في عالم غابت فيه الحدود، وباتت العولمة سمة الحاضر والمستقبل ... يظهر الإعلام محركاً للأحداث، يضعها في قالب من التأثيرات، تخترق عقول الناس وتغير سلوكياتهم، وتبتكر فيها ردات فعل إيجابية كانت أم سلبية.
احمد فرحات
في عالم غابت فيه الحدود، وباتت العولمة سمة الحاضر والمستقبل ... يظهر الإعلام محركاً للأحداث، يضعها في قالب من التأثيرات، تخترق عقول الناس وتغير سلوكياتهم، وتبتكر فيها ردات فعل إيجابية كانت أم سلبية.
ردات فعل ترصدها غرف في عواصم التأثير الإعلامي، تمهيداً للضربة الأخرى، وكما قيل فالحرب امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى، وهنا الإعلام المضلل امتداد للحرب لكن بوسائله.
وعلى الجمهورية الإسلامية في ايران حرب إعلامية بالدرجة الأولى، بدأت تحت عنوان حرب الحضارات وإعتبار أن الإسلام يتناقض مع النمط الليبرالي الذي يروج له الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، وتطورت مع السنين لتندرج تحت مسميات الحرب الناعمة، في تصديع بنية الدول المستهدفة من الداخل وفي الخارج.
حرب إعلامية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هدفها بالدرجة الاولى اظهار ان ايران عدوة المنطقة، واغفال عداوة الكيان الإسرائيلي الذي يحتل فلسطين، ويسعى إلى تدمير أولى القبلتين لدى المسلمين ألا وهو المسجد الأقصى، ومنه عرج نبي الإسلام محمد (ص) إلى السماء.
تصوير إيران كتهديد للامن القومي العربي وإغفال "إسرائيل"
ولغايات شيطانية، مارست الدول الغربية دعاية ديماغوجية، استخدمت فيها وسائل الإعلام من مرئية ومسموعة ومكتوبة، لتوجيه الرأي العام نحو إيران، وتصويرها عدواً للشعوب العربية. تركزت هذه الدعاية بحسب رئيس المجلس الوطني للإعلام في لبنان عبد الهادي محفوظ على اعتبار ان لإيران مطامع في نفط الخليج، وأطماعاً في الأراضي العربية، وأكد محفوظ في اتصال مع موقع المنار الالكتروني أن هذه الإشاعات ليست في وارد الحسابات الإيرانية، ولا تسعى إلى أي مما يشاع في الإعلام عن تلك الأطماع في المنطقة العربية.
ويمارس بعض الإعلام الخليجي والغربي تضليلاً مركزاً، فهو أغفل الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية ويعتم بشكل شديد على احتلال الجيش الإسرائيلي لجزيرتين سعوديتين هما "صنافير وتيران" منذ العام سبعة وستين، حيث أقام في احداها قاعدة عسكرية بتقنية حديثة، بحسب بعض المعلومات، وفي ذلك تهديد للأمن القومي العربي بكل المقاييس.
وبمقابل الصمت العربي على احتلال تلك الجزيرتين، نرى ان الإعلام يطل علينا كل فترة ليذكر الرأي العام بالمشكلة الحدودية بين طهران والإمارات العربية على خلفية بعض الجزر، باعتبار أن هذا الأمر تهديداً للأمن القومي العربي، فأين الموضوعية، وأين العدالة.؟!
هذا وإحتلال فلسطين والممارسات الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني ومقدساته واضحة للعيان ولا لبس فيها، ولا تحتاج إلى سرد، غير أننا نرى أن تغطية بعض الإعلام العربي للعدوان الإسرائيلي على الشعوب العربية لا يصل إلى الحد الأدنى المطلوب، بل في بعض المراحل يتطابق مع سياسات الاحتلال في التأثير على الوعي العربي، وجعله ينسى قضيته المركزية وإشغاله بقضايا فرعية، هي ليست مشكلة في الأساس.
مؤسسات تلفزيونية تعزف على الاوتار الطائفية
ومن الأساليب الأخرى التي يسلط الإعلام الغربي عليها يعاونه الخليجي، التركيز على الجانب الايديولوجي، حيث يرى الاستاذ عبد الهادي محفوظ أن الدعوات إلى تكفير الشيعة واعتبارهم طائفة تخرج عن الإسلام، والقول أيضاً بأن ايران تسعى إلى تمزيق المجتمع العربي، هما نوع من البروباغندا، والهدف من ذلك "تحويل التناقض من تناقض مع العدو الاسرائيلي إلى تناقض ما بين ايران والعالم العربي"، وأسف لان بعض العرب استجاب لمثل تلك الدعوات.
وأشار في الإطار نفسه إلى وجود مؤسسات تلفزيونية تضع هدفها كيفية الضغط على ايران بالمعنى الإعلامي، وتطرق إلى إنشاء ما يقارب 700 مؤسسة إعلامية في العالم العربي من أجل "وضع حدود للتأثير الإعلامي الإيراني".
غير أن مساعي الغرف السوداء في تأليب الشعوب العربية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تنجح بحسب ما يشير نبض الشارع العربي ... وهنا تطرق عبد الهادي محفوظ إلى الشعارات التي نادت بها تلك الشعوب خلال انتفاضاتها على حكامها المدعومين من الغرب، فحمل المتظاهرون رايات مناهضة لأميركا وللعدو الإسرائيلي، ومن أجل ذلك سعت العواصم الغربية إلى تدارك الأمر واحتواء الصحوة، وتغذيتها طائفياً.
الموضوعية وكشف الحقائق خير رد على التضليل
وفي خضم تلك الهجمة الإعلامية الشرسة على الجمهوية الإيرانية وعلى المقاومة بشكل عام، في قلب الحقائق وتصوير القتيل مجرماً، والقاتل ضحية، تقع على الإعلام المقاوم تحديات جلى، عنوانها كشف الحقائق، وإفشال المخططات الغربية والصهيونية، عبر إعتماد الصدق والموضوعية نقطة انطلاق في أي مواجهة.
وشدد محفوظ على أن الإعلام الموضوعي هو أفضل وسية لمواجهة تلك الحرب، لأن التضليل هو الخصم، وبالتالي فإن "نجاح المؤسسات الإعلامية المستقلة سواء في البرامج او في التوجيه يتمثل في صدقية الخبر، وعدم تقديمه بطريقة استفزازية، وعدم استخدام نفس الاساليب التضليلة".
وطرح محفوظ عدة أساليب مضادة للوقوف بوجه استشراس الإعلام الغربي والعربي المضلل، ودعا المؤسسات إلى توفير عدد كبير من المراسلين في أكثر من مكان وتدعيم الحدث بالصوت والصورة، وإلى التوجه للرأي العام الغربي، بحيث تصبح المؤسسات الصادقة مصدراً للمعلومات عن المنطقة العربية، هذا إلى جانب إقامة الندوات ومحاولة التواصل مع الشعوب الغربية وحتى العربية بهدف إبراز مدى التضليل وخلق مجتمع واع ومثقف.