"... إن المحكمة الدولية غير عادلة بدلالة التعديلات الاخيرة التي اجرتها على قواعد الاجراءات والاثبات لديها"، هذا ما عبّر عنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير
"... إن المحكمة الدولية غير عادلة بدلالة التعديلات الاخيرة التي اجرتها على قواعد الاجراءات والاثبات لديها"، هذا ما عبّر عنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير في معرض حديثه عن التعديلات الجديدة التي اجرتها المحكمة الدولية على قواعد الاثبات لديها.
فقد اجتمعت الهيئة العامة لقضاة المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري خلال الفترة الممتدة من 8 الى 11 تشرين الثاني/نوفمبر واجرت العديد من التعديلات على قواعد الاجراءات لديها ومن ابرز هذه التعديلات ما يتعلق بشهادة الشهود امامها، وبتبليغ القرارات والاحكام الصادرة عنها، ومنها ما يتعلق بإجراء المحاكمات امامها بصورة غيابية.
ولكن السؤال ما مدى تأثير هذه التعديلات الجديدة على عدالة عمل المحكمة والقرارات والاحكام التي يمكن ان تصدر عنها اكان في مرحلة التحقيق او في مرحلة المحاكمة؟ لمعرفة ذلك لا بدّ من معرفة مدى ملاءمة هذه التعديلات للقواعد العامة للقانون. فهل راعت هذه التعديلات الجديدة القواعد العامة المعمول في القانون على الصعيدين الدولي والمحلي؟ ام انها ضربت بعرض الحائط كل ما له علاقة بالقانون متناسية انها جهة قضائية هدفها الاساس الوصول الى حقيقة من قتل الرئيس رفيق الحريري؟
لكن قبل الاجابة والبحث في كل هذه التساؤلات يطرح سؤال بديهي واولي هل قانوناً يجوز لمحكمة او لجهة قضائية بعينها ان تضع لنفسها قواعد الاجراءات التي تحكم عملها وهل يجوز لهذه المحكمة وقضاتها ان يعدّلوا بأنفسهم هذه القواعد كما نص نظام المحكمة الدولية هذه؟
جوني: اعطاء قضاة المحكمة امكانية تعديل قواعد الاجراءات "هرطقة قانونية"
للاجابة على هذا السؤال وما سبق توجهنا الى الخبير في القانون الدولي الدكتور حسن جوني الذي اكد في حديث لموقع المنار ان "الهرطقة القانونية والخطأ الاساس في نظام المحكمة الدولية هذه هو اعطاء قضاة المحكمة امكانية تعديل قواعد الاجراءات والاثبات المفروض ان يعمل بها امامهم"، واضاف ان "قواعد الاجراءات امام القضاء الدولي يشبه قانون اصول المحاكمات في القانون الداخلي الذي يضعه المشرع اي البرلمان الوطني في الدول ليتقيد القاضي بها وكذلك الخصوم امامه"، لافتاً الى انه "يجب ان يكون لدى المحكمة الدولية لجان مستقلة مهمتها وضع قواعد الاجراءات وتعديلها ليتقيد بها القاضي الدولي"، مشيراً الى ان "المحكمة الجنائية الدولية فيها لجان مؤلفة من الدول الاعضاء فيها واختصاصها هو وضع وتعديل قواعد الاجراءات فيها".
وفيما شدد جوني على ان "الخطورة تبرز عندما يسمح نظام المحكمة للقضاة بتعديل قواعد الاجراءات عندما يرون ضرورة لذلك او عندما يرون ان الظروف تستدعي ذلك"، وتابع ان "الامر يعطي قضاة المحكمة استنسابية كبيرة في تقدير الظروف التي تستدعي التعديل بإعمال رغبتهم وارادتهم دون اية ضوابط او معايير"، مشيراً الى انه "للمرة الاولى على الصعيد الدولي توجد محكمة قضاتها هم من يضع ويعدل قواعد الاجراءات المتبعة امامها"، معتبراً ان "إعطاء هذه الصلاحية للقضاة لا يمكن اعتبارها سابقة قضائية او قانونية دولية لان ذلك يتنافى مع تأمين حسن سير العدالة وحسن سير عمل المحكمة".
اما في موضوع التعديلات الجديدة وفي طليعتها تعديل قواعد الاثبات فيما يتعلق بشهادة الشهود بحيث اصبح يجوز عدم حضور الشاهد الى جلسة المحاكمة وعدم مواجهته بالمتهم او المدعى عليه الذي سيحاكم او يعاقب على اساس شهادة الشاهد الغائب، كما اجازت التعديلات للشاهد ان يرسل شهادته خطياً الى المحكمة فهل يتوافق هذا الامر مع احكام القانون ومبادئه العامة؟
تعديلات المحكمة الدولية لقواعد الاجراءات لا تراعي "المبادئ العامة للقانون"
بالتأكيد انه تماشياً مع احكام القانون وبما يضمن حسن سير العدالة يجب ان تتم المحاكمة مع مراعاة مبدأ العلنية والشفهية في المحاكمة بما يستدعي تواجد المدعى عليه امام المحكمة لتستمع اليه شخصياً ولتتيح له مناقشة ما يرد بحقه من ادلة وافادات شهود وما يرغب في تقديمه من ملاحظات واعتراضات ودفاع.
وهذا المبدأ يعرف بمبدأ "الوجاهية" الذي يتيح لكل الفرقاء في الدعوى ابداء ما يرونه مناسباً من اعتراض او معارضة لما يجري وكذلك ابداء الادلة والدفاعات المؤيدة لموقفهم.
وفي هذا الصدد واعمالا للوجاهية رأى جوني ان "ليس فقط المتهم يستطيع ان يناقش الشاهد ويسأل ويفند وانما للقاضي وللمحامي وللمدعي العام ان يقوموا كما المتهم بما يرونه جديراً باستجلاء الحقيقة والكشف عن تفاصيل الوقائع الجرمية وما يفيد في هذا المجال"، مؤكداً ان "ذلك يعتبر من حقوق الانسان في المحاكمة بحسب القوانين الدولية كما انه شرط لتحقيق محاكمة عادلة دولياً وداخلياً"، واعتبر جوني ان "السماح بعدم حضور الشاهد وتقديم شهادته خطياً هو حماية من قبل المحكمة لشهود الزور الذي لن يحضروا ولن يتواجهوا مع من يتهمونهم زوراً"، مضيفاً ان "هذه التعديلات قد تكون حصلت بهدف عدم احراج القضاة الدوليين انفسهم اذا ما ارادوا استدعاء شهود الزور للحضور امامهم والادلاء بشهادتهم وهنا يظهر ان التعديلات مشبوهة لانها قد تكون قد تمت نتيجة ضغوط على القضاة".
جوني: خطورة التعديل المتعلق بالتبليغ ارتباطه بإعطاء مهلة شهرين لاتمامه
اما فيما يتعلق بالتبليغ: فقد عدلت المحكمة قواعد التبليغ فيها بأنها جعلت التبليغ بدل ان يتم الى الشخص المراد تبليغه يحصل الى الدولة اللبنانية التي تقوم هي بإجرائه، ويقول جوني إن "خطورة هذا التعديل تكمن بارتباطه بتعديل آخر اجري وهو اعطاء مهلة شهرين لاتمام التبليغ حيث انه بعد مرور هذه المدة ستبدأ المحاكمات الغيابية غير الجائزة قانوناً والغير متعارف عليها دولياً".
اي ان هذا التعديل –وهو الاخطر على الاطلاق- قد اعطى الحكومة اللبنانية مهلة لاتمام التبليغ والقاء القبض او جلب المتهمين والمطلوبين الى المحكمة الدولية خلال شهرين ستبدأ المحاكمات الغيابية بعدها.
المحكمة ستبلغ مجلس الامن ان لبنان غير قادر على جلب المطلوبين فيضع يده على الموضوع
وهنا يرى جوني "مربط الفرس" بأنه في حال لم يتم التبليغ وجلب المتهمين المطلوبين الى المحكمة خلال شهرين ستعتبر هذه المحكمة الدولية اللبنانية غير قادرة على اتمام المهمة، وعندها سترسل برسالة الى مجلس الامن تعلمه ان لبنان غير قادر على تسليم المطلوبين الى المحكمة ، عندها يضع مجلس الامن يده على الموضوع ويتخذ قرارات على اساس الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة بما تتضمنه من حلول عسكرية وامكانية استعمال القوة لتنفيذ قرار المحكمة.
واكد جوني ان "هذا قرصنة دولية واضحة لان بعض الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة يريدون بالاعتداء على القانون الدولي العام ان يكرسوا معادلة جديدة في العالم وليس فقط في المنطقة مفادها ان من سيعارضنا سنخلق له اي مشكلة او اغتيال لشخصية ما مثلاً لنوصله في النهاية الى محكمة دولية تنفذ قراراتها تحت الفصل السابع وما له من تبعات".
بريطانيا اكدت ان المحاكمات الغيابية تفقد القضاء الدولي عدالته
اما فيما يختص بالمحاكمات الغيابية على صعيد القضاء الدولي فيشير جوني الى انه "عند إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في العام 1998 رفضت بريطانيا المحاكمات الغيابية على صعيد القضاء الدولي معتبرة انها –اي المحاكمات الغيابية- تفقد المحكمة عدالتها وشرعيتها.
وفي هذا المجال نشير الى ان المحاكمات الغيابية جائزة قانوناً على صعيد القضاء الداخلي بحيث اذا تعذر ابلاغ الشخص المطلوب تبليغه بموعد جلسات محامته او اي اجراء آخر بالطرق المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات (وهي طرق عديدة منها العادي ومها الاستثنائي) يحاكم الشخص غيابياً على انه عندما يحضر شخصياً للمحاكمة تسقط كل الاجراءات السابقة التي اتخذت بحقه غيابياً وتبدأ محاكمته بصورة وجاهية من جديد كأحد تطبيقات مبدأ الوجاهية والشفهية.
سعد الله الخوري: المحاكمات الغيابية دوليا امر مستغرب ومرفوض
وفي هذا السياق توجهنا الى الرئيس السابق للمجلس الدستوري في لبنان القاضي يوسف سعد الله الخوري الذي قال إن "المحاكمات الغيابية جائزة قانوناً من حيث المبدأ على انه عند جلب المتهم تسقط هذه المحاكمة وتعاد محاكمته من جديد بإجراءات واحكام جديدة"، مستغرباً "موضوع المحاكمات الغيابية امام القضاء الدولي لان عمل هذا القضاء كالمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الحريري هو عمل مؤقت اي ان هذه المحكمة وجدت بصورة مؤقتة لتأدية عمل محدد".
وسأل الخوري "ماذا لو حوكم الشخص غيابياً اليوم ومن ثم انتهى عمل المحكمة ورحلت ورحل قضاتها وبعد ذلك تم جلب الشخص الذي حوكم غيابياً"، مضيفاً انه "قانوناً يجب اعادة محاكمته بصورة وجاهية بينما المحكمة المختصة بذلك رحلت"، متسائلاً "عن الحل الذي سيتبع حينذاك"، بالتأكيد سيكون حل صعب التصور ومعقد وسيطرح الكثير من الاشكاليات القانونية والحقوقية، واكد الرئيس سعد الله الخوري ان "سبب كل ذلك هو التعديلات الغريبة والاستفزازية التي اجرتها الهيئة العامة لقضاة المحكمة الدولية".
والسؤال هنا في معرض تصورنا لحل هذه المعضلة الغريبة التي طرحها الخوري: هل سنحتاج في ذلك الوقت الى محكمة دولية خاصة جديدة لمحاكمة من سبق ان حوكم غيابياً من قبل المحكمة الدولية الحالية، وهل بفضل هذه التعديلات سيعيش لبنان والمنطقة هاجس المحاكم الدولية الخاصة؟!! وماذا عن صلاحيات تلك المحاكم الافتراضية وقواعد الاجراءات فيها؟
الجواب على ذلك سيكون رهناً بما سيحصل ليس فقط في المستقبل القريب عندما سيصدر القرار الظني المرتقب عن المحكمة الدولية وانما هو رهن بالمستقبل كل المستقبل الذي قد يحمل لطلاب الحقيقة الابعاد الحقيقية للمحكمة الدولية وتعديلاتها.
ولكن نظام المحكمة الذي ولد هشاً منذ البداية وافرز مثل هذه التعديلات يبين انخفاض منسوب العدالة التي ستقررها الاحكام والقرارات المرتقبة.
فنظام غير قانوني او منطقي لا يتبع ولا يحفظ الحد الادنى من المعايير والضوابط المتفق عليها في العالم بالتأكيد لن يوصل الا الى التجاوزات كتلك التي كرستها التعديلات الاخيرة ويؤكد ان لا عدالة لهذه المحكمة.