدلية... فأنت أسطورة إن استطعت أن تقنع المسؤولين بأن ليس ثمة مؤامرة». لا داعي للحديث عمن يخرج عن طوع السياسيين، لأنه: «سيسحق بكل بساطة، بألف طريقة وطريقة، أبسطها أن يضيق عليه، ثم ينقل إلى مكان عمل جديد، العمل فيه أشبه بالقصاص، ليجد نفسه أخيراً أمام خيارين: إما الصمت وإما الاستقالة».
قاض آخر، ذو درجة عالية، يشرح من وجهة نظره أسباب ضعف القضاء اللبناني، بالمقارنة مع القضاء المصري. يكره جداً عبارة «موجب التحفط». هذه العبارة التي تمنع القضاة، بحسب القانون، من إفشاء سر المذاكرة والحفاظ على كل ما يأخذ طابعاً سرياً في المحاكمات. يقول: «المسؤولون عرفوا جيداً كيف يستفيدون من هذه العبارة، ليجعلوها تشمل منع القضاة من الحديث في أي موضوع، لا سياسياً ولا اجتماعياً، بل منعهم حتى من الإدلاء بآرائهم القانونية الخاصة، وبالتالي بات لدينا عرف يشبه كمّ الأفواه، ومن يخالف، ما عليه إلا انتظار محاكمته أمام هيئة التفتيش القضائي ومن ثم التأديب». ملفات «التفتيش» مليئة بهذه النماذج، بل إن بعض القضاة، الذين واكبت «الأخبار» حركتهم، جرى تأنيبهم لأنهم أعطوا تصريحاً باسمهم. يقول القاضي متحسراً: «أنا قاض، أنا لست بائع كعك، مع احترامي لبائعي الكعك. أنا صاحب سلطة، لكن نظامنا لا ينظر إليّ إلا بصفتي موظف... لقد عوّدوا قضاتنا على الخوف من عبارة موجب التحفظ».
في هذا الإطار، تبرز حادثة حصلت قبل أشهر، إذ جرى «التهجم» على قاض في المحكمة العسكرية بواسطة بعض وسائل الإعلام. لم يجد القاضي من يدافع عنه من جانب مجلس القضاء الأعلى، ولا من جانب وزارة العدل، فوجد نفسه أمام خيارين: إما السكوت، وفي هذا تشويه لسمعته، وإما الرد بواسطة الإعلام، وهذا سيعدّ خرقاً لـ«موجب التحفظ». مثال آخر، عن القاضي جون القزي، الذي هوجم من جانب بعض السياسيين والنواب، بعبارات لا تليق بقاض هو سيد قوس محكمته. سبب الشتائم كان، آنذاك، إصداره «حكم الجنسية» الشهير. قد يختلف معه البعض في الرأي القانوني، لكن أن يصل الأمر إلى حد شتمه، فتلك كانت إشارة رمزية، تشير إلى حقيقة النظرة الدونية التي ينظر بها أهل السياسة للقضاة. لم يجد القزي من يدافع عنه يومها. هل تصوّر أحد حجم الإحباط الذي شعر به؟
أحد القضاة، حاول إرضاء الجهة السياسية التي ينتمي إليها، بإصداره حكماً ضد خصومها. لاحقاً، رأت هيئة التفتيش في الحكم «تزويراً للحقيقة». هناك مئات، وربما آلاف، القضايا المماثلة، والتي لم تحصل فيها أي معاقبة، نظراً لكون القاضي المخالف «مدعوماً من جهات سياسية». القاضي المذكور هنا عوقب بأقسى العقوبات. لم يكن السبب سوى تخلي «مرجعيته السياسية» عنه. هذه القصة حصلت حديثاً، وهي، ربما، تمثل نموذجاً لأحد أبرز أسباب ضعف القضاء في لبنان، والذي يمكن تلخيصه بعبارة: «التبعية السياسية». يقال إن «من يأكل من مال السلطان يضرب بسيفه». عندما تكون التشكيلات القضائية، منذ إنشاء لبنان، تصاغ بحسب رغبات السياسيين، فكيف يُرجى أن يبقى للقضاء استقلاليته؟ في مصر، لا يشعر القاضي بأن في عنقه ديناً للسياسي عليه سداده. يشعر بالنديّة تجاه أشخاص سائر السلطات، ويتعاون معها من منطلق المبدأ الدستوري: «الفصل القائم على روح التعاون والتكامل». يُذكر أن لبنان، على مدى السنوات الستين الماضية، شهد بعض التحركات الجماعية للقضاة. أغلب هذه التحركات كانت احتجاجاً على التدخلات السياسية، وأحياناً كانت تحمل طابعاً مطلبياً. لكن، مجمل هذه التحركات، لم يصل يوماً إلى حد وصفها بـ«الثورة» أو حتى «الانتفاضة». القضاة الذين كانوا على رأس تلك التحركات، جرت معاقبتهم، وتم إقصاؤهم عن مناصبهم، فكانوا عبرة «لكل من تسوّل له نفسه أن يكون مستقلاً».
