08-11-2024 09:07 AM بتوقيت القدس المحتلة

الطب النفسي: مسرحة المؤتمر = الاضطــراب العصبي

الطب النفسي: مسرحة المؤتمر = الاضطــراب العصبي

قلة هم الذين يعرفون «جون ناش». إنه عبقري فيلم «عقل جميل». كان «سكيزو». يتخيّل آخرين حوله. يتخيّل عالماً بديلاً لا أحد يلتقطه غيره من أوراق الصحف. عالماً غير موجود إلا في خيال ناش

أحمد محسن

عقاب صقرقلة هم الذين يعرفون «جون ناش». إنه عبقري فيلم «عقل جميل». كان «سكيزو». يتخيّل آخرين حوله. يتخيّل عالماً بديلاً لا أحد يلتقطه غيره من أوراق الصحف. عالماً غير موجود إلا في خيال ناش، غير القادر على اثبات شيء من عالمه. وفقاً للطب النفسي، «السكيزوفرينيا» هو مرض عقلي يتميز صاحبه باضطراب في التفكير والوجدان والسلوك. والاضطراب يؤدي إلى الزعيق أحياناً. وأحياناً يختفي الإدراك.

حسناً، هذا يمكن أن يكون سجالاً تافهاً يتراشق به السياسيّون، على الطريقة اللبنانيّة. ولكن، وفقاً للمختصين، فإن عدم معالجة عوارض «السكيزو» في بدايته، سيؤدي إلى «تدهور في المستوي السلوكي والاجتماعي». وهذا ما يعرّف عنه الناس العاديّون، بالانفعالات، التي تتجلى في «لغة الجسد»، التي كلما ازدادت حدتها، كان صاحبها أكثر اضطراباً. وبصورة أوضح، وفقاً لأحد الأخصائيين «الكلام النابي». وإذا لم يكن هذا الكلام شتائم وألفاظاً نابية في حالة «الشخصيّات العامة» فماذا سيكون؟ الطب النفسي واضح حسب أحد المختصين: «الواثق يتحدث بهدوء». الواثق «لا يناقض نفسه». وأكثر من ذلك، الهجوم بالصراخ، يعكس أسوأ حالات الدفاع اللاواعيّة.

في مؤتمره «العصبي» قال النائب صقر أمس، إن «الفريق الاخر يفهم بشيء واحد، وهم حمقى وأغبياء». لم يرغب المعلّقون النفسيّون في الحديث عن آراء صقر السياسيّة. وفي الجملة المذكورة أخيراً، يلفت النظر استخدام شخصيّة عامة، تتصرف كأنها مطاردة، مفردات من نوع «حمقى وأغبياء». في العرف العام، إعلاميّاً وسياسيّاً، لا يختلف اثنان على الأوصاف الممكنة في حالة كهذه: خروج عن الأدبيّات العامة، قلة تهذيب، وأشياء من هذا النوع. غير أن كون النائب صقر مطارداً، ويتصرف على هذا الأساس، وهنا يقول طبيب نفسي «متابع» لصقر إعلاميّاً، فإن ظهور هذه اللغة «يعكس الاضطراب العصبي الذي يعيشه النائب استناداً إلى ايمانه بأنه مطارد». في الطب النفسي، الـ«سكيزو» هو الفرد الذي يخسر شخصيته التي تنتمي إلى الواقع وتربطه فيه. وتالياً، يصبح هذا الشخص «منفصلاً عن العالم الحقيقي وقد يتحدث عن عوالم أخرى من دون أي انتباه». وربما، يصح ذلك على اعتراف صقر: «الصوت صوتي، والحديث حديثي، لكن التسجيلات ليست صحيحة». لا يقول الأخصائي هنا أن صقر منفصل عن الواقع تماماً، أو أن لديه «عوارض المرض». النقطة الأساسيّة تتعلق «بالشعور الدائم بالهرب كمطارد من أجهزة خفيّة»، وربط هذا الشعور بـ«انفعالات النائب واستخدامه ألفاظاً لا تنتمي إلى الواقع». والواقع في هذه الحالة، هو المنبر السياسيّ، واللغة الواقعيّة في هذه الحالة، هي اللغة التي يتداولها أهل المنابر. وهذا، في رأي طبيب آخر، «غير دقيق» وإن «لم يترك النائب صقر مجالاً للشك. خرج عن الواقع خروجاً تاماً»، لأن «مسرحة المؤتمر ترمي إلى اخفاء الواقع».
في السياسة يمكن أن يكون صقر مستهدفاً. هذه بلاد فيها من الانفجارات ما يخيف الأجنّة. ولكن ما الذي يفسر شعوره الدائم بالتهديد وتكراره الأمر في كل مرة؟ هل صقر «سكيزو»؟ لا يستطيع الطبيب النفسي أن يجزم، كي لا يتجاوز «المعايير الأكاديميّة». في النهاية، العوامل البصريّة لا تكفي لتشخيص حالة الـ«سكيزو». غير أن «المرض شائع بتعريفات خاطئة بين الناس». وبعد البحث، لا أحد يعلم. يمكن أن يكون صقر «خارج الواقع». يشعر بأنه مطارد دائماً، بينما لا يشعر زملاؤه بالأمر نفسه. والفائض في هذا الشعور بالتهديد، يعود إلى «عوامل نفسيّة». في السياسة يتشارك صقر وزملاؤه «المهددون» المخاوف نفسها، لكن تكراره للأمر في كل مناسبة «يدل على شيء ما». ليس أمنيّاً طبعاً. إنه شيء في شخصيّة النائب. في انفعالاته التي تحاكي واقعاً مدهشاً لا يمت إلى «حجم» الواقع الحالي، بل يتجاوزه بكثير. أحد الأخصائيين الذين سألتهم «الأخبار» عن حالة صقر العصبيّة، كما بدت، رفض التعليق على «مؤتمر صحافي»، إلا أن استخدام «أبو سعد» لكلمة «حمار» أثناء وصفه ناساً من «الفريق الآخر»، وبالطريقة التي قالها بها، استوقفته: «تدل حتماً على عدم وعي حقيقي بالعالم». لم يرغب الأخصائي بالاستفاضة، لكنه على الأرجح، يلاقي زميله الأول: «صقر خرج عن العالم الحقيقي». كلام مثل هذا يقوله جميع الناس، ولكن لا يقال أمام الكاميرات. إن قوله أمام الكاميرات بعصبيّة لا يضاهيها نضارةً إلا تسريحة شعر النائب صقر، المتقنة تماماً، تدل على أن الرجل لم ينتبه فعلاً إلى حديثه. لم ينتبه أنه على الشاشات وأنه في عالم غير ذلك العالم الذي سربت منه التسجيلات الصوتيّة التي اعترف بها ونفاها في الجملة ذاتها.

مجدداً كرر طويلاً أنه مطارد وأن المطلوب هو «تصفيته». إن هذا الشعور وتكراره وبناء عالم صقر على أساسه تحديداً، برأي الأطباء النفسيين، يعني جديّاً إمكان إصابته بالسكيزوفرينيا. والأمر ليس عيباً ولا تهمة. إنه مرض يصيب جميع الناس ويتعلق بطفولاتهم ولا ذنب لهم فيه. اللوم الوحيد على صقر ومريديه أنهم سيقولون إن هذا المقال للتشهير به. ولكن يمكنهم مراجعة الأطباء النفسيين. إن ثقافة اللبنانيين عموماً، للأسف، تجعلهم «يتعيّبون» بأمراضهم النفسيّة. في أية حال، إن تم ذلك، وقرر صقر تفسير انفعالاته، يفضل أن يتم ذلك سرّاً، لأن «الطب النفسي يتطلب سريّة قصوى لإتمام المعالجات الدقيقة». سريّة فعلاً لا تسرب كصوت النائب المبحوح لأجل «أبو النعمان»، لأجل البطانيّات والحليب، التي «نبشها» الـ«سكيزو» المحتمل زاعقاً من عالمه لا من الواقع.

 موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه