منهج الإسلام و نظام الجمهورية الإسلامية في خصوص المرأة منهج قائم على الاحترام. إنه منهج عماده التكريم والمصلحة والعقل
"منهج الإسلام و نظام الجمهورية الإسلامية في خصوص المرأة منهج قائم على الاحترام. إنه منهج عماده التكريم والمصلحة والعقل"..
الإمام الخامنئي
الفصل الأول: المرأة في الثقافة الإسلامية
أولاً: ضرورة الاهتمام بالرؤية الإسلامية
ثانياً: دراسة منـزلة المرأة في الرؤية الإسلامية
ثالثاً: المرأة في البيئة الإسلامية
سادساً: المنـزلة السماوية للمرأة
سابعاً: القوانين الإسلامية تحمي المرأة
تاسعاً: مسؤولية الثقافة الغربية
أولاً: ضرورة الاهتمام بالرؤية الإسلامية
حينما يُنظر إلى مسرح الأفكار في العالم وحينما يُنظر إلى الرؤية الإسلامية، يُفهم بوضوح أن المجتمع البشري لا يمكن أن يصل إلى وضعه السليم المنشود فيما يتعلق بقضية المرأة و العلاقة بين المرأة و الرجل، إلا حينما يعي وجهة نظر الإسلام دون زيادة أو نقصان وبدون إفراط أو تفريط، و يسعى سعيه لعرض وجهة النظر هذه. ما هو موجود حالياً و ما يُتخذ كسياق عملي في الحضارات المادية اليوم حيال المرأة غير مقبول بالمرة و لا يعدّ لصالح المرأة و المجتمع ككل.
يروم الإسلام أن يبلغ الرشد الفكري و العلمي و الاجتماعي و السياسي - و فوق كل ذلك - الأخلاقي و الفضيلي و المعنوي للمرأة أرقى درجاته، و يكون لوجودها أعلى مستويات الفائدة و الجدوى للمجتمع و العائلة كعضوة فيها. كافة تعاليم الإسلام بما في ذلك الحجاب تقوم على هذا الأساس. حينما يضرب الله تعالى في القرآن الكريم مثالاً للإنسان الصالح و مثالاً آخر للإنسان الطالح يأتي لكل واحد من المثالين بإمرأة. في أحد المثالين يذكر إمرأة فرعون، و في المثال الثاني يذكر زوجتي نوح و لوط: »و ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون«. و في المقابل و كمثال للإنسان الطالح السيئ المعوج السلوك و السائر في الاتجاه الخطأ يذكر زوجتي نوح و لوط. هنا يمكن أن نسأل: كان ثمة رجال يمكن أن يُذكروا للمثال، و كان بالإمكان مثلاً ذكر رجل هنا و إمرأة هناك. و لكن لا، في القرآن الكريم حينما يقول تعالى: »ضرب الله للذين آمنوا« أو »ضرب الله للذين كفروا« يأتي بامرأة للمثالين.
ثانياً: دراسة منـزلة المرأة في الرؤية الإسلامية
منهج الإسلام و نظام الجمهورية الإسلامية في خصوص المرأة منهج قائم على الاحترام. إنه منهج عماده التكريم والمصلحة والعقل. وهو لصالح المرأة و لصالح الرجل. يحمل الإسلام رؤية واقعية ترتكز على الفطرة و الطبيعة و الاحتياجات الحقيقية فيما يخص المرأة والرجل و جميع المخلوقات. بمعنى أنه لا يتوقع من أيٍّ كان أكثر من قدرته و فوق ما أُعطي له.
يمكن ملاحظة قضية المرأة من ثلاث زوايا حتى تتضح الرؤية الإسلامية فيما يتصل بها. الزاوية الأولى: دور المرأة كإنسان سائر في طريق التكامل المعنوي و النفسي. و من هذه الزاوية لا فرق إطلاقاً بين المرأة و الرجل. كان في التاريخ نساء عظيمات مميزات كما كان فيه رجال عظماء بارزون.
الزاوية الثانية: على مستوى الأنشطة الاجتماعية و السياسية و العلمية و الاقتصادية. من وجهة نظر الإسلام فإن ساحة العمل و النشاط العلمي و الاقتصادي و السياسي مفتوحة تماماً للمرأة. إذا أراد شخص حرمان المرأة من العمل العلمي انطلاقاً من الرؤية الإسلامية، أو أراد حرمانها من النشاط الاقتصادي، أو من العمل السياسي أو الاجتماعي، فقد تصرّف خلافاً للحكم الإلهي. بمقدور المرأة المساهمة في الانشطة المختلفة في حدود ما تسمح به قدراتها الجسمية و احتياجاتها و ضروراتها. لتبذل المرأة جهودها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. الشرع المقدس لا يمنعها. طبعاً لأن المرأة ألطف و أضعف من الرجل جسمياً، لذلك ثمة ضرورات لا بد من مراعاتها. فرض أعمال ثقيلة على المرأة ظل للمرأة. الإسلام لا يوصي بهذا، كما أنه لا يمنعه. يروى عن الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام أنه قال: »المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة«. أي إن المرأة زهرة و ليست خادمة أو مسؤولة أشغال. »قهرمانة« هي الخادمة و الشغالة ذات الاعتبار و المكانة اللائقة. يقول عليه السلام مخاطباً الرجال: النساء في بيوتكم كالزهور اللطيفة التي يجب أن تتعاملوا معها بمنتهى الظرافة و الدقة و الرفق. ليست المرأة خادمتكم أو شغّالة عندكم حتى تخالوا أنه يجب تكليفها بأعمال ثقيلة.. هذه قضية مهمة.
بعض الرجال يشترطون حينما يريدون الزواج أنه لا بد للمرأة أن تعمل و يكون لها شغلها و واردها، و هذا خطأ، مع أنه ليس خلافا للشرع، لكن الإسلام لا يوصي بمثل هذا. أن نقول يجب منع المرأة من النشاط الاقتصادي و الاجتماعي، و نعتمد في قولنا هذا على الإسلام، فهذا خطأ. لم يقل الإسلام مثل هذا. و لكن من جهة ثانية أن نجبر المرأة على القيام بأعمال ثقيلة و جهود اقتصادية و اجتماعية و سياسية صعبة فهذا ما لا يوصي به الإسلام. الرؤية الإسلامية رؤية وسطية معتدلة. بمعنى أنه إذا تهيأت للمرأة الفرصة و الفراغ و لم تمنعها تربية الأطفال، و كان لديها الشوق و الرغبة و الطاقة و القدرة الجسمية و أرادت الخوض في الأنشطة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية فلا مانع من ذلك. أما أن يجبروها و يقولوا لا بد أن تتولي عملاً و تعمل كذا ساعة في كل يوم ليمكن أن يكون لكِ نصيبك في تأمين تكاليف العائلة و معيشتها، فلا، هذا أيضاً لم يطلبه الإسلام من المرأة، و يعتبره قهراً و إجباراً لها.
إنني أوصي العوائل أن يسمحوا لبناتهم بالدراسة. حذار من أن يتصور بعض الآباء و الأمهات بدافع من العصبية الدينية أن عليهم منع البنت من مواصلة الدراسة حتى المستويات العليا، لا، لم يقل الدين مثل هذا الشيء. لا يفرِّق الدين بين البنت و الولد في طلب العلم. إذا التحق الولد بدراسات عليا فلتلتحق البنت أيضاً بالدراسات العليا. على الشابات أن يدرسن و يطلب العلم و يتوفرن على المعرفة و يقفن على شأنهن و يعرفن قدر أنفسهن ليعلمن أن دعايات الاستكبار العالمي بخصوص المرأة تفتقد أبسط الأسس و الركائز. يمكن إدراك هذه الحقائق بفضل التعلّم و الدراسة.
الزاوية الثالثة: النظرة للمرأة كعضو من أعضاء العائلة، و هذا ما يبدو أهم من كل شيء. لم يُسمح للرجل في الإسلام أن يتعسف مع المرأة و يفرض عليها شيئاً. قُررت حقوق محدودة للرجل في العائلة انطلاقاً من المصلحة و الحكمة. و أي إنسان تذكر له هذه الحقوق و تشرح سيصدقها و يؤيدها بطبيعة الحال. كما عُينت للمرأة حقوق في العائلة هي أيضاً من منطلق المصلحة. لكلّ من الرجل و المرأة طبيعته و أخلاقه و نزعاته و غرائزه الخاصة به. إذا استخدم كل واحد منهما طباعه الخاصة بنحو صحيح لشكّلا داخل إطار العائلة زوجاً متكاملاً متناسقاً متساعداً. إذا تمادى الرجل اختل التوازن. و إذا تمادت المرأة اختل التوزان أيضاً. ينظر الإسلام للمرأة و الرجل في العائلة كمصرعي الباب، أو عيني الإنسان، أو جنديين في خندق واحد في جبهة الحياة، أو كتاجرين شريكين في محل تجاري واحد. لكل واحد منهما طبيعته و خصوصياته و خصاله الجسمية و الروحية و الفكرية و الغريزية و العاطفية الخاصة به. إذا عاش هذان الجنسان إلى جانب بعضهما وفق الحدود و الموازين المرسومة في الإسلام، اتسمت العائلة بالاستمرارية و العاطفة و البركة و الفائدة الجمّة.
لقد كبت الإسلام الرجال الذين استغلوا النساء و الرجال و آذو النساء أو أهانوهن أحياناً بذريعة قوتهم الجسدية أو قدراتهم المالية، و رفع المرأة إلى مكانتها الحقيقية، بل و جعلها من بعض النواحي في مصاف الرجل: »إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات«.. الرجل المسلم، المرأة المسلمة. الرجل العابد، المرأة العابدة. الرجل المتهجّد، المرأة المتهجدة. إذن، توزعت جميع هذه المقامات المعنوية و الدرجات الإسلامية بين المرأة و الرجل بالتساوي. الرجل و المرأة متساويان مع بعضهما في هذه الأمور. كل من يعمل لله »من ذكر و أنثى« سواء كان رجلاً أو إمرأة »فلنحيينه حياةً طيبةً«.
بل في بعض المواطن، فضّل الإسلام المرأة على الرجل. مثلاً إذا كان للأب و الأم ولداً، فمع أنه ابناهما كلاهما، إلا أن خدمته لأمه أوجب. حق الأم على الولد أكبر، و واجبات الولد تجاه أمه أعظم. قال الرسول الأكرم (ص) جواباً لسؤال من سأله: »من أبِرَّ؟: »أمك«، أي أحسِن إلى أمك. و سأله مرة ثانية فكان منه (ص) نفس الجواب، و سأله ثالثةً فكان نفس الجواب. إلى أن سأله للمرة الرابعة فقال: »أباك«. إذن، للمرأة في مقاييس العائلة و في علاقتها بأولادها حقوق أكبر. و هذه طبعاً ليست من باب أن الله تعالى أراد ترجيح جماعة على جماعة. بل لأن النساء يتحملن جهداً أكبر. هذا من باب العدل الإلهي. جهود أكبر تقابلها حقوق أكبر. ألم و تعب أكبر نتيجته قيمة أعلى. كل هذا من باب العدالة. في القضايا المالية مثل حق العائلة و حق رعاية العائلة في مقابل واجب إدارة العائلة يتخذ الإسلام منهجاً متوازناً. حتى في هذه الأمور لم يسمح الإسلام بلحاق ذرة من الظلم بالمرأة أو بالرجل. جعل للرجل حقاً و جعل للمرأة حقاً. وضع عياراً في كفّة الرجل و عياراً آخر في كفّة المرأة. أصحاب التدقيق في هذه الأمور إذا دققوا سيرون هذه الحقائق، و قد كُتبت في الكتب.
مسألة الجنس - كون الإنسان رجلاً أو امرأة - غير مهمة في نظر الإسلام. المهم هو رفعة الإنسان و أخلاقه، و تفجّر مواهبه، و أداء كل إنسان لواجباته مهما كان جنسه. و من أجل هذا لا بد طبعاً من معرفة الطبائع. و الإسلام يعرف طبيعة المرأة و طبيعة الرجل بشكل جيد. المهم في الإسلام هو التعادل و التوازن، أي مراعاة العدالة المحضة بين أفراد البشر، بما في ذلك بين جنس المرأة و جنس الرجل. المهم هو المساواة في الحقوق. و لكن في موضع من المواضع قد تختلف أحكام الرجال عن أحكام النساء، كما أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل في بعض الخصوصويات. إذن، أكبر قدر من الحقائق و أكبر قدر من واقع الفطرة و الطبيعة البشرية فيما يتصل بالمرأة و الرجل مودعة و موجودة في المعارف الإسلامية.
ثالثاً: المرأة في البيئة الإسلامية
المطلوب من المرأة في المجتمع الإسلامي الإيراني اليوم هو أن تكون عالمة، و تتحلى بالوعي السياسي، و تجيد النشاط الاجتماعي، و تكون لها مشاركتها في كافة الميادين. في البيت بوصفها ربّة بيت و حافظة و راعية لزوجها و أبنائها و مربية للبراعم، و في خارج البيت بوصفها تجسيداً للعصمة و الطهر و التمنّع. هذه هي تلك المرأة التي يريدها النظام الإسلامي في المجتمع الإيراني. امرأة في البيت مربية للأبناء و مسكِّنَة للزوج و مكتسِبة للسكن منه. و في خارج البيت تراعي منتهى الطهر و العفاف و العصمة و تشارك في كافة الميادين الاجتماعية و العلمية و السياسية و الخدمية. و إذا أريد حصول ذلك فإن الشرط الأول من شروطه هو الحجاب، إذ لا يمكن حصول ذلك من دون الحجاب. من دون الحجاب لن يتوفر للمرأة الفراغ و الفرصة اللازمة لبلوغ المراتب التي ذكرناها.
للمرأة المسلمة في بيئة المجتمع الإسلامي حرمة و شخصية مظهرها الحجاب. كل من يقف وراء الحجاب يحترمه الناس. في الماضي أيضاً و في العهود التاريخية القديمة كانت النساء المحترمات أكثر محجبات. الحجاب علامة التكريم. الشخص الذي يقف وراء الحجاب له كرامة و حرمة عند الناس. يرى الإسلام مثل هذه الحرمة لجميع النساء.
على صعيد الأنشطة الاجتماعية رسم الإسلام حدوداً لا تعدّ حدوداً خاصة بالمرأة و نشاطها، إنما هي حدود للاختلاط بين المرأة و الرجل، و الإسلام يبدي حساسية حيال هذه القضية. يعتقد الإسلام أنه يجب على المرأة و الرجل تعيين حدود بينهما في كل مكان.. في الشارع، و في الدائرة، و في المتاجر. تم تعيين حجاب و حدود بين المرأة و الرجل المسلمين. ليس اختلاط المرأة و الرجل كاختلاط الرجال فيما بينهم أو اختلاط النساء فيما بينهن. ينبغي مراعاة هذه المسألة. الرجال يجب أن يراعوا هذه المسألة و النساء أيضاً يجب أن يراعين هذه المسألة. إذا جرت مراعاة هذه الحساسية التي يبديها الإسلام فيما يرتبط بالعلاقات و نوع الاختلاط بين الرجل و المرأة، لأمكن للمرأة أن تقوم بجميع الأعمال التي يمكن للرجل القيام بها في الميادين الاجتماعية، إذا توفرت لهن القدرة الجسمانية و الشوق و الفرصة الكافية لذلك.
كانت السيدة الزهراء (سلام الله عليها) في السادسة أو السابعة من عمرها حينما حصلت قضية شعب أبي طالب. كانت قضية شعب أبي طالب مرحلة عسيرة جداً من تاريخ صدر الإسلام. ابتدأت دعوة الرسول بشكل علني و كان الناس في مكة يلتحقون بالنبي تدريجياً خصوصاً الشباب و العبيد، و وجد الأكابر و الطواغيت أنه لا سبيل أمامهم سوى طرد الرسول و كل جماعته المحيطة به من مكة، و قد فعلوا ذلك.. طردوا عدداً كبيراً منهم يقدرون بعشرات العوائل و منهم الرسول و أقرباؤه و أبو طالب نفسه - مع أن أبا طالب نفسه كان من الكبراء في مكة - و عدد من الأطفال و الكبار. كان لأبي طالب شعب صغير فرأى أن يذهبوا إلى هناك. في مكة كان الجو حاراً خلال النهار و بارداً جداً في الليل. أي إن الوضع لا يطاق. و قد عاش هؤلاء ثلاثة أعوام في تلك الصحراء، و كم تحملوا من الجوع و المرارة و العسرة! كانت تلك الفترة من الفترات العسيرة التي مرّ بها الرسول. لم تكن مسؤولية الرسول في تلك الفترة مسؤولية القائد فقط بمعنى إدارة مجموعة من الناس، بل كان يجب عليه الدفاع عن مشروعه أمام هؤلاء الممتحنين المعسورين.
في تلك الأثناء التي مثلت ذروة المحنة الروحية عند الرسول، توفي خلال أسبوع واحد أبو طالب الذي كان سنداً للرسول و أمله، و كذلك خديجة الكبرى التي كانت بدورها أكبر عون روحي للرسول. كان ذلك حدثاً عجيباً جداً، أي إن الرسول بقي وحيداً فريداً. فكانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها كالأمّ و كالمستشار و كالراعية و الممرضة بالنسبة للرسول. و هناك قال عنها الرسول: فاطمة أمّ أبيها. هذه المقولة تعود لتلك الفترة. أي إنها كانت هكذا و هي في السادسة أو السابعة من العمر - طبعاً في البيئة العربية و في المناخات الحارة ترشد البنات جسمياً و روحياً بسرعة و بشكل مبكّر، و يعادل رشدهن رشد بنات في العاشرة أو الثانية عشرة اليوم - هذا هو الشعور بالمسؤولية. ألا يمكن أن يكون هذا نموذجاً للشباب بحيث يشعروا بالمسؤولية و الفاعلية مبكراً حيال القضايا المحيطة بهم؟ تبذل رصيدها الهائل من الفاعلية و النشاط من أجل مسح غبار الحزن و الغم عن وجه أبيها البالغ من العمر نحو خمسين سنة و قد أضحى الآن تقريباً شيخاً كبيراً. ألا يمكن لهذا أن يمثل نموذجاً للشباب؟
النموذج الآخر نموذج الزوجة الراعية لزوجها. قد يظن الإنسان أن رعاية الزوج هو أن تطبخ الزوجة الطعام في المطبخ و تنظّف الغرف و تفرش البطانيات و البسط قبل أن يعود زوجها من الدائرة أو الدكان! ليس هذا فحسب هو حسن التبعّل. لاحظوا كيف كان حسن التبعل عند فاطمة الزهراء سلام الله عليها. من بين عشرة أعوام من وجود الرسول في المدينة المنورة كانت سيدتنا الزهراء و الإمام أمير المؤمنين زوجين طوال تسعة أعوام. ذكر التاريخ وقوع حروب صغيرة و كبيرة علي مدي هذه الأعوام التسعة - وقعت نحو ستين معركة - و كان الإمام أمير المؤمنين مشاركاً في معظمها. لاحظوا أنها كانت سيدة جالسة في البيت و زوجها يتوجّه لجبهات القتال دوماً، و إن لم يكن متواجداً في الجبهة عانت الجبهة من مشكلات - كانت الجبهة بحاجة إليه إلى هذا الحد - و لم تكن حياتهما و معيشتهما على ما يرام، حيث كانا يعيشان فقراً حقيقياً،
و الحال إنها ابنة القائد و ابنة الرسول و تشعر بنوع من المسؤولية. كم تحتاج الزوجة إلى روح قوية حتى تجهّز زوجها، و لا تجعله قلقاً على أهله و عياله و مشكلات حياته، و من أجل أن تربط على فؤاده و تربّي أبناءه تلك التربية الخاصة. قد تقولون الآن إن الإمام الحسن و الإمام الحسين عليهما السلام كانا إمامين و من معدن الإمامة، لكن زينب عليها السلام لم تكن إماماً، و قد نهضت فاطمة الزهراء سلام الله عليها بتربيتها طوال هذه الأعوام التسعة. و لم تبق السيدة الزهراء على قيد الحياة فترة طويلة بعد الرسول.
هكذا نهضت برعاية البيت و رعاية الزوج و كانت محور حياة عائلة خالدة في التاريخ. ألا يجب أن يكون هذا نموذجاً لفتاة شابة و سيدة منـزل أو مشرفة على إدارة بيت؟ هذه أمور على جانب كبير من الأهمية.
سادساً: المنـزلة السماوية للمرأة
قبل أكثر من ألف و أربعمائة سنة يربّي الرسول الأكرم بنتاً تحرز جدارة أن يقبِّل الرسول يدها! تقبيل الرسول ليد فاطمة الزهراء يجب أن لا يحمل إطلاقاً على محمل عاطفي. إنه لمن الخطأ و التفاهة جداً أن يُتصور أنه كان يقبل يدها لأنها بنت و لأنه يحبها. شخصية بتلك المكانة السامية و بما له من العمل و الحكمة و باعتماده على الوحي و الإلهام الإلهيين ينحني و يقبل يد ابنته؟ لا، إن هذا شيء آخر و له معنى آخر. هذا دليل على أن هذه الفتاة الشابة و هذه المرأة التي كان عمرها حينما فارقت الحياة ما بين الثامنة عشرة و الخامسة و العشرين، كانت في ذروة الملكوت الإنساني و شخصاً خارقاً للعادة. هذه هي نظرة الإسلام للمرأة.
سابعاً: القوانين الإسلامية تحمي المرأة
أحكام الإسلام فيما يرتبط بالعائلة متألقة و فاخرة إلى درجة أن الإنسان ليشعر بالفخر و الاعتزاز حين يراجعها. أحكام الإسلام في انتخاب الزوج منذ بدء تشكيل الحياة الأسرية منصبّة باتجاه مساعدة المرأة. لأن بعض الرجال كانوا يمارسون الظلم و العسف و العدوان ضد النساء، فقد وقف الإسلام بوجه هذا الظلم و العدوان. حينما تتشكل العائلة فإن الزوج و الزوجة داخل إطار العائلة شريكان في الحياة من وجهة نظر الإسلام، و يجب أن يتعاملا مع بعضهما على أساس المحبة. ليس من حق الرجل فرض شيء على المرأة بالقوة. و ليس من حق المرأة فرض شيء على الرجل بالقوة. أحكام الإسلام و ضوابطه فيما يتصل بالعلاقات بين المرأة و الرجل داخل العائلة دقيقة جداً. الله تعالى رسم هذه الأحكام في ضوء مصالح المرأة و الرجل.
ليس من حق الرجل إصدار أوامر للمرأة إلا في حالات قليلة جداً يكون من واجبها العمل بأوامره. بوسع الرجل منع المرأة من الخروج من البيت دون إذنه، شريطة أن لا يكون هناك في عقد الزواج شرط معين في هذا الخصوص. إذا لم يكن هناك شرط حول هذا الموضوع يستطيع الرجل منع المرأة من الخروج من بيتها. هذه من الأسرار الدقيقة في الأحكام الإسلامية. و هذا حق منح للزوج فقط و لم يمنح حتى للأب. لا يستطيع الأب أن يفرض على ابنته أن تأخذ إذنه إذا أرادت الخروج من البيت. ليس من حق الأب مثل هذا الشيء، كما ليس من حق الأخ حيال أخته مثل هذا الشيء. لكن للزوج مثل هذا الحق على زوجته. طبعاً عند قراءة العقد بوسع المرأة اشتراط شروط على الزوج تعدّ من شروط عقد الزواج.
ليست الثقافة الإسلامية هي التي يجب أن تدافع عن مواقفها. إنما الثقافة الغربية المنحطة هي التي يجب أن تدافع عن نفسها. ما يعرضه الإسلام على المرأة شيء لا يمكن لأي إنسان مفكر منصف أن ينكر أنه لصالح المرأة. الإسلام يدعو المرأة إلى العفة، و العصمة، و الحجاب، و عدم الاختلاط غير المحدود و غير المقيد بين المرأة و الرجل، و إلى حفظ كرامتها الإنسانية، و عدم التجمل و التبرج أمام الرجال الأجانب من أجل إمتاع أنظارهم.
هذه ليست أشياء سلبية، بل هي صيانة لكرامة المرأة المسلمة.. هذه كرامة للمرأة. الذين يشجعون المرأة على التبرج بشكل يلفت أنظار الرجال في الشوارع و الأزقة و تلبية غرائزهم و شهواتهم، هم الذين يجب أن يدافعوا عن أنفسهم و يجيبوا عن السؤال: لماذا هبطوا بالمرأة إلى هذا المستوى من الانحدار و الذلة؟! هم الذين يجب أن يجيبوا و يتحملوا المسؤولية. ثقافة الجمهورية الإسلامية ثقافة يستسيغها حتى الأشخاص المفكرون و المحترمون في الغرب و يعملون بها. هناك أيضاً تجد السيدات العفيفات الرزينات اللاتي يرين قيمة لأنفسهن غير مستعدات لجعل أنفسهن وسيلة لتلبية الغرائز الشهوية للأجانب و أصحاب النظرات الوقحة. في الثقافة الغربية المنحطة الكثير من هذه الأمور.
تاسعاً: مسؤولية الثقافة الغربية
ينبغي مكافحة الثقافة الغربية بخصوص المرأة بشدة. هذه من المهمات الواجبة. الغرب يهين المرأة و يهبط بها عن مستواها. إنه يكذب حين يقول: «إننا ساوينا بين الجنسين«... كلا، هذا نوع من الخداع و الحيلة السياسية و الثقافية. إنه بهذه الطريقة إنما يخون المرأة. الإسلام هو الذي يقول إن المرأة إنما تحفظ كرامتها بزيها و حجابها الصحيح. إنها ترتفع بنفسها عن المستوى الذي يريده لها الرجال الفاسدون في العالم في كل الأزمنة و الأمكنة. يقول القرآن الكريم للنساء: »فلا تخضعن بالقول«. القضية هنا قضية الخضوع. يجب أن لا يكون موقف المرأة و طريقة تعاملها مع الرجل مشوبة بالخضوع. القضايا الطبيعية و الغريزية بين المرأة و الرجل لها مكانها، و لا إشكال فيها أبداً. خضوع المرأة مقابل الرجل شيء مشهود في الغرب اليوم.
يريدون إخضاع المرأة، و قد أخضعوها، لا أنهم يريدون إخضاعها. في هذا الأسلوب يقدمون المرأة أمام الرجل و يجاملونها لتتقدم على الرجل. لكن هذا هو ظاهر القضية، و باطن القضية على العكس من ذلك تماماً. و المثير للدهشة أننا رغم الادعاءات التي يطلقونها حول المرأة و هذه التشريفات الظاهرية و الكاذبة التي يقومون بها باعتبارها تكريماً للمرأة - و هي في الحقيقة إهانة للمرأة - نجد أن العلاقات بين المرأة و زوجها داخل البيت و العائلة تعاني من أتعس الأوضاع. حينما يطلع الإنسان على تلك الأوضاع تعود به الذاكرة إلى العلاقات بين النساء و أزواجهن في العوائل الرجعية و المتعصبة جداً في إيران. ضرب المرأة، و توريم جسمها و تغيير لونه بالضرب، و قتل المرأة بسبب قضايا صغيرة. هذه من الأوضاع الدارجة في الغرب.