بعين مصرية
ذات مرة، كان المحامي المصري محمد أبو زيد عبد الله، وكيلاً في إحدى الدعاوى أمام القضاء اللبناني. رأى أن قاضي المحكمة «لم يراع الأصول القانونية». أرسل إليه رسالة موسعة، تتضمن ملاحظات قانونية صرفة، وملاحظات قضائية مبنية بحسب الأصول. أخذها القاضي على محمل سلبي، وحاول تأليب نقابة المحامين عليه، فضلاً عن التضييق عليه في أكثر من مجال. هذه كانت ردة فعل القاضي اللبناني. يقول عبد الله: «لو كنت أرسلت رسالتي إلى قاض مصري، لكان أصبح صديقاً لي، لكن في لبنان يبدو أن كل الأمور معكوسة».
المحامي الذي خبر العمل أمام القضاء المصري، ثم اللبناني، يرى أن من عوامل ضعف القضاء اللبناني «عدم وجود هوية واحدة، وهذه أزمة وطنية في لبنان، على عكس مصر، الأمة الموحدة، ففي لبنان يكون الولاء أحياناً للطائفة أكثر من الوطن، وبالتالي ستجد تجمعات قضائية مختلفة لا تجمعاً واحداً». ومن منطلق تواصله مع بعض القضاة في لبنان، يلفت عبد الله إلى أنه «قد يكون لبعض القضاة اللبنانيين علم وفقه قانوني أكثر من قضاة مصر، لكن المشكلة هي في تجيير هذه الخبرات لمصلحة الطائفة والسياسة، لا لمصلحة قضاء متماسك وصلب».
شاهد من أهله
يلفت رئيس مجلس شورى الدولة في لبنان، القاضي شكري صادر، إلى ضرورة الاهتمام بمعهد الدروس القضائية. ذلك المعهد الذي يُخرّج القضاة. يقول: «يجب اختيار القضاة بعد دراسة وضعهم، وما إذا كانوا يتخذون القرارات أم من المترددين، وهل يتحملون ما يحصل أم يغضبون فوراً على قوس المحكمة». وعن أهلية القضاة، والخضوع لتدريب مستمر، على غرار ما يعمل به في دول أخرى، يشير صادر: «هذا أمر مفروض على جميع المحامين في فرنسا، وحتى على نقيب المحامين، مثلاً، فلماذا لا يطبق على القضاة في لبنان؟». القضاة من البشر، بعد مرورهم بالمعهد، من الممكن أن يفسد أحدهم، وهنا تأتي مهمة هيئة التفتيش القضائي، بصفتها «المطهّر» للعدلية. من نافل القول إن الفساد ضارب بين القضاة في لبنان، والكلام فقط في كيفية المعالجة، وهنا يقول صادر: «إن القاضي الذي يرتشي ليس من عائلة القضاء، هذا شخص لا يجب تأخير درجاته فحسب، بل إبعاده عن عائلة القضاء. كما أن تنقية القضاء يجب أن تعود إلى التفتيش القضائي الذي يجب أن يكون فعّالاً، وقد أعطى المشترع النصوص الواضحة التي تعطيه صلاحية التنقية».
حال القضاء في لبنان تلخصه، ربما، عبارة للقاضي صادر، إذ يقول: «القضاء بحاجة إلى إعادة إعمار توصلاً إلى إعادة بناء دولة القانون». العبارة ليست بحاجة إلى شرح، فبكل بساطة، لا يمكن القول إن في لبنان اليوم دولة قانون. العبارة خطيرة، وإن كان البعض يمر عليها مرور الكرام، لكن ماذا يعني عدم وجود دولة قانون؟ الجواب أوضح من السؤال: «إنها شريعة الغاب».
