بمقدور المرأة الإيرانية راهناً الخوض في مضمار العلم و الرقي في مدارج العلم مع حفظ دينها و عفتها و تقواها و وقارها و رزانتها و شخصيتها و حرمتها
"في مدينة طهران نفسها كانت مظاهرات النساء ضد الجهاز الحاكم مظاهرات قوية و صارمة. أقول هذا ليتضح أن مشاركة المرأة المسلمة بدوافع إسلامية له سابقته حتى قبل أحداث الثورة الإسلامية."
الإمام الخامنئي
08/02/2010
الفصل الثالث: دور المرأة في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية
أولاً: دور المرأة في التاريخ الإيراني المعاصر
ثانياً: المرأة في عصر الحكم الملكي البهلوي
ثالثاً: دور المرأة في الثورة الإسلامية في إيران
رابعاً: الثورة الإسلامية و المكانة الاجتماعية للمرأة
خامساً: مكانة المرأة من منظار الإمام الخميني (رض)
الفصل الثالث: دور المرأة في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية
أولا : دور المرأة في التاريخ الإيراني المعاصر
كان للمرأة في إيران و لأسباب معينة دور بارز في المرحلة الزمنية الراهنة و ربما في الكثير من الأحداث الكبيرة الأخرى. إذا راجعنا تاريخ المائة و خمسين عاماً الماضية - و هو تاريخ جدّ مهم و زاخر بالدروس و العبر - سنشاهد أن حركة المرأة و مشاركتها في بعض الميادين مهمة و ملحوظة و مؤثرة جداً. و من ذلك إسهام المرأة في حادثة مقارعة الاستعمار بقيادة المرحوم الميرزا الشيرازي في إيران. في مدينة طهران نفسها كانت مظاهرات النساء ضد الجهاز الحاكم مظاهرات قوية و صارمة. أقول هذا ليتضح أن مشاركة المرأة المسلمة بدوافع إسلامية له سابقته حتى قبل أحداث الثورة الإسلامية.
ثانياً: المرأة في عصر الحكم الملكي البهلوي
كانت المرأة مظلومة حقاً و على كافة الأصعدة في المجتمع المنهزم على عهد النظام الملكي القذر. إذا أرادت المرأة الخوض في ميدان العلم فقد كان عليها ترك قيود الدين و التقوى و العفة. السيدة المسلمة المتدينة لم يكن بوسعها في الجامعات و البيئات التعليمية و المراكز العلمية و الثقافية الحفاظ على حجابها و رزانتها و وقارها بسهولة. لم يكن بمقدور المرأة المتدينة المشي في شوارع طهران برزانة و وقار إسلامي أو حتى بنصف حجاب بحيث تبقى في مأمن من لسعات ألسنة الوقحين و حركات المتهالكين على الفساد و الفحشاء الوافد من الغرب. فعلوا في هذه البلاد ما من شأنه تعذّر طلب العلم على النساء غالباً. لم يكن بالإمكان عموماً توجّه المرأة إلى ميادين العلم إلا بترك الحجاب و التخلّي عن التقوى و الوقار الإسلامي!
و كذا الحال في المضمار السياسي و على مستوى الأنشطة الاجتماعية. إذا أرادت إمرأة في العهد الملكي في إيران تولّي منصب من المناصب الاجتماعية و السياسية، كان عليها ترك الحجاب و العفة و الوقار و الرصانة الإسلامية المقررة للمرأة. طبعاً، كان الأمر يعود إلى جوهر تلك المرأة و طبيعتها. إذا كانت رديئة المعدن جداً فعليها الانزلاق إلى تلك الهاوية. و إذا كانت صائنة لنفسها فستحفظ نفسها إلى حدّ ما، لكنها تواجه دوماً ضغوطاً متزايدة تفرضها عليها البيئة الاجتماعية.
في النظام السابق مع أن نسبة كبيرة من النساء كنّ غير متعلمات و لا يعرفن شيئاً عن القضايا الاجتماعية - أي لم يكونوا يسمحون لهن بمعرفة شيء - و كن غير مهتمات بمصير البلاد، و لا يعلمن أساساً أن بوسع المرأة التدخل في تقرير مصير البلاد، مع كل ذلك كن من حيث الظاهر شبه أوربيات، بل و يزدِن أحياناً على النساء الغربيات و الأوربية، و حينما ينظر لهن المرء يتصوَّر أنهن نساء قدِمن إلى إيران تواً من بلد أوربي و من بيئة غربية. و لكن إذا تحدثتَ معهن كلمتين وجدتهن غير متعلمات أو قليلات التعليم! فرضوا على المرأة أن تصنع لنفسها شخصية كاذبة من خلال التبرّج و اجتذاب الأنظار إليها. كان هذا انحطاطاً و ليس تقدماً بالنسبة للمرأة. فهل ثمة جريمة أكبر من هذه بحق المرأة أن يشغلوها بالتبرج و التقليعات و الموضات و الإغواء و الملابس و الذهب و الحلي، و استخدامها لمقاصدهم المختلفة كوسيلة ليس إلا، و عدم السماح لها بخوض ميادين السياسة و الأخلاق و التربية؟ هذا ما تم القيام به في النظام الملكي البهلوي تحديداً و بشكل مبرمج.
ثالثاً: دور المرأة في الثورة الإسلامية في إيران
أثبتت الثورة الإسلامية في إيران خطأ جميع التصورات الباطلة بشأن المرأة فكانت النساء جنوداً في الخط الأمامي للثورة الإسلامية. لو لم تكن المرأة منسجمة مع الثورة و لو لم تكن توافقها و تؤيدها و تؤمن بها لما حدثت الثورة بكل تأكيد. لو لم تكن المرأة أولاً لما تواجد نصف الثوريين أنفسهم في الساحة. ثانياً لكنّ أثّرن على أبنائهن و أزواجهن و إخوانهن و محيط بيوتهن - و للمرأة تأثيرها الثقافي الكبير في البيئة المنـزلية - و منعنهم من التواجد و المشاركة في الساحة. تواجدهن هو الذي استطاع أن يقصم ظهر العدو، و يتقدم بالعمل النضالي إلى الأمام بالمعنى الحقيقي للكلمة. الرجال - سواء كانوا أزواجاً أو أبناءً - يخضعون لتأثير النساء من زوجات و أمهات. هذه حالة حتمية لا مفرّ منها. حتى الأم غير المتعلمة و التي لا تحمل معلومات و تجارب تذكر تتمتع بنفود خاص ليس من سنخ نفوذ المعلم على التلميذ أو الرئيس على المرؤوس. ثمة نفوذ خاص للأم على الأبناء يستمر إلى حين شيخوخة الأم. بمعنى أن الأم إذا أرادت استخدام روح الأمومة و نفوذها لاستطاعت. غالباً ما تؤثر الأمهات على أبنائهن فيتغلغل كلامهن و حبّهن و كلماتهن عند إبداء محبتهن إلى أعماق نفس المتلقّي.
حينما تطورت النهضة الإسلامية في إيران إلى مرحلة الثورة الإسلامية، و تقدمت النسوة إلى الأمام بتصوراتهن الطبيعية التي سادت المجتمع النسوي عن الإسلام، قال الإمام الخميني (رض): لو لم تتعاون المرأة في هذه النهضة لما انتصرت الثورة.
كان للمرأة الإيرانية في تشكيل الجمهورية الإسلامية و الأحداث الكبرى التي تتابعت إلى اليوم تواجدها و تأثيرها بنفس مستوى الرجال أحياناً و أكثر من مستوى الرجال أحياناً، و أقل من ذلك في أحيان أخرى. و كذا الحال في الأحداث السياسية المختلفة و في المظاهرات الدينية و السياسية في البلاد. و في الحقول العلمية و مجالات البناء و السياسية و القضايا الاجتماعية. ثمة سياق عام و متواصل لمشاركة المرأة الإيرانية.
الشخصية الاجتماعية للمرأة كعضو في هذه المنظومة الهائلة لها أهميتها الكبرى. لم يكن للمرأة في الماضي اهتمامها بهذا الجانب على الإطلاق. لم يكن ثمة دور مفترض للمرأة في المسؤوليات العامة للمجتمع. و هنَّ أيضاً لم يكنَّ يفترضن لأنفسهن دوراً معيناً. جميع النساء في القرى و المدن البعيدة يرين اليوم لأنفسهن دوراً و شأناً في هذه الثورة. و ليس بين المرأة و الرجل فرق من هذه الناحية، بل إن النساء يحملن أحياناً إيماناً أصلب و رؤية أوضح لمسائل المجتمع من الرجال، و يرين البلاد و قضاياها من اختصاصهن و مما يعنيهن.
رابعاً: الثورة الإسلامية و المكانة الاجتماعية للمرأة
جاء الإسلام و الثورة و الإمام و جعل المرأة في قطب الأنشطة السياسية، و أعطاهن راية الثورة بأيديهن، و استطاعت المرأة في الوقت ذاته حفظ حجابها و وقارها و رزانتها الإسلامية و عفافها و دينها و تقواها. ليس لأحد حق أكبر من هذا في عنق المرأة الإيرانية المتدينة.
سارت المرأة الإيرانية في طريق جيد جداً بفضل الثورة. بمقدور المرأة الإيرانية راهناً الخوض في مضمار العلم و الرقي في مدارج العلم مع حفظ دينها و عفتها و تقواها و وقارها و رزانتها و شخصيتها و حرمتها. كما بوسع المرأة المساهمة في ميادين العلوم الدينية من دون أن تعترض طريقها أية عقبة. باستطاعة المرأة في إيران اليوم إثبات شخصيتها في الحقول السياسية و الاجتماعية و الجهادية و في مساعدة الجماهير و الثورة و المساهمة في الميادين المختلفة إلى جانب حفظ رزانتها و وقارها و حجابها الإسلامي.
خامساً: مكانة المرأة من منظار الإمام الخميني (رض)
معلم الثورة الكبير الإمام الخميني (قدس سره) كان يجلَّ دور المرأة في الثورة - سواء في ظهورها أو استمرارها - إلى أقصى الحدود، و كذلك منـزلتها في تكامل المجتمع الإسلامي و النضج الإسلامي و الثوري، و هذا هو الصحيح و هذا ما يستدعي أن تواصل المرأة الإيرانية و المرأة المسلمة بإرادة راسخة جهادها للتحرر من الشراك و الفخاخ و من الثقافة الغربية المتفسخة، و لا تستسلم إطلاقاً لإغراءات الذين يريدون المرأة أداة لتحرير سياساتهم الهدامة الآسرة. لا بد من دقة و ذكاء للتفريق بين احترام المرأة و صيانة شخصيتها العلمية و الثقافية و الاجتماعية و الفنية و السياسية، و بين هبوطها و انحطاطها إلى مستوى أداة للمقاصد السياسية و الشخصية، و أن لا يختلط هذان الأمران على أي إنسان حرّ واعٍ.
حاول الإمام الخميني (رض) دائماً أن يمنح للمرأة في المجتمع الإيراني - و هي فيه نصف السكان كمياً و أكثر منصفه نوعاً في بعض الأحيان - شخصيتها. و الشخصية هنا ليست شخصية مفروضة و مفتعلة، بل شخصيتها الواقعية المغفول عنها و المختفية تحت أنواع الحجب. و كان مصرّاً على إظهار تلك الشخصية و استعراضها دوماً أمام الجميع لا سيما أمام النساء أنفسهن، و إقناعهن بهذه الحقيقة المتألقة القائمة.