16-11-2024 05:34 AM بتوقيت القدس المحتلة

مقالات وآراء الصحف الخميس 21/4/2011

مقالات وآراء الصحف الخميس 21/4/2011

مقالات وآراء الصحف الخميس 21/4/2011


ـ السفير - نبيل هيثم : أين الشطارة في طعن المقاومة وإدخال البلد في سياسة المحاور؟
ميقاتي يواجه «المطاردة اليومية»: لا تستفزوني.. فلن أعتذر
أين يقف نجيب ميقاتي بعد 85 يوماً على تكليفه، وما الذي يمنع ولادة حكومته حتى الآن؟
ربما يكون ميقاتي الأقدر على الإجابة باعتباره المعني الأول بالسؤال وبحركة التأليف، خاصة أن كلاماً كثيراً يصدر من مطارح عدة، بينها محيطه المدافع عنه وبأنه يبذل ما بوسعه، ومن ناصحين يشركونه في مسؤولية التأخير، ومن سياسيين يرون فيه مماطلا بامتياز، ومن كامنين له مراهنين على سقوطه، ومن «مكيودين» ظنوا رئاسة الحكومة ملكاً دائماً لن يؤول لغيرهم كما آل اليهم.
منذ اليوم للتكليف، أرسى ميقاتي قاعدة «السرعة لا التسرّع»، وتدرّجت تلك الحركة حتى إعلانه من القصر الجمهوري في الأسبوع الماضي، عن المهلة الجديدة لإجراء مزيد من المشاورات لعلها تنتشل الحكومة من كومة التعقيدات العالقة فيها، فقد أراد من تلك المهلة أن يتحمّل معه اللبنانيون بعض الوقت، مع إدراكه ان الوقت بات يمر ثقيلا عليهم كما عليه شخصياً. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو ميقاتي مقيداً بمهلة معينة انطلاقاً من قرار اتخذه بقبوله التكليف وتحمل المسؤولية بكل مترتباتها، وبالتالي هو يتحرّك الآن على قاعدة انه سيشكل الحكومة في نهاية المطاف، إن لم يكن عاجلاً فآجلاً، ولا مجال للتراجع عن اصراره على التأليف الا في حالة وحيدة، اي عندما يجد نفسه انه اصبح سبباً للفتنة ولعدم الاستقرار وللإطاحة بالدستور، وانه مكبل اليدين وغير قادر على فعل أي شيء، وفي المقابل، فطالما يرى نفسه عنواناً لإسقاط مشروع الفتنة بين السنة والشيعة من جهة وبين السنة والسنة من جهة ثانية، وعاملا لتثبيت الاستقرار والسلام الاهلي في لبنان وحافظاً على الأصول الدستورية، فهو مستمر الى الآخر. وهناك في محيطه من يذكـِّر كم كان حجم الاحتقان المذهبي كبيراً قبل تكليفه وكم تراجع بعد التكليف فما أبعد اليوم عن الأمس، «وهذا يعد انجازاً لميقاتي».

قيل الكثير عن تعرض الرئيس ميقاتي لضغوط خارجية وتهديدات لمصالحه في الخارج، لكن لم تبرز من جانبه اية تأكيدات جازمة بحصولها، لا بل نفي لها، سواء من دمشق التي لا تمارس هذا الدور وان كان كثيرون طالبوها بالتدخل ورفضت، او من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي لم تصدر عنها اية اشارات «ربما لأن ليس لميقاتي اي استثمار في اميركا» (يقول إنه يمتلك هناك بناية لا يتعدى سعرها الثلاثين مليون دولار). الا ان هذا لا يحجب ما يوصف بـ«المطاردة اليومية» التي يتعرّض لها من قبل من تضرروا من وصوله الى رئاسة الحكومة، إن برسائل نصية عبر الهواتف الخلوية وبشكل شبه يومي، تروّج لعجزه عن تشكيل الحكومة وانه لن يجد امامه سوى الاعتذار في نهاية المطاف، او بمحاولة استفزازه بالتشكيك بموقفه الوطني وبتوجهه السياسي وبانتمائه المذهبي وبقدرته على الإمساك بالأمور وتنسب اليه عجزه «امام واقع اكبر منه».. وهناك من رأى ان المقصود بالواقع الأكبر منه تلك التركة الثقيلة والرهيبة التي خلّفها حكم السنوات الخمس الأخيرة. وهناك من يقول للتاريخ «في العام 2005 كانت الامور أحسن الف مرة مما هي الآن».
وللعلم فإن تلك المطاردة يتعرّض لها ميقاتي منذ لحظة تكليفه، وكان الكلام يفعل فعله لديه، ولكنه لم يتصور يوماً ان الأمور ستصل الى هذا المستوى من التهجم الشخصي والاتهام بالخيانة الوطنية وبالانقلاب على مذهبه، ولكن رغم ذلك لم يظهر مكنونه ولم يذهب الى حيث حاول الآخرون ان يستدرجوه اليه، وفاجأهم ببرودة اعصابه وبتمثـّله بـ«ابو الهول» وقوله: لا تستفزوني ولا تبتزوني فأنا باق ولن أتراجع ولن أعتذر».
هناك من أخذ على الميقاتي انه حاول ان يفرض حكومة امر واقع، ولكن هناك من يقول ايضا انه ارادها فعلاً، فهل كان ليتشاور حولها مع كل الفرقاء، كان القصد واضحاً من محاولته تحفيز الآخرين على حسم امورهم وخياراتهم وقراراتهم. والحكومة التي يريدها حددها كفريق عمل متجانس متوافق، واما سقفها فموضوعي لا يصل الى حد اعتبارها حكومة يقع على عاتقها اصلاح كل ما افسده الدهر، على ان احداً لا يستطيع ان يتكهن بولادة هذه الحكومة او التورط بتحديد موعد ولو تقريبي، لكن العنوان الذي يظلل حركة ميقاتي على خط التأليف هو «تدوير الزوايا» خاصة ان هناك افكاراً جديدة طرحت وتبدو صالحة لتقريب وجهات النظر، لكن المشاورات لم تصل الى نتيجة نهائية بعد، ذاك ان ما تم تحقيقه حتى الآن هو قطع أكثر من نصف المسافة المطلوبة للتأليف بقليل، واما ما تبقى من المسافة فلا يبدو شائكاً بل قابل للحلحلة، خاصة انه يشمل اموراً تفصيلية قيد المعالجة.
الا ان وزارة الداخلية تبقى الأمر الوحيد الشائك، ومكمن التعقيد فيها هو ان ما يتحكم بحركة الاتصالات والافكار التي تطرح حيالها هو عنوان رئيسي يؤيده رئيس الجمهورية وقد لا يعارضه ميقاتي خلاصته «لا لإسناد الداخلية الى طرف» خاصة أن اولى اولويات الحكومة الميقاتية هو إعداد قانون جديد للانتخابات، فأي قانون انتخابي سيصدر اذا ما كان طرف بعينه على رأس الداخلية، ولنفرض ان الظروف قد تحول من دون اعداد قانون انتخابي، واستمرت هذه الحكومة حتى الانتخابات المقبلة، فمن يقبل بها اذا ما كان مدير الانتخابات وزير داخلية ينتمي الى طرف سياسي مشارك بمرشحين فيها. وبالتالي فإن اكثر الاقتراحات مقبولية ان تسند الى شخصية واقية معتدلة قريبة من الجميع... فهل تنطبق تلك المواصفات على زياد بارود؟

ولعل أكثر ما يحاول ميقاتي الهرب منه هو الا تتحوّل الحكومة الى تركيبة «فيديرالية مقنعة» خاصة أن هناك من بات يأخذ على التأليف انه نتيجة الحرب الدائرة على الحقائب اصبح يشبه توزيع التركات وحصر الإرث.. ولعل ابلغ رسالة اراد ايصالها الى من يعنيه الامر هو التزام منطوق الدستور وما تمليه الصلاحيات جملة وتفصيلاً، والحكومة لا تعلن لا من فردان، ولا من الرابية ولا من الضاحية ولا من اي مكان آخر، بل من القصر الجمهوري حصراً.
على مدى اشهر التكليف الثلاثة الا خمسة ايام، استطاع ميقاتي ان يثبت حضوره في شارعه على رغم حساسية هذا الشارع والاصطفاف الموجود، والفارق شاسع ما بين اجتماعي المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في دار الفتوى، وبرغم كل التحريض لم يشكل حالة منفرة حتى داخل جمهور تيار المستقبل، خاصة انه ليس آتياً لضرب الحريرية، وهي التهمة التي الصقت به وصنفته شريكاً في اسقاط سعد الحريري وانهاء عصره.
وقد لا يقف ميقاتي كثيراً عند الهجوم عليه من قبل «14 آذار»، فهذا امر طبيعي ناجم عن الموقف السياسي الذي نحا اليه هذا الفريق في ظل الظروف الجديدة، ولكنه قد لا يبلع ان تشارك بعض اوساط «8 آذار» في الهجوم عليه، وهناك الكثير مما يتناهى اليه عما يقال ضده في السر والعلن. قد تكون خلف هجوم البعض في 8 آذار اعتبارات متصلة بالتأليف وغايتها الاشراك في الحكومة، ولكن هناك في الجانب الآخر من استفزه كلام ميقاتي حينما اكد على الثوابت، واولها انه ليس آتياً لطعن المقاومة وهل هناك شطارة في طعن المقاومة؟.. وهل هناك شطارة في ادخال البلد في سياسة المحاور؟

ـ السفير - نصري الصايغ :  «تحيا سورية»... بالحرية والمقاومة
Iـ أين أقف... هنا أم هناك؟ إنها ساعات للقلق والحيرة. لا شيء يطمئن. سوريا على مفترق خطر: النجاة بكلفة باهظة، او الفوضى بكلفة دامية مستدامة. إنها ساعات للقلق والحيرة، فأين تقف، وفي أي اتجاه تسير؟ كيف توفق بين قيادة في سوريا، دعمت المقاومة، وصمدت في مواجهة الحصار ونجت من هول التهديد، وبين تظاهرات شعبية تطالب القيادة الراهنة، بالحرية والديموقراطية؟ كيف توفق وبين الطرفين دم يسفك؟ خشيتي على المقاومة تدفعني الى الوقوف مع هذه القيادة لسوريا، وايماني بالحرية والديموقراطية يلزمني بالوقوف الى جانب القوى التي ترفع لواءيهما... حاولت ترتيب الموقف، وفق منطق الأولويات: أيّهما أهم: المقاومة، أم الديموقراطية؟ وخرجت باستنتاج بديهي وصعب. إنهما معاً في مرتبة الأولوية. ليست المقاومة أولاً والديموقراطية ثانياً. الاثنتان توأمان، بحاجة إليهما سوريا، والأمة كذلك. لذلك افتيت لنفسي بالموقف التالي: «كن مع المقاومة ومع الحرية. وبالقدر الذي تقف فيه داعماً للديموقراطية، قف مع المقاومة». خالجني اطمئنان مؤقت. لم تحل مشكلتي. فالمقاومة في طرف والديموقراطية في طرف، وبينهما تسفك دماء، كأننا ذاهبون الى الهاوية. إذا ملت الى القيادة في سوريا، خفت على الديموقراطية والديموقراطيين، وان ملت الى حركة الميادين والساحات، خفت على المقاومة. يخالجني شك، ان «المعركة» بين الطرفين قد تسفر عن ضياع المقاومة ونحر الديموقراطية وفوز الفتنة وانتشار الفوضى، إذا افلتت الغرائز الطائفية والمذهبية والأقوامية واستحضرت شياطين الاستباحة... او إذا قررت السلطة، ان تقترف التطرف، وتصبح اسيرة اللجوء الى الأمن، بحجة الدفاع عن... لا حصانة في العنف السائد راهنا، لا للمقاومة ولا للديموقراطية. ...فأين أقف، ولا وسط بين الطرفين. لا منزلة فضلى بين المنزلتين والمنازلتين. لا قدرة للوقوف مع هنا ضد هناك، او العكس، فهل أبقى عرضة للدوران بين دوّامتين؟

IIـ مع سوريا... ولكن سوريا الراهنة، ليست من طائفة الدول التي استبسلت في ممارسة العجز. سوريا كانت وحيدة في معركة الأمة. دعمت المقاومة في لبنان وفلسطين بكلفة باهظة، ولم تتراجع. كانت باسلة جداً، الى حد المغامرة. التهديد كان بليغاً، الشروط إملائية، العقوبات على الباب، حصاراً ونبذاً ومطاردة. (لبنان نموذجاً كساحة مواجهة مع سوريا). لقد نالت سوريا جراء دعمها للمقاومة حصة الأسد، وكان حسابها الدولي عسيراً، وحسابها العربي نبذاً. ودعم سوريا للمقاومة لم يكن كلامياً، ولا كان سياسياً فقط. كان دعماً أملته قواعد الاشتباك وقواعد القتال وقواعد الحروب. كان دعماً بالعتاد (وما أدراك ما العتاد)، إنه عصب المقاومة وأحد شروط الانتصار. من دونه تصير المقاومة نشيداً لا طلقة، شعاراً لا قذيفة، خطاباً لا معركة، موقعة لا انتصاراً... لولا سوريا لكانت المقاومة في خطر، فالسلاح زينة القتال، لا زينة الرجال. لم توفر سوريا جهداً او ذكاء او حيلة او تدخلاً، لحماية ظهر المقاومة في لبنان، من خصوم محتملين معروفين، غير معلنين عن أنفسهم، ولكن من أفعالهم تدرك نواياهم. لقد جنبت المقاومة في لبنان، طعنات في الظهر. ولما انسحبت سوريا من لبنان، انكشف ظهر المقاومة، ولا يزال، وكلفة حمايتها، انقسام البلد... ولا يزال. الكلام على دعم سوريا للمقاومة، ليس كالكلام الذي يُقال عن دعمها «لحلفائها» السياسيين، حلفاء المناصب والمغانم والصفقات. دعمها للمقاومة أنتج أعظم الانتصارات، بعد قرن من الانكسارات: طردت إسرائيل من لبنان. هزمت مشروع شارون/ الجميل (بشير). أطاحت مشروع الدولة البديل. افشلت عدوان تموز الإسرائيلي المدعوم أميركياً والمؤيد دولياً والمزكى عربياً. حدث كل ذلك، بقوة المقاومة المدعومة من سوريا التي وفرت للجانب الإيراني ممرات آمنة وعبوراً متدفقاً لأدوات المواجهة والصمود. وهكذا، هزمت حفنة من الرجال، دولة من العتاد. لقد هزمت المقاومة، إسرائيل مرتين، وتستعد للثالثة... والثالثة، بحاجة الى سوريا. فمن حقي أن أقلق على سوريا هذه. لأنها كانت الوحيدة بين العرب، بعروبة نضالية.  من حقي أن أقف معها هنا، انما، ليس من حقي ان اقف معها، حيث أخفقت مراراً. اخفقت في الإصلاح، وجعلت السياسة من الممنوعات. ولا حياة لأمة ومجتمع، بلا سياسة.

IIIـ عودة الروح... إلى الحرية لا مفر من تونس. منها كانت البداية. وكما كانت المقاومة في لبنان، بداية زمن الانتصارات، وتأسيساً استراتيجياً لرسم ملامح المنطقة في علاقتها مع الاحتلال والقوى العظمى الامبريالية، كذلك مع تونس والبو عزيزي، بدأ زمن عربي جديد، لا مفر منه. انه عصر الديموقراطية العربية. لقد وصل بو عزيزي الى البلاد العربية كافة. إليه ينتمي جيل جديد من شباب العرب. لهب الثورة ينتقل بسرعة اللمح من المحيط الى الخليج، وفق روزنامة جديدة: أكثر من حدث في اسبوع واحد. ثم، أكثر من حدث في يوم واحد. ثم أكثر من حدث في ساعة واحدة. تعداد الأماكن مفيد، ومراقبة الشاشات دليل. لا استراحة للثورة الديموقراطية. لا محطة تترجّل فيها. عدوا الدول العربية كافة، تجدوا بو عزيزي والملايين التي تشبهه في الشارع، أو على أهبة الاستعداد لحمل مشعل الحرية وبيرق الديموقراطية. المقاومة، أسست لعصر عربي جديد، خلخل انظمة عربية شديدة الوطأة، فارتمت في حضن «حاميها حراميها»، وثورة تونس وبعدها مصر، أسست لعصر عربي، تأخر حضوره قرناً من الزمن. انه عصر الثورة الديموقراطية. استبعدت الأنظمة العربية بلوغ بو عزيزي مجالها السياسي. حصنت نفسها بالخصوصية. رأت ان لكل نظام طبيعته ولكل مجتمع ظروفه وقواه، ولكل بيئة مخاطرها ومنزلقاتها او حتى... مناعتها. غاب عن هذه الأنظمة، انها متشابهة، ووجه الشبه الأكيد، ان عمودها الفقري، هو جهاز الأمن، وان شعوبها متعطشة للحرية والديموقراطية والتغيير. فات هذه الانظمة ان ما بينها قرابة في جعل الاستقرار شعاراً دائماً، مهما كان الثمن. والتجربة تفيد، ان لا اصلاح مع الاستقرار، ولا مكافحة فساد مع الاستقرار، ولا تنمية مع الاستقرار... الاستقرار حامي التكلس والتصحر والعدوانية والجشع والبلطجة. الاستقرار حامي الطفيليين من رجال الأعمال الى سماسرة الصفقات. الاستقرار، ابن العتمة السياسية والظلام الحقوقي. وجه الشبه الكبير والفاقع بين الأنظمة العربية، هو في كون الأمن، الألف والياء، هو البداية والنهاية. وهو، كجهاز فاعل، ينمو ويعظم ويتضخم وينتشر ويتداخل ويتدخل بالسياسي ويتفوق عليه، وبالاقتصادي فيشاركه ويشترك فيه، وبالمال فيتقاسمه قسمة ضيزى، ثم يتفوق على المجتمع والهيئات والمؤسسات، ويتحوّل الى قطب، لا حياة من دونه، او من الدوران معه او خلفه. هذا الأمن، مرعي من السلطات كافة، لأنه يريحها. يشطب السياسة ويلغي السياسيين، يكنس القضايا واصحابها. يسخف الشعارات وحامليها... لقد كانت هذه الخصوصية الفظة، بطاقة دعوة ملحة لجماهير بو عزيزي كي يحضروا على وجه السرعة... فانتشرت الانتفاضات بأسرع من اللمح، وقاسمها المشترك: لا مفر من الحرية والديموقراطية، مهما كان الثمن.
ما كان منقطعاً بين رواد النهضة والأحزاب النهضوية التي كان على عاتقها إحداث التغيير وبناء الدولة الديموقراطية المدنية الحديثة، عاد واتصل برواد الساحات والشوارع. اليوم، يعود مع هؤلاء، جيل من الرواد يعود عبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده وفرح انطون وبطرس البستاني وعلي عبد الرازق وطه حسين وشبلي الشميّل... تعود قوافل النهضويين الذين رفعوا لواء العلمنة والحرية والدستور وبناء الدولة. كل هؤلاء، عادوا، وهم الذين يحتلون المدى المرئي من التظاهرات. أما من يريد ألا يرى سوى شذاذ ومندسّين، فمشكلته بسبب النظارات التي يرى فيها. وهي نظارات عمياء، وغير صادقة بالمرة.

IVـ ولاة الشياطين والملائكة عندما تخفّ وطأة الأمن، او عندما تنكسر حلقة هيبتها، يفتح المجتمع السفلي المضغوط أبوابه، ويخرج من نظام التقية والممالأة. سطوة الأمن، يصاحبها تراجع للقيم الاجتماعية ولشفافية الاخلاق. يتخلق الناس بأخلاق ذميمة، اقرب الى اخلاق البلطجة، التي تعكس صورة رجل الأمن. كما يصاحب سطوة الأمن، استدعاء الفتاوى وعودة الوعاظ ليكونوا أداة التثقيف والتدجين والسلفية. كما يصاحب سطوة الأمن، توحش رأسمالي سلطوي، يتغوّل معه الواقع برمّته. الأمن يحافظ على الاستقرار، ولكنه، يصيب المجتمع بتشوهات لا عدّ لها. تواجه السلطات العربية اليوم أمواجاً متتالية من المطالب، اخطرها الحرية. والحرية ليست مجاملة سياسية، تقدم على ممارستها السلطة. الحرية شطح وبلوغ. كل مسّ بجوهرها عسف وقهر. الحرية المحدودة المختصرة مضجرة وكسولة. انها حرية بشعة جداً. الحرية الممنوحة، هدية مسمومة. لقد خرجت الجماهير من أجل حرية حقيقية، وليس من أجل حفنة من «الحريات» الصغيرة، التي تعبر عن خبث وكذب وكلام معسول. الحرية كي توجد كما ينبغي، يجب ان تصان عبر مؤسسات مؤمنة بالحرية. ان تراجع الأمن يعجل بانفجار المكبوت والمسكوت عنه. يعجل بانكشاف ما كان مختبئاً، وهو مرعب حقاً، وجميل حقاً. مع تراجع الأمن، يكتشف المجتمع شياطينه وملائكته، ويسمع ما يقال، وخصوصاً، ما لا يقال. تراجع الأمن، يتيح لأناس ان يصعدوا الى السطح. ان يحتلوا قسماً من المشهد. ان يقولوا نصاً مختلفاً ونظيفاً وان يمثلوا جمهوراً كان في غيبوبة قسرية. إننا اذن امام تاريخ جديد: تاريخ الحرية. لقد أخرجنا التاريخ منا، بسبب الاحتلال والتخلف والسلطة. المقاومة أعادتنا الى صناعة تاريخنا والمساهمة بتاريخ الآخرين. والحرية، أعادتنا الى صناعة تاريخنا امام دهشة العالم وذهوله. العالم، لم يكن يتوقع اننا أحياء جداً في أقبية المجهول السياسي والمجاهيل الأمنية. هذا هو التحدي الاستراتيجي والذي يتطلب أجوبة استراتيجية وإصلاحات استراتيجية، لضمان مسيرة الحرية البناءة، كبديل عن «الفوضى البناءة» و«الأمن البناء».
Vـ تغيير النظام وبقاء السلطة أين أقف. مع قيادة سوريا أم مع الشارع السوري؟ لا حل عندي. الحل سيكون نتاج سلوك السلطة وحكمتها، ونضج المعارضة وعقلانيتها. ما أقدمت عليه السلطة ما زال دون الحدّ المقبول. الجرأة مطلوبة والتخطي مطلوب وتجاوز الذات مطلوب. وعليه، لا بد من طرح أسئلة حاسمة
 أ ـ هل باستطاعة القيادة في سوريا، أن تغيّر النظام؟ إن اعلان رفع حالة الطوارئ. بداية لتغيير آليات العمل في النظام الطوارئ، ألغت الحياة الدستورية، شوهت القوانين، استباحت قوى وأحزاباً وهيئات، أمنت سلطة الحرب اعلان رفع حالة الطوارئ وإلغاء المحاكم العرفية، خطوة في اتجاه صيانة الحرية. فماذا عن مأسستها؟
ب ـ هل بمقدور القيادة اعلان حالة طوارئ دستورية سريعة، تفضي الى تخلي عن امرة الحزب الحاكم والقائد، وفتح الممرات للحياة السياسية كي تمارسها أحزاب سياسية وعقائدية؟
ج ـ هل بمقدور القيادة، اعادة الشرعية الى الشعب، كمصدر للسلطة. عبر إقرار قانون انتخابي عادل ويوفر الضمانات القصوى لممارسة حق الاقتراع وحق الترشح، على قدم مساواة، تحت سلطة القانون.

إن مثل هذه الإجراءات، تغيّر النظام الراهن، وتبقي على السلطة. على ان مثل هذه الإجراءات، إذا أقرّت، بحاجة الى ثقة متبادلة. المعارضة بحاجة الى ما يقنعها، بغير الكلام. لعل الحوار السياسي التشاركي، (لا فوقية لأحد فيه)، يوفر فرصة لاستعادة الثقة. ولعل السلطة الراهنة، تقدم على صيانة إصلاحاتها وجديتها، بانتقال سريع الى إشراك الجميع (باستثناء من حمل السلاح) في المرحلة الانتقالية، التي تهيئ المناخ لقيام سلطة يفرزها تطبيق النظام السياسي الجديد. لقد فات عهد الإصلاحات الجزئية. فات زمن الرشوة بإصلاحات مؤجلة أو مبهمة. إما إصلاح بفتح الطريق الى الديموقراطية وإما عناد متبادل، يطيح الجميع. أخشى أن يكون الزمن قد فات. وباتت سوريا على وشك الدخول في الفوضى الهدامة.
أخيراً: ثلاثة مبادئ ترجح النجاة والنجاح وبها تحيا سوريا:
أ ـ المقاومة، على أن تضمنها المعارضة.
ب ـ الحرية، على أن تقتنع بها السلطة.
ج ـ الوحدة الوطنية، على أن يصونها الطرفان.
وحذار من الجهنم الليبي، والتمذهب العراقي، والعبث اللبناني...



ـ النهار- راجح الخوري : لبنان دولة فاشلة !
ماذا ينقص بعد لإعلان لبنان دولة فاشلة؟ لم يعد ينقص شيء. فقد اكتمل انهيار هيبة السلطة واحترام القانون وتهاوت منظومة الحقوق والواجبات، ليس في عمل الدولة فحسب، بل في العلاقات العادية بين المواطنين. والآن تسجِّل تصرفات شتات الدولة تناقضاً فضائحياً بين منطقة وأخرى ومواطن وآخر! فهنا مثلاً لا تستطيع أن تدق مسماراً من دون حضور الدورية، إن لم يكن لفرض القانون فلتحصيل "الحق المكتسب"، منذ صارت الدولة موظفة عند الموظفين، قوانينها مجرد فواتير للتحصيل الشخصي ولا من يسأل. أما هناك، فتستطيع أن تشيد بيتك على الأملاك العامة وحتى على أملاك المواطنين الآخرين، ولن يستطيع عنترة بن شداد أن يقول لك لماذا. وإذا كنت ممن يعشقون التراث فيمكنك أن تختار أي قلعة أثرية فتجعل منها منزلاً لعائلتك السعيدة. في صور مثلاً، برز حفيد للاسكندر المقدوني وقام أخيراً بتشييد ثلاثة منازل على الأملاك العامة التابعة لحرم الملعب الروماني وبدأ إقامة منزل رابع لأحد أبنائه!
هل تجرؤ الدوريات على الدخول الى هناك؟ أوَلم تتعلم ما يكفي من توقيف بعض عناصرها وحبسهم لفترة من الوقت، لمجرد أنهم حاولوا تطبيق القوانين؟ ألا تعلم أن القانون مجرد عجينة تتشكل وفق ما تقرر الأيدي القوية التي تملك رهبة السلاح؟ لا، لم يعد لبنان دولة، إنه غابة فالتة، فالموظف لا يرد على المدير، والمدير يشتم الوزير، والوزير يستطيع أن يفتح على حسابه كما يشاء. لم يعد هناك من ينقل خبراً صادقاً أو يذيع خبراً صحيحاً إلا نادراً. هذا زمن القدح والذم والتراشق بالتهم والشتائم. لا ندري من ألقى بهذه الجثة هنا. فهل مطلوب من الدولة أن تدري؟ ليس بالضرورة. ربما لأن البحث عن الأحياء الذين خطفوا، مثل أولئك الأستونيين التعساء الذين أكلتهم الغابة الفالتة أهم. ثمة منابر كثيرة تحاضر في العفة وتسأل عن المال السائب الذي علّم الناس الحرام، رغم أن في وسع الصناديق التي أنشئت قبل 20 عاماً أن "تبقَّ" سيولاً من الفضائح، ولكن الذين استحوا ماتوا.
هذا بلد عاجز عن تأليف حكومة حتى من المتحالفين، من غير شر، وعن اتخاذ قرار من دون انقسام يعطل البلاد. هذا وطن مقتول، بعض أهله إما مجانين في ما يفعلون، وإما مجانين من هول ما يشاهدون. ولعل ما يثير القنوط أن المنطقة بأسرها تشتعل الآن، بهدف الوصول الى مشروع دولة هنا وحلم ديموقراطية هناك، في حين يسير لبنان الذي كان دولة وديموقراطية عكس السير، وصولاً الى الفوضى وشريعة الغاب!