بين الغيرة والخوف
ليس قضاة مصر وحدهم، بين العرب، من سجّلوا مواقف شجاعة في وجه تعسّف الحكّام. في تونس قضاة لديهم باع طويل أيضاً في الاستقلالية. قبل ما يسمّى الربيع العربي، وما بعده، وقف من بين هؤلاء من قال لا لرغبات السياسيين. منهم من قالها في وجه الرئيس السابق زين العابدين بن علي، رغم كل ما كان يحمله نظامه من بطش وعقلية بوليسية، ومنهم من قالها لمن جاء إلى الحكم بعده، بعدما تبيّن أنهم لا يختلفون كثيراً عمن سبقهم. قبل أشهر، قرر المجلس الوطني لجمعية القضاة التونسيين بدء إضراب عن العمل لمدة ثلاثة أيام، احتجاجاً على التأخير في سن قانون الهيئة المؤقتة التي ستشرف على القضاء العدلي . وبحسب ما أعلن المجلس، فإن سبب الإضراب هو «الاحتجاج على تواصل عمل القضاة في غياب أدنى ضمانات الاستقلالية، ودفاعاً عن المطلب الشعبي في إرساء قضاء مستقل». يتمنى أحد القضاة اللبنانيين، اليوم، لو يحتشد معه عدد من القضاة الشجعان، كما حصل في تونس، لكي «ينسق معهم حركة احتجاجية ضد تدخل السياسيين في القضاء». أقل ما يمكن لقاض «نظيف» في لبنان، هذه الأيام، هو الشعور بـ«الغيرة» من قضاة مصر وتونس. يعلم القاضي اللبناني أنه ليس بوسعه فعل شيء بمفرده. أكثر ما يمكن فعله هو الاستقالة. صحيح أنه بالاستقالة يسجل موقفاً، لكن هذا لن يغير من حال القضاء شيئاً. ثمة استقالات فردية، ليست كثيرة، حصلت في القضاء اللبناني سابقاً. وبالفعل، تبيّن أنها لم تغيّر شيئاً. أحد هؤلاء القضاة الذين استقالوا، يعمل اليوم محامياً، وبات من أشهر المحامين في مختلف العدليات. بعض القضاة يغبطون زميلهم القديم على عمله الجديد، الذي «فيه استقلالية أكثر، وراحة بال، بل ربح مالي أكثر». لكن من يضمن لهم أن يحظوا بفرصة عمل مثله إن استقالوا؟ لا أحد. إذاً، ثمة مغامرة في هذه الخطوة. قضاة لبنان، ممن يريدون الكرامة لسلطتهم، محكومون اليوم بالخوف.
سلطة خرساء
يندر أن تجد مؤسسة رسمية في لبنان من دون ناطق إعلامي باسمها. بل يمكن القول إن أصغر المؤسسات التجارية، الخاصة، بات لديها من يهتم بشؤون الإعلام. لكن، في لبنان، ثمة سلطة ليس لديها من يتكلم باسمها. ليس للقضاء من يعبّر عنه. ما من جهة، مختصة، يستطيع الصحافي أن يتواصل معها في القضاء، لا لكشف الأسرار، بل للاطلاع على أمور عامة. في الآونة الأخيرة، بادر وزير العدل شكيب قرطباوي إلى إنشاء مكتب إعلامي عائد لمجلس القضاء الأعلى، بعد مناشدات إعلامية، علماً بأن خطوة كهذه كان يفترض أن تنبثق من داخل المجلس نفسه. لكن، وفي ظل قضاة لم يعرفوا بعد أهمية الإعلام، ودوره في تظهير وجهات نظرهم، بل والدفاع عنهم في وجه من يفتري عليهم، تجد أن هذا المكتب لا يزال مجرد فكرة. ليس معلوماً متى يبصر النور. هشاشة ثقافة القانون ليست مقتصرة على الناس في لبنان، إذ تجدها متفشية في أوساط السياسيين والنخب. تجدهم يناشدون وزير العدل في كل كبيرة وصغيرة تتعلق بالقضاء. يغيب عن بالهم، أو ربما لا يعرفون أصلاً، أن وزارة العدل ليست هي القضاء، وأنها إحدى أدوات السلطة التنفيذية، وأن القضاء يجب أن يخاطب مباشرة، كما أن عليه أن يجيب مباشرة. عندما تسلّم قرطباوي وزارة العدل، وهو نقيب سابق للمحامين، قال في أكثر من تصريح إنه يعلم حجم المشاكل التي يعانيها القضاء في استقلاليته. لكن قرطباوي، بحكم خبرته مع القضاة، كان يردف دائماً: «على القضاة أنفسهم مسؤولية، عليهم أن يشعروا هم أولاً بأنهم أصحاب سلطة مستقلون، قبل أن يطلبوا من الآخرين التعامل معهم وفق ذلك».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه