إعادة تقييم غربية «للحمض النووي» للمعارضة السورية المسلحة. ثلاثة أجهزة غربية أمنية على الأقل بدأت عملية رسم خريطة للجماعات السورية المسلحة في الشمال السوري
محمد بلوط
إعادة تقييم غربية «للحمض النووي» للمعارضة السورية المسلحة. ثلاثة أجهزة غربية أمنية على الأقل بدأت عملية رسم خريطة للجماعات السورية المسلحة في الشمال السوري، والتدقيق في هيكلية وتوجهات «الجيش الحر» بحثا عن العناصر الجهادية وتقييم تأثيرها على المنطقة التي يجري تحضيرها في الشمال لتحويلها إلى منطقة آمنة.
ومن بيروت توجهت مجموعة من عناصر الاستخبارات الفرنسية إلى الشمال السوري. وكانت الأجهزة الفرنسية قد قامت بتوسيع حضورها في العاصمة اللبنانية منذ نشوب النزاع السوري تحت مظلة تعزيز امن الوحدات الفرنسية المشاركة في «اليونيفيل». وتشارك في العملية مجموعات من قوات خاصة، تابعة للأجهزة الفرنسية، ستعيد رسم صورة أوضح للتركيبة السياسية للجماعات المقاتلة في الشمال، ومدى قربها من تنظيم «القاعدة».
والقرار اتخذ بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عزمها وضع «جبهة النصرة» على لائحة المنظمات الإرهابية. ويبدو القرار الفرنسي بالدخول للمرة الأولى إلى عمق الأراضي السورية، ومنطقة حلب وادلب، مؤشرا على عزم باريس ممارسة المزيد من الضغوط على الإتحاد الأوروبي لرفع حظر الأسلحة المفروض على سوريا، والذي لا يزال يمنعها، من تقديم أسلحة متطورة إلى «الجيش السوري الحر».
ومن الواضح أن «جبهة النصرة» لن تكون الأخيرة التي ستصعد إلى لائحة المنظمات الإرهابية، وان فصائل «جهادية» سورية أخرى مرشحة للانضمام إليها على تلك اللائحة، عندما يستكمل الأمنيون الغربيون أعمالهم ورسم خريطة «الجهاديين» في المنطقة.
وكانت المحاولة الأخيرة لرفع الحظر عن السلاح إلى سوريا قد اصطدمت بفيتو ألماني، ولكن خفض الفترة المفروضة من سنة إلى ثلاثة أشهر، بات يتيح لفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، استكمال عملية الفرز بين من هو معتدل في «الجيش الحر» وبين الجماعات «الجهادية» أو القريبة من «القاعدة»، والتي عطل وجودها بشكل واسع أي عملية تسليح ذات مغزى للمعارضة السورية من قبل واشنطن.
وقالت مصادر أمنية غربية أن الاستخبارات الأميركية دخلت الأراضي السورية، لكن فرقها تعمل في مناطق قريبة من الحدود مع تركيا، ولم تصل إلى عمق الأراضي السورية خوفا من الاصطدام «بجبهة النصرة» التي تنتشر بقوة في ريف إدلب وبنش وأحياء حلب، وتشكل ما يقارب العشرة في المئة من القوة المعارضة المقاتلة، والأفضل تسليحا وانضباطا وتنظيما من بين القوى التي تقاتل النظام السوري.
ويبدو هجوم الأجهزة الفرنسية والأميركية والبريطانية لاستكشاف حقيقة القوى المقاتلة على الأرض ووقف الاستعانة بغرف العمليات وحدها مؤشرا على أن الحظر المفروض أوروبيا على الأسلحة قد يكون الأخير، وان المحاولة الفرنسية المقبلة في شباط لرفعه ستحقق النجاح المطلوب، بعد أن تكتمل لدى أجهزة الاستخبارات على الأرض السورية اليوم، لوائح الجماعات التي يؤتمن جانبها لتسليمها أسلحة نوعية ومتكافئة، لتغيير توازن القوى مع الجيش السوري والتمهيد ربما لبناء تسوية على قاعدة أفضل لمصلحة المعارضة السورية المسلحة، التي لا تتقدم بالسرعة المطلوبة على جبهات درعا وريف دمشق وتتراجع في حمص وتراوح مكانها في ريف حلب.
وترافق دخول الأجهزة الأمنية بمهمتها الاستكشافية الجديدة مع الدفع نحو توحيد المجالس العسكرية السورية، وعزل الجماعات «الجهادية». وكان اجتماع بدأ قبل يومين في مدينة انطاليا التركية لا يزال مستمرا، بحضور ضباط بريطانيين وأميركيين وفرنسيين وقطريين وإماراتيين وسعوديين وأتراك، لإيجاد سلسلة أركان تقود المعارك في المحافظات السورية، وتقسيمها إلى أربع جبهات عوضا عن خمس كانت قد طرحت في اجتماعات مماثلة جرت في عمان والرياض الشهر الماضي.
ونقلت وكالة «رويترز» عن احد المشاركين في الاجتماع قوله ان الهدف هو التوصل هذه المرة إلى انتخاب رئيس للأركان، وان المعارضة قد توصلت في انطاليا إلى اتفاق على الخطة التي تقدم بها غربيون وتوزيع سلسلة الأركان والقيادات، وكيفية التنسيق بين المجالس المدنية والعسكرية، لكن الخلاف لا يزال مستمرا على الأسماء التي ستحتل هذه المناصب.
ويفرض الغربيون عبر دخول أجهزتهم إلى الأراضي السورية وبعض القوات الخاصة، وعملية التقييم الجارية، معاييرهم في تطهير المعارضة السورية من العناصر الجهادية، وهو مطلب كل من عارضوا في الإتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي رفع حظر تسليح المعارضة السورية، ولكن المعارضة السورية المسلحة تقايض الدعم الغربي المنتظر بخسارة أفضل وحداتها المقاتلة، والتي ينتمي معظمها إلى تيارات سلفية وجهادية و«قاعدية»، إذ تسود وحدات «الجيش الحر» فوضى في تنسيق العمليات القتالية بسبب استنكاف عدد كبير من الضباط المنشقين عن المشاركة في العمليات القتالية وفائض المدنيين في صفوف الوحدات المقاتلة، وانعدام الخبرة، وهو ما يفسر سقوط أعداد كبيرة من القتلى في العمليات التي يخوضها «الجيش الحر» في ريف دمشق بشكل خاص، فضلا عن لجوء الجيش الكثيف إلى الطيران والقصف المدفعي.
ويبدو التدبير الغربي خطوة إجبارية، بعد أن منح الغربيون «المجلس الوطني» ومن بعده «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» و«المجالس العسكرية الثورية» أشهرا طويلة لوضع الآلة العسكرية تحت سيطرة المدنيين وتحجيم الجماعات الجهادية، وهو ما أخفقت فيه كليا، ما دفع بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى إعلان فشل «المجلس الوطني» بنفسها والدعوة إلى تشكيل «الائتلاف»، الذي لن يتقدم كثيرا بسبب الخلافات مع المجلس.
وشكا قيادي بارز في «المجلس الوطني» و«الائتلاف» من أن القطريين والسعوديين لا يساعدون المجلس في عملية توحيد القوى العسكرية، التي يطالبون بها. وقال إن المجلس قد اخفق في فرض الوحدة على المجالس العسكرية ولن ينجح «الائتلاف» لأن الدول التي تزود المعارضة بالسلاح والمال تفاوض مباشرة الضباط وقادة الفصائل المسلحة مباشرة من دون المرور بلجان التمويل في المجلس أو «الائتلاف».
ويسيطر الضباط وقادة الفصائل على مناطق واسعة لا تأتمر بأوامر القيادة السياسية في المجلس الوطني أو «الائتلاف». ويعقد عملية التوحيد تشكيل السعوديين لجنة ضباط باتت تقوم بالاتصال بالمقاتلين وتوزيع الأموال والأسلحة عليهم في سباق مع القطريين الذين يسيطرون على المجلس و«الائتلاف». وقال مصدر معارض إن السعوديين قاموا بتوزيع حوالى 45 مليون دولار على المعارضة المسلحة، لكنه قال بأن الأسلحة السعودية لم تعد تمر عبر تركيا ولكنها تجد طريقها من دول مجاورة أخرى.
وشكا قيادي بارز في المعارضة السورية، بعد اجتماعات القاهرة، من ان القطريين عينوا 50 عضوا في «الإئتلاف»، وانهم باتوا يسيطرون على اطر المعارضة السورية الخارجية، لكنه اقر انه من دون ذلك الدعم ما كان للمعارضة السورية المسلحة والسياسية ان تتقدم. وأشار الى ان القطريين يتمتعون بديناميكية وقدرة على الاستجابة لمطالب المعارضة السورية وحاجاتها تفوق بكثير ما يقدمه السعوديون.
وقال المعارض السوري ان «الإئتلاف» والمجلس يعانيان من ازمة مالية كبيرة، رغم الدعم المقدم. وسخر من الدعم الذي تقدمه بعض الدول الأوروبية، معتبرا ان المبالغ التي يقدمها الأوروبيون لم تعد تكفي لتغطية نفقات الاجتماعات التي يتناوب المجلس و«الائتلاف» على عقدها في الدوحة واسطنبول والقاهرة.
الإبراهيمي ولافروف وكلينتون
وتزامن الحدث السوري في انطاليا، مع لقاء دبلن الذي جمع ثلاثي الخارجية الروسية سيرغي لافروف بالأميركية هيلاري كلينتون والمبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي لمدة 40 دقيقة، وذلك بعد اجتماع لافروف مع الإبراهيمي على حدة ومن ثم اجتماع آخر عقده مع كلينتون.
وقلل الإبراهيمي، بعد الاجتماع، من أهمية النتائج «لأننا لم نتوصل إلى قرارات مثيرة، واتفقنا على أن الوضع سيء، واتفقنا على أننا يجب أن نواصل العمل معا لنرى كيف يمكننا العثور على سبل خلاقة لوضع هذه المشكلة تحت السيطرة، ونأمل أن نستطيع حلها». وأضاف «لقد تحدثنا أيضا حول كيف يمكننا، كما آمل، وضع آلية ترجع سوريا عن الحافة. وضع عملية سلام بناء على اتفاق جنيف».
وأعلن مسؤول أميركي رفيع المستوى لوكالة «اسوشييتد برس» أن اللقاء تركز حول كيف يمكن المساعدة في عملية الانتقال السياسي «بطرق عملية»، مشيرا إلى أن لافروف وكلينتون يدعمان جهود الإبراهيمي وأنهما اتفقا على عقد اجتماع برئاسة الإبراهيمي الأسبوع المقبل، ويضم مسؤولين أميركيين وروسا لبحث الخطوات التالية.
كما تزامن الحدث مع تزايد الحرب النفسية ضد النظام السوري، وتشديد الضغوط عليه، بالتحذير من نيته استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. لكن مصدرا امنيا فرنسيا قال إن التحذيرات الأميركية والفرنسية صدرت بعد وصول ما أسماه بالإنذار الكاذب عن تحريك السوريين وحدات حرب كيميائية.
ويبدو لافتا في سياق اللقاء الروسي - الأميركي مع الإبراهيمي انه يجري، بعد تصريح لكلينتون تساءلت فيه «عن متى سيقرر النظام السوري أن يشارك في العملية الانتقالية». وتبدو الوزيرة، التي تغادر منصبها قريبا، وكأنها تعود مرة ثانية إلى التفسير الروسي لاتفاق جنيف بأن الحل السياسي لن يكون ممكنا من دون مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في العملية السياسية، التي يطلقها اجتماع جنيف، من دون أن تذهب إلى حد تحديد موعد خروجه منها، وهو تماما ما يوافق عليه الروس للبحث مع الأميركيين في تسوية تحمل اسم الإبراهيمي.
ولكي لا يبدو الموقع السوري وحيدا في مواجهة تركيا ونشرها بطاريات باتريوت على الحدود مع سوريا، يبدو أن الروس قد قرروا تزويد سوريا بصواريخ إستراتيجية من طراز «اسكندر اي 18» التي تحمل رأسا متفجرا يزن 400 كيلوغرام، ويصل مداها إلى 400 كيلومتر، ويمكنه اختراق القبة الجديدة التركية.
وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي إن سفينتي إنزال روسيتين تابعتين لأسطول البحر الأسود رستا بالأمس في ميناء طرطوس كانتا تحملان شحنة من تلك الصواريخ، ردا على نشر تركيا وحلف شمال الأطلسي صواريخ «باتريوت» من دون إمكان التأكد من صحة النبأ من أي مصدر آخر.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه