يُعدّ تصويت الجمعية العامة في الأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، بمثابة انتصار هام ونادر للفلسطينيين بعد 65 عاماً من مقاومة الإحتلال
كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
بيروت
يُعدّ تصويت الجمعية العامة في الأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، الذي سمّاه بعض سكان مخيمات اللجوء الفلسطينية الإثني عشر في لبنان "شهادة ولادة بلدنا"، أحدث قرارات الأمم المتحدة التي يفوق عددها 400 قرار في ما يخصّ القضية الفلسطينية، كما وأنه بمثابة انتصار هام ونادر للفلسطينيين بعد 65 عاماً من مقاومة الإحتلال.
ومن شأن إجراء الأمم المتحدة هذا، المدعوم من الأغلبية الساحقة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة مع فارق ملحوظ بلغ 138 صوتاً مقابل 9 أصوات، أن يحمل النظام الصهيوني على الأخذ بعين الإعتبار حلّاً عادلاً وسلمياً للصراع القائم.
ومع الإحترام المتوجب لحوالى 50% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي صوّتت ضد قرار فلسطين التاريخي في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 في الجمعية العامة، فلا بدّ من الإشارة إلى أن جزر مارشال، وميكرونيسيا، وناورو (التي تُعدّ أصغر جمهورية في العالم من حيث مساحتها التي لا تتعدّى 21 كيلومتراً مربّعاً، ولا يتخطى عدد سكانها 9378 نسمة) وبالاو (التي يبلغ عدد سكانها 20 ألف نسمة تقريبا) كانت مناطق مشمولة بالوصاية الأميركية سابقاً وأصبحت اليوم "دولاً منضمّة بحريّتها" إلى الولايات المتحدة بحيث أن الرموز البريدية ورموز الهاتف تشبه تلك العائدة إلى الولايات الأميركية إلى حد بعيد، فتصبح أشبه بالولايات ما بعد الخمسين (51، 52، 53، 54) أكثر من كونها دولا مستقلّة، إلا أن العالم قد رجّح كفة تقرير المصير الفلسطيني بكلّ وضوح.
وفعليّاً، فإن السبب الوحيد الذي يجعل من هذه "الدول" الأربع المنشقة أعضاء في الأمم المتحدة هو مساعي واشنطن في حربها الباردة لضمّ الجمعية العامة إلى ركابها عبر زيادة عدد أصواتها الآمنة.
وعلى مرّ الأسبوعين الماضيين، كانت إسرائيل والولايات المتحدة قد جمعتا رزمة من التهديدات لتعويذة السخرية من التصويت الأممي التاريخي على الموضوع الفلسطيني. وقد حاول البلدان نصح الفلسطينيين بالعدول عن طلبهم بمرتبة عضوية دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة، ولكن مساعيهما باءت بالفشل.
وكثيرا ما اعترض المسؤولون الإسرائيليون واللوبي الأميركي التابع لهم، إلا أن ذلك استحوذ على المزيد من الإنتباه والفضول الدوليين عبر تكرار "الإيماءة الرمزية الفارغة والتصرف الأخرق".
وكان "نفتالي بينيت" قائد اليمين المتطرف في الحزب الصهيوني الوطني الديني في إسرائيل "البيت اليهودي" قد حذّر قبل يوم من التصويت، في حديث إذاعي له، من أن "محاولة السلطة الفلسطينية الحصول على مرتبة عدم عضوية في الأمم المتحدة لها آثار حقيقية على إسرائيل، وعلينا اتخاذ تدابير صارمة إزاء ذلك. فأنا لا أقبل بالإدعاء بأن هذا التحرك رمزي فقط". وأضاف أن هذا "ليس رمزياً أبداً، بل له تداعيات حقيقية عمليّة جدا. وعلينا أن نخبر العرب بأنهم إذا تبنّوا استراتيجية أحادية في الأمم المتحدة فإننا سنتبنى استراتيجية أحادية في إضافة مستوطنات في الضفة الغربية".
فثمّة ما يشبه الرمزية الهامة لاعتراف الأمم المتحدة بفلسطين كدولة مراقبة غير عضو في الذكرى الخامسة والستين لتبني الجمعية العامة في الأمم المتحدة القرار 181 (2) القاضي بتقسيم فلسطين بتاريخ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1947. وفي 2 كانون الأول/ ديسمبر عام 1977، سُجِّل أن الجمعية العامة قد دعت للإحتفال السنوي بذكرى 29 تشرين الثاني/ نوفمبر واعتباره يوما عالميا للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
وكانت مساعي الدقائق الأخيرة لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، بالإضافة إلى زيارة نائب وزيرة الخارجية ويليام بيرنز والمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ديفيد هايل ليلة ما قبل التصويت إلى غرفة السلطة الفلسطينية المحجوزة للرئيس محمود عباس، قد أخفقتا في إقناعه بسحب القرار وتضمين ملاحق التعديل المنزوعة المحتوى.
ولم تخطئ كلينتون يوماً بقدر ما أخطأت في إصرارها خلال مؤتمرها الصحفي في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 على أن "الطريق الوحيد نحو الدولة الفلسطينية هو التفاوض. وكما قلت مراراً، فإن الطريق الوحيد نحو حل الدولتين الذي يرضي الشعب الفلسطيني هو عبر القدس ورام الله، وليس عبر نيويورك". وبحسب موظفي الكونغرس الذين هم على صلة بموظفي كلينتون، فإن عددا قليلاً من موظفي وزارتها هم الذين يؤمنون بأن المفاوضات المباشرة قد تؤدي بطريقة أو بأخرى إلى رفض إسرائيل طوعاً نظام فصلها العنصري القائم أو بأن النظام الصهيوني قد أخذ "عملية السلام" في يوم من الأيام على محمل الجد، وما هي فعليّاً إلا خدعة. وبالمقابل، فإن الواقع المتنامي في الشرق الأوسط وفي القارات الخمس كلها، هو الإيمان بأن المقاومة، بأشكالها المختلفة، ستحرر فلسطين من الإحتلال الصهيوني.
الإستخفاف بتصويت الأمم المتحدة...
عقب تصويت 138 صوتاً مقابل 9 أصوات، ردّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المقرّب من اللوبي الأميركي الإسرائيلي، وكما اعتاد أن يردّد كورال اليهود المعادين للعرب والإسلام قول "آمين"، أمثال "آيب فوكسمان" من رابطة مكافحة التشهير، بأنه "وكما هو متوقع، فإن معاداة السامية كانت تكمن وراء التصويت غير المتكافئ". وبحسب كلمات المتحدث باسم نتنياهو، مارك ريغيف، فإن "كل هذا لا يعدو كونه مسرحاً سياسياً رخيصاً لا يجب أن يفاجئ أحد".
وكما عادتها في أي قضية تخصّ فلسطين وإسرائيل، أصدرت اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (أيباك) نقاط الحوار لأعضاء الكونغرس وغيره من المنظمات الصهيونية لاستخدامها في التواصل مع الأعضاء وفي المقابلات الإعلامية. وتجدر الإشارة إلى أن (أيباك) تبقى على اطلاع دائم على عدد المقابلات التي يجريها كل عضو ومدى ارتباطه بالخط الصهيوني ومعرفة كمية الأموال التي يتلقاها كل فرد لقاء ذلك من أجل إعادة الإنتخاب وغير ذلك من المداخيل الإضافية.
ومن أجل هذا التصويت الأممي البالغ الأهمية، استخدم اللوبي الأميركي الصهيوني أعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين "بين كاردين" (ديمقراطي عن ولاية ماري لاند) و "سوزان كولينز" (جمهورية عن ولاية ماين) لكتابة مسوّدة رسالة من شجعان (أيباك) إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ترفض أي محاولة أحادية من قبل الحكومة الفلسطينية للسعي وراء مرتبة دولة غير عضو في الجمعية العامة في الأمم المتحدة.
وقد شدّد العضوان في رسالتهما على أن "الدولة الفلسطينية يمكن أن يتم الإعتراف بها فقط نتيجة معاهدة سلام أوسع يتم من خلالها التفاوض مع الإسرائيليين، ليس من خلال تدابير أحادية يتم اتخاذها في الأمم المتحدة. وبالمقابل، يجب التقرير لتجنّب المفاوضات المباشرة والسعي الأحادي لترقية في الأمم المتحدة، نريد أن نعيد تذكيركم بالتداعيات المحتملة. وكما يشير القرار 185، فإن أي جهود قد تؤدي إلى تداعيات على سياسة الولايات المتحدة ومساعداتها الخارجية".
وقد وجّهت لجنة (أيباك) الكونغرس للقيام بالنقاط التالية التي كانت ضمن "تقرير طارئ" لكل عضو ولجميع الموظفين:
1. عمل الأمم المتحدة هذا لن يؤدي إلى سلام.
والسلام لن يحلّ بغير المحادثات المباشرة. وبرفضه اللقاء برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والسعي للإعتراف بالدولة في الأمم المتحدة، فإن رئيس السلطة الفلسطينية ينسف جهود السلام الأميركية. (ولا شيء دقيق حول هذه النقطة).
2. الإعتراف بالسلطة الفلسطينية يعطي الشرعية لحماس.
فالمجموعة الإرهابية المدعومة من إيران قد أطلقت آلاف الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين وهي مُعدّة لتدمير الدولة اليهودية. ومن خلال منح الإعتراف بالدولة، سيكون المجتمع الدولي قد كافأ حماس على أعمالها الإرهابية بدلا من إدانتها.
3. الولايات المتحدة قد رفضت المقاربة الفلسطينية.
وقد قال الرئيس أوباما إنه "لن يخلق أي تصويت في الأمم المتحدة دولة فلسطينية مستقلة"، واصفاً الجهود الفلسطينية في الأمم المتحدة بأنها "غلطة".
أما نقاط الحوار الأخرى التي طلبت لجنة (أيباك) من الكونغرس القيام بها فتتضمن: في حين تخطو إسرائيل خطواتها نحو السلام، يهرع الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة. إسرائيل تطلب المحادثات والفلسطينيون ما زالوا يرفضون. والفلسطينيون يمجّدون الإرهابيين من خلال مدحهم انتصار حماس.
وما يخشاه قادة إسرائيل الصهاينة، الذين يحاولون مسعورين إغراق المنطقة بالأسلحة الأميركية، بالتزامن مع قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، هو أن يكون من شأن قرار 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 أن يغيّر قواد اللعبة.
وهم على صواب في خوفهم هذا. فخطوة الأمم المتحدة تسمح للفلسطينيين بالمشاركة في مناظرات الجمعية العامة وبالتالي تمنح الإعتراف بفلسطين كدولة بناء على خطوط وقف إطلاق النار ما قبل عام 1967 مع التشديد على الإجماع الدولي الواسع النطاق بأن خطوط ما قبل العام 1967 يجب أن تشكّل الأسس لتسوية سلام دائم.
كما وتفتح هذه الخطوة الباب على وكالات الأمم المتحدة المتخصصة التي يبلغ عددها 17 وكالة ومنها منظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة الطيران المدني العالمي، والصندوق الدولي للتطوير الزراعي، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة الملاحة الدولية، وصندوق النقد الدولي، واتحاد الإتصالات الدولي، ومنظمة التطوير الصناعي، والإتحاد البريدي العالمي، ومجموعة البنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتطوير، وغيرها من المنظمات المرتبطة والمشابهة.
وكما أشارت منظمة "الحق" الفلسطينية لحقوق الإنسان، فإنه "في ظل هذا الموقع المعزّز ضمن المنظومة القضائية الدولية، فإنه سيُسمح لدولة فلسطين بالإنضمام رسمياً إلى أجهزة حقوق الإنسان الدولية وتقنياً إلى غيرها من أجسام الأمم المتحدة، ما يعزّز حماية حقوق الفلسطينيين على الصعيدين المحلي والدولي".
ومن المتوقع أيضاً أن يطالب المواطنون الفلسطينيون في ظل الإحتلال الصهيوني الوحشي باستخدام وضعيتهم الجديدة للإنضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وقد يصرّون على التحقيق في الجرائم الصهيونية الدولية، والجرائم ضد الإنسانية، ومحاولة التطهير العرقي، فضلاً عن مجموعة من الممارسات الأخرى داخل الأراضي المحتلّة. والتحقيق في جرائم كهذه وفرض العقوبات على مرتكبيها هو الهدف من وراء تأسيس محكمة الجنايات الدولية.
ويذكرنا البروفيسور فرانسيس بويل بأن بإمكان فلسطين مقاضاة إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية وإنهاء الحصار غير الشرعي المفروض على غزة، والإنضمام إلى قانون اتفاقية البحر والتأمين على حصتها العادلة بحقول الغاز قبالة شاطئ غزة التي تعود عليها بفوائد اقتصادية هائلة. ويمكنها الآن أيضا الإنضمام إلى منظمة الطيران المدني الدولية وبذلك اكتساب مجالها الجوي الخاص، والإنضمام إلى اتحاد الإتصالات الدولي وبسط سيادتها على موجاتها الهوائية الخاصة بها، أضف إلى خطوط الهاتف وعرض النطاق الترددي.
وما هذه إلا مجموعة بسيطة من الأسباب الكثيرة التي دفعت بإدارة أوباما للخنوع أمام القيادة الصهيونية المحتلة لفلسطين لإحباط مساعي الأمم المتحدة.
وتستمر أفعال إدارة أوباما ومعارضتها العنيفة لتصويت الأمم المتحدة بالحد من ارتباط الولايات المتحدة بالشرق الأوسط إذ تنحدر نزولاً باتجاه الجانب الخاطئ من التاريخ مع الدولة التابعة لها. وفي محاولة لتبرير معارضتها المخزية لمشروع الفلسطينيين الدبلوماسي في الأمم المتحدة، فإن إدارة أوباما قد لا تقدّم سوى ملخصاً ضعيفاً يصدر عن القسم القانوني في وزارة الخارجية الأميركية تتهم فيه منظمة التحرير الفلسطينية بالعمل الأحادي، ما يخالف الإتفاقيات الموقعة ويردّد ببغائياً نقاط حوار (أيباك) الواردة أعلاه.
وتعميق هوية فلسطين القانونية الدولية في منظومة الأمم المتحدة يُعدّ حضوراً شرعياً على المسرح العالمي بحيث تُضمن الحقوق بموجب المبادئ الأساسية للقانون الدولي. ومن خلال الوصول الأعمق إلى منظومة الأمم المتحدة يكون الفلسطينيون قد كسبوا إطار عمل سياسي وقانوني يتمكنون من خلاله العمل وتشجيع المجتمع الدولي على الإمتثال لالتزامه بوقف الجرائم الإسرائيلية ضدهم ووضع حد لانتهاكات إسرائيل الفاضحة للمجتمع الدولي.
يمكنكم التواصل مع فرنكلين لامب على بريده الإلكتروني
fplamb@gmail.